فى شهر رمضان تعودت هند رستم أن تتولى بنفسها خدمة تقديم طعام الإفطار لكل من يعملون فى منزلها، تبدو حالة نادرة فهى لا تمنحهم فقط مبالغ إضافية أو شنطة رمضان، لكنها تقف على خدمتهم وبعدها تبدأ إفطارها!! حالة استثنائية فى تفاصيل حياتها المنزلية مثلما هى أيضا حالة استثنائية بين كل النجمات عبر الشاشة، كان الهدف فى البداية هو صناعة نجمة موازية لأسطورة هوليوود «مارلين مونرو»، مثلما تجد أن عددا كبيرا من نجوم السينما فى ذلك الزمان كانوا تنويعات على نجم هوليوود «كلارك جيبل». هند رستم لم تكن أبدا صورة من أصل، كانت هى الأصل، تخطف الكاميرا بلمحة أو نظرة. فى فيلم «غزل البنات» كانت هى تلك الفتاة الحسناء الشقراء التى تركب الخيل خلف ليلى مراد، وهى تغنى «اتمخترى يا خيل» كانت عين مخرج الفيلم أنور وجدى قد وضعتها فى عمق الكادر، ولكنها فرضت نفسها لتحصد بعدها بطولة 80 فيلما، ولم تتنازل أبدا عن المقدمة. كانت تتابع الذى جرى للكبار أمثال عماد حمدى، ومريم فخر الدين، حيث تراجعت أسماؤهم وتقلصت مساحة أدوارهم، وعرض عليها على بدرخان الاشتراك فى بطولة «الكرنك»، أصرت أن يسبق اسمها سعاد حسنى ورشحها أستاذها حسن الإمام لبطولة «بالوالدين إحسانا»، واشترطت أن يسبق اسمها فريد شوقى. هند لا تبالغ فى تحديد مكانتها بل تنشد المنطق وتحترم التاريخ، أتذكر أن مهرجان القاهرة فى مطلع التسعينيات قرر تكريمها فقالت لسعد الدين وهبة رئيس المهرجان: «شادية تسبقنى زمنيا، وهى الأحق منى»، واعتذرت عن عدم التكريم حتى لا تتخطى شادية، بينما فى مهرجان الإسكندرية عندما تأخر المهرجان عن تكريمها اعتذرت لأنهم لم يحترموا أيضا تاريخها. النظرة الضيقة لهند رستم هى أن نقول إنها تساوى الإغراء. الصحيح أن نقول هند رستم تساوى الأنوثة، والفارق شاسع فما هو الإغراء بمعناه المباشر فى فيلم مثل «أنت حبيبى» كان فريد الأطرش يغنى فى القطار «يا مجبل يوم وليلة»، وهى ترقص بالجلباب البلدى فتخطف العين. «هنومة» فى رائعة يوسف شاهين «باب الحديد» ليست غواية أو إغراء بجردل الكازوزة ولكنها الأنوثة، الصراع بين رهان الرقة الذى سيطر على نجمات التمثيل فى ذلك الزمان فاتن، وماجدة، ومريم، وشادية، وسميرة، كان يقابله على الجانب الآخر وبأسلوب منفرد أنوثة هند رستم. بصمة خاصة داخل الأسانسير فى «بين السماء والأرض» لصلاح أبو سيف فى مساحة مكانية لا تتجاوز مترين، إنها الأنوثة وليست الإغراء، هند رستم فى فيلم «إشاعة حب»، وهى تؤدى دور هند رستم، قدمت الصورة الذهنية لهذه الفنانة كما يراها الناس. ابتعدت هند عن الحياة الفنية أكثر من 30 عاما، لكنها لم تغب، ظلت متابعة لما يجرى وتدلى برأيها عبر الصحافة، وأيضا كان صوتها حاضرا فى البرامج الإذاعية والتليفزيونية حتى تمكن الصديق محمود سعد من تسجيل حوار بالصورة قبل نحو عامين فى «البيت بيتك». لم تقترب الكاميرا منها إلا بتردد وبمسافة ولفترة زمنية محدودة، وكتبت أن وجود هند رستم كان نصف ظهور، وأرسلت إلى ابنتها بسنت ردا، وكأنها تعبر عن رأى هند، ونشرته وعقبت عليه، واكتشفت أن هذا قد كان أقصى ما يمكن أن نحصل عليه من هند حتى لو لم يشف صبرنا، ورحلت هند فى رمضان، وأتصور أنها كانت حريصة حتى اللحظة الأخيرة أن تقف على خدمة من يعملون بمنزلها لأنها فنانة وإنسانة استثنائية.