كل دول العالم مديونة بما يوازي دخلها القومي كل دول العالم مديونة بما يوازي دخلها القومي وسائل الصراع التقليدية اختفت وظهرت وسائل جديدة ليس من بينها الحرب والدبلوماسية الصين تجربة فريدة.. قابلة للدراسة ولكنها غير قابلة للتكرار الكاتب محمد حسنين هيكل "نحن أمام لحظة لا نشهدها كثيرا في المجتمع الدولي والعالم المعاصر، وتختلف عن المسار العادي للأمور.. لحظة تتحد فيها مسارات ومصائر"، هكذا تحث الكاتب الأشهر محمد حسنين هيكل، عن الحالة التي يشهدها المناخ العالمي وما يصاحبها من ثورات واحتجاجات هي الأولى من نوعها في التاريخ. هيكل، أضاف في لقاءه مع الإعلامي محمد كريشان على قناة الجزيرة، أن المجتمع الدولي يعيش ظروفا مستجدة، فلسنا في صراع قوى واضحة، وإنما أمام قوى ليس لها قيد أو عرف يحكم أفعالها، بعدما لجأت الصراعات العالمية إلى وسائل أخرى لحسمها بخلاف الوسائل التقليدية، فدائما كانت هناك وسيلتان هما "الدبلوماسية والحرب" في معالجة الأمور وهو ما أصبح غير فعال الآن لممارسة الصراع. "نظرية السوق حدث بها خلل كبير" أكد هيكل ذلك، معللا بقيام الإنسان لأول مرة في حياته بشراء ما لا حاجة له به، ودفع ما لا يملكه، معلنا عن موت نظرية العرض والطلب، بعد ظهور وسائل جديدة تخلق طلبا يدفع الناس لشراء ما قد لا يريدونه بوسائل لا يملكونها، مما أوقع الجميع في مشكلة، سواء كانوا أفرادا أو دولا، وأرهقت العالم الديون، مستشهدا بأمريكا، التي كنا نظنها الأغنى، وأن كل مواطن أمريكي دخر 10% من دخله، أصبحنا نراها مضطربة ومرتبكة، وكل مواطن أمريكي أصبح مدين ب10% من دخله! وأصبحت كل دول العالم في حالة عجز، فالجميع يسير بالدين ويشتغل بالدين ويتجار بالدين. الصحفي صاحب التجربة الفريدة من نوعها في العالم، أكد أن صراع الدول أصبح غير موجود والنظريات التي كانت قائمة اختفت، وأنه لأول مرة لم يعد أمامنا قوة يبدو أنها صاعدة، وليس على الأفق ما يشير إلى قوة أو دولة أو تحالف قوي صاعد، وإنما كل ما يوجد هو مجرد مجموعات مصالح مرتبطة، حتى أن فكرة الحرب والصراع أصبحت داخلة في مقاولات، وأصبحنا أمام عالم غريب مرهق بطلباته دون قيادة، وأن نظام نظام السوق بدأ في التداعي معلنا عن عدم قدرته على الاستمرار حتى نهاية التاريخ كما كان يقال، ورأينا دولا تحارب بلا دم ولا جيوش، وإنما عن طريق الإدارة، كما حدث في ليبيا من قبل أمريكا وحلف النيتو. وفي رده على سؤال حول النقطة التي انطق منها العالم إلى هذا الوضع الجديد، أجاب هيكل، أن هذا الوضع بدأ عندما اعتقدت الرأسمالية ممثلة في الولاياتالمتحدة أنها تستطيع فعل ما تشاء بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، بالتوازن مع رغبتها في تعظيم المكاسب، في ظل عالم فقد الكثير جدا من أفكاره، وحدث - لأول مرة في التاريخ – أن تم الفصل بين مواقع الإنتاج ومواقع المال، بعدما تم نقل صناعات كثيرة جدا إلى آسيا، وغيرها من المناطق، ما خلق قوى مناوئة لا تملك قوة عسكرية أو تتمكن من الدخول طرفا في الصراع الدولي. وحول بدء انهيار الهيمنة الأمريكية – التي كان قد قدرها سابقا ب25 سنة فقط – قال هيكل، أن أمريكا هي الأقوى وستظل الأقوى لفترة، ولكن قدرتها على السيطرة بدأت فعليا في الانحصار، ولم تعد تملك القدرة على التصرف وحدها، مستشهدا بدورها في ليبيا، واستخدامها لفكرة "القيادة من الخلف"، حيث لم ينزل جندي أمريكي واحد على الأرض الليبية وإنما استخدمت عمليات الإسقاط للقنابل والقصف بالطائرات، ما يكشف أنها بدأت في التعامل بأسلوب المقاول، لأنها تستخدم وسائل لا تملكها أي أنها تدير أكثر منها تمارس. "أوروبا تعلمت الاعتماد على أمريكا في مواجهة الاتحاد السوفيتي"، أكد هيكل ذلك، مشيرا إلى أن القوة الملفتة الآن في أوروبا هي ألمانيا، لأنها صاحبة اقتصاد قادر على التنفيذ والاستمرار رغم الدين، مستدركا بأن كل دول العالم مديونة بما يوازي دخلها القومي، مشيرا إلى الفرق القوة الاقتصادية بين غني مديون وفقير مديون، لافتا إلى أن سر تقدم البشرة كان قدرة الإنسان على إنتاج أكثر مما يستهلك، وعكس ذلك هو الخطر بعينه. هيكل أكد أن حلف الأطلنطي وقف عاجزا، وأن أوروبا التقليدية أصبحت بلا إرادة أو قوة تمكنها من حسم أي شيئا حتى في بلد هامشي مثل ليبيا، واكتشفت دولتان مثل انجلترا وفرنسا أن هناك حدود لا يمكن تجاوزها، حتى أنهم اشتركوا في حاملة طائرات واحدة أثناء إسقاط نظام القذافي، بعدما أثقلت أوروبا الديون وكبلها الجنون الاستهلاكي، فبعدما كانت هناك ثروة تحتاج إلى تراكم ومدة، ظهرت الآن ولأول مرة "الثروة المفاجئة"، مثل بيل جيتس الذي تمكن في لحظة إشراق من تكوين ثروة طائلة وخيالية. وأضاف بقوله: "العالم كله أصبح موجودا حيث لم يكن يتوقع.. وحتى هذه اللحظة لم يتفهم". وعن النموذج الصيني، قال هيكل: "الصين تجربة فريدة في التنمية وتنظيم الإنتاج والإدارة وفي الفصل بين رأس المال والملكية، فكونفشيوس لازال موجودا في بيكين، ولكن الصين نموذج غير قابل للتكرار إلا أنه قابل للدراسة والفهم". في الوقت نفسه، أكد هيكل أن الصين أمامها مشاكل عديدة جدا، فقوة الاقتصاد لازالت أقل من نصف قوة الاقتصاد الأمريكي المتأثر، في الوقت الذي توزع فيه الثروة على ما يساوي خمس مرات عدد السكان في أمريكا، كما أن التقدم الباهر ينحصر في شرق الصين بينما الداخل لم يصل بعد لهذا الثراء، وهو ما سيخلق تغييرات اجتماعية كبيرة. فيما أكد هيكل، أن الفيتو الذي استخدمته الصين ضد عقوبات مجلس الأمن على سوريا، لم يكن من أجل سوريا، ولكن كي يعرف الأمريكان أنهم لا يستطعيون أن ينفردوا بشيء في العالم. أما عن روسيا ودورها، فقال هيكل، أن روسيا كانت تحتل مكانة معينة على الساحة، وحاولت كثيرا استعادة ما يمكن استعادته من هذا الإرث، ولكنها الآن عادت لمعرفة حجمها، مذكرا بأن كل الأطراف الموجودة على الساحة الدولية يعرفون حجمهم جيدا ويتصرفون على هذا الأساس. ما دفعه للتطرق إلى الحديث عن تأثير الدول، مشيرا إلى هذا التأثير يحدث بمقدار تواجد الدولة في النظام المالي العالمي والإعلامي العالمي أو بالأصح، بمقدار التواجد في الفوضى المالية والإعلامية العالمية، وفي الفاعلية الفكرية في البحث عن المستقبل، مؤكدا أن كل الأطراف الذي تحدث عنهم موجودون وفاعلون في أقاليمهم ولكنهم غير فاعلين على نطاق أوسع، بعدما تحول العالم إلى إدارة الحروب على طريقة إدارة الشركات ودعوة المساهمين. وفي الختام، قال هيكل: "العالم لم تعد فيه قيادات "ملهمة"، سواء في الولاياتالمتحدة أو في أوروبا، اللهم إلا بعض الشخصيات التي تحدث ضجيجا فقط، خاصة بعد اختفاء الملامح التقليدية للصراعات واختفاء القوى الصاعدة، ما خلق مسرحا لا يستطيع أن يعرض الشخصيات القائدة، ضاربا مثالا لذلك بأمريكا، فبعدما كان ينظر لأوباما على أنه "مبشر"، واختتم: "أصبحنا نتسائل الآن.. ماذا جرى لهذا الحلم؟ فهذا الرجل لا يقف إلا ليعلن عن عملية قتل، مثل القذافي وبن لادن والعلاقي، انتظرته كمبشر ولكنه ظهر في النهاية على صفحات الوفيات".!!