«نحن أمام لحظة لا نشهدها كثيرا في المجتمع الدولي والعالم المعاصر، وتختلف عن المسار العادي للأمور.. لحظة تتحد فيها مسارات ومصائر»، هكذا تحث الكاتب الأشهر محمد حسنين هيكل، عن الحالة التي يشهدها المناخ العالمي وما يصاحبها من ثورات وإحتجاجات هي الأولى من نوعها في التاريخ. هيكل، أضاف في لقاءه مع الإعلامي محمد كريشان على قناة الجزيرة، أن المجتمع الدولي يعيش ظروفا مستجدة، فلسنا في صراع قوى واضحة، وإنما أمام قوى ليس لها قيد أو عرف يحكم أفعالها، بعدما لجأت الصراعات العالمية إلى وسائل أخرى لحسمها بخلاف الوسائل التقليدية، فدائما كانت هناك وسيلتان هما «الدبلوماسية والحرب» في معالجة الأمور وهو ما أصبح غير فعال الآن لممارسة الصراع. «نظرية السوق حدث بها خلل كبير» أكد هيكل ذلك، معللا بقيام الإنسان لأول مرة في حياته بشراء ما لا حاجة له به، ودفع ما لا يملكه، معلنا عن موت نظرية العرض والطلب، بعد ظهور وسائل جديدة تخلق طلبا يدفع الناس لشراء ما قد لا يريدونه بوسائل لا يملكونها، مما أوقع الجميع في مشكلة، سواء كانوا أفرادا أو دولا، وأرهقت العالم الديون. وفي رده على سؤال حول النقطة التي إنطلق منها العالم إلى هذا الوضع الجديد، أجاب هيكل، بأن هذا الوضع بدأ عندما إعتقدت الرأسمالية ممثلة في الولاياتالمتحدة أنها تستطيع فعل ما تشاء بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، بالتوازن مع رغبتها في تعظيم المكاسب، في ظل عالم فقد الكثير جدا من أفكاره، وحدث – لأول مرة في التاريخ – وتم الفصل بين مواقع الإنتاج ومواقع المال، بعدما تم نقل صناعات كثيرة جدا إلى آسيا، وغيرها من المناطق، ما خلق قوى مناوئة لا تملك قوة عسكرية أو تتمكن من الدخول طرفا في الصراع الدولي. وحول بدء إنهيار الهيمنة الأمريكية – التي كان قد قدرها سابقا ب25 سنة فقط – قال هيكل، أن أمريكا هي الأقوى وستظل الأقوى لفترة، ولكن قدرتها على السيطرة بدأت فعليا في الإنحصار، ولم تعد تملك القدرة على التصرف وحدها، مستشهدا بدورها في ليبيا، واستخدامها لفكرة «القيادة من الخلف»، حيث لم ينزل جندي أمريكي واحد على الأرض الليبية وإنما استخدمت عمليات الإسقاط للقنابل والقصف بالطائرات، ما يكشف أنها بدأت في التعامل بأسلوب المقاول، لأنها تستخدم وسائل لا تملكها أي أنها تدير أكثر منها تمارس. هيكل أكد أن حلف الأطلنطي وقف عاجزا، وأن أوروبا التقليدية أصبحت بلا إرادة أو قوة تمكنها من حسم أي شيئا حتى في بلد هامشي مثل ليبيا، واكتشفت دولتان مثل انجلترا وفرنسا أن هناك حدود لا يمكن تجاوزها، حتى أنهم إشتركوا في حاملة طائرات واحدة أثناء إسقاط نظام القذافي، وأضاف بقوله «العالم كله أصبح موجودا حيث لم يكن يتوقع الحلف.. وحتى هذه اللحظة لم يتفهم». وعن النموذج الصيني، قال هيكل «الصين تجربة فريدة في التنمية وتنظيم الإنتاج والإدارة وفي الفصل بين رأس المال والملكية، فكونفشيوس لازال موجودا في بكين، ولكن الصين نموذج غير قابل للتكرار إلا أنه قابل للدراسة والفهم». في الوقت نفسه، أكد هيكل أن الصين أمامها مشاكل عديدة جدا، فقوة الإقتصاد بها لازالت أقل من نصف قوة الإقتصاد الأمريكي المتأثر، في الوقت الذي توزع فيه الثروة على ما يساوي خمس مرات عدد السكان في أمريكا، كما أن التقدم الباهر ينحصر في شرق الصين بينما الداخل لم يصل بعد لهذا الثراء، وهو ما سيخلق تغييرات اجتماعية كبيرة. فيما أكد هيكل، أن الفيتو الذي استخدمته الصين ضد عقوبات مجلس الأمن على سوريا، لم يكن من أجل سوريا، ولكن كي يعرف الأمريكان أنهم لا يستطعيون أن ينفردوا بشيء في العالم. وفي الختام، قال هيكل «العالم لم تعد فيه قيادات ملهمة»، سواء في الولاياتالمتحدة أو في أوروبا، اللهم إلا بعض الشخصيات التي تحدث ضجيجا فقط، خاصة بعد إختفاء الملامح التقليدية للصراعات وإختفاء القوى الصاعدة، ما خلق مسرحا لا يستطيع أن يعرض الشخصيات القائدة، ضاربا مثالا لذلك بأمريكا، فبعدما كان ينظر لأوباما على أنه «مبشر».