بعض النجوم تصبح أسماؤهم علامات دالة على بلادهم.. مثل أم كلثوم، وعبد الوهاب، مصر، فيروز والرحبانية لبنان، أبو القاسم الشابى، تونس.. مهما تبدلت الخريطة الفنية حتى لو انحسرت النجومية بحكم الزمن.. إلا أن الإطار الدلالى لهذه الأسماء لا يعترف حتى بالغياب الجسدى لأن لهؤلاء حضورهم دائما فى الذاكرة الجماعية.. أرى فى سوريا أن دريد لحام استطاع أن يشكل فى وجدان السوريين هذا الإحساس.. صحيح أن العالم العربى، خصوصا مع انتشار الفضائيات، بات يرتبط وجدانيا بأسماء أخرى، إلا أن فى سوريا كان دريد يحمل هذا اللواء، يشفع له تاريخه وأدواره السينمائية والتليفزيونية والمسرحية، لكن نزعت عنه الجماهير السورية مؤخرا تلك المكانة بسبب موقفه المتخاذل مع الثورة!! العقاب الذى يلقاه هؤلاء النجوم يأتى مؤلما، لو أنهم لم يحافظوا على حالة الدفء مع الجماهير، ودريد حاليا يدفع الثمن!! دريد هو نموذج صارخ لدلالة أخرى، وهى الفنان الذى يبدع فى ظل سلطة جائرة، مثل أغلب الحكام فى عالمنا العربى.. هذا الفنان بينه والنظام الحاكم اتفاق غير معلن، لكن يدركه الفنان بإحساسه، وهو أن عليه مراعاة الخط الأحمر.. وهكذا لو ألقيت نظرة على مجمل إبداعاته التى تشبعت بروح انتقادية، سوف تجد أنها وصلت إلى سقف المسموح، لكنها فى نفس الوقت تصالحت مع السلطة، لأنها فى عمقها تعمل لصالح النظام.. نموذج مواز لدريد فى مصر، عادل إمام فى أعماله الفنية التى تشبعت بروح انتقادية، لكنها كانت تتصالح مع النظام.. جاءت الثورات العربية لتكشف خداع القطاع الأكبر من الفنانين ونال دريد القسط الوافر منها، خصوصا أن نظام بشار لا يزال يعتبر دريد ورقة من الممكن المراهنة عليها، ولهذا وجهت إليه الدعوة للحضور مع المعارضة فى التمثيليات التى يطلقون عليها جلسات، يعقدها النظام السورى مع بعض المعارضين ليقدم صورة زائفة للعالم بأنه يمد يده إلى الرأى الآخر، ولعب دريد بحضوره هذه الجلسات أسوأ أدواره! وفى مسلسله الرمضانى «خربة» يواصل دريد الدفاع عن النظام السورى.. مستغلا هذه المرة الثورات العربية بعد أن يعيد قراءتها لتصب فى صالح بقاء نظام بشار، بتلك المقولة الزائفة وهى أن سوريا ليست تونس ولا مصر ولا اليمن ولا ليبيا، ولهذا يتخلل المسلسل عدد من المشاهد لبعض اللقطات التى صارت تحمل رائحة ثورة الربيع العربى، إلا أنه يؤكد أن سوريا عصيّة على الثورة.. لو شاهدت المسلسل سوف تجد أن دريد يؤدى شخصية رجل حكيم وهو الشيخ «أبو نمر»، ولو تأملت وجهه بعد المكياج لن ترى سوى شنب أبيض كثيف.. قد تنسى مع الزمن باقى تفاصيل الوجه، لكنك أبدا لن تنسى الشنب، مثلما من الممكن أن تنسى وجه زاهى حواس. ولكنك لن تنسى قبعة زاهى.. والشنب فى الثقافة العربية يساوى الرجولة والشهامة والجدعنة، واللون الأبيض أضاف له أيضا معنى الحكمة والوقار، ولهذا طالب شباب الفيسبوك دريد بأن يحلق شنبه، فلم يعد لائقا بعد مواقفه المتخاذلة التى تتعارض مع الرجولة والشهامة والجدعنة والحكمة! لا تزال الجماهير العربية هى التى تملك بيدها العصمة، حتى مع النجوم الذين صاروا بمثابة أيقونات فى بلادهم. دريد يتلقى الآن من الجماهير السورية والعربية أقصى وأقسى مشاعر الازدراء، يكفى أنهم يجمعون الآن التوقيعات من أجل نزع شنبه!