المنافسة المصرية - السورية تنتقل هذا العام من المجالات الدرامية إلي القيم الثورية والديمقراطية ليس من المعقول أن يعادي فنانو سوريا ثورة شعبهم بعد قتل المطرب إبراهيم قاشوش وحملات اعتقال المثقفين يبدأ، الاثنين المقبل، "رمضان درامي" مختلف عما اعتدناه خلال السنوات الأخيرة، بعد ربيع الثورات العربية.. ويمثل المتغير السوري - في رأيي - أبرز مظاهر الاختلاف، ليس فقط بسبب انقسام الفنانين السوريين حول الموقف من الثورة الشعبية المطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد وإطلاق الحريات السياسية والمدنية في البلاد، ولكن أيضا بسبب دعوات مقاطعة العديد من الفنانين السوريين ببعض الدول العربية - وفي مقدمتها مصر - لاتخاذهم موقفا عدائيا من الثورة. لأول مرة منذ سنوات، لا نشهد صراعا مصريا - سوريا علي الزعامة الدرامية، بعد أن أصبح الصراع ثوريا، يتعلق بقيم الحرية والديمقراطية، وليس بجودة المسلسلات.. ولأول مرة، لا نشهد جدلا حول مشاركة الفنانين السوريين في الأعمال الدرامية المصرية، بعد أن صارت قضايا مشاركتهم محسومة، فأنصار الثورة مرحب بهم، وأعداؤها لا مكان لهم، حتي لو كان الاتجاه المعلن غير ذلك. وفيما يخص التليفزيون المصري الرسمي، بقنواته الأرضية والفضائية، لم يعلن سوي عن عرض مسلسلين يشارك في بطولتهما فنانون سوريون، "الشوارع الخلفية" بمشاركة جمال سليمان، و"عابد كرمان" من بطولة تيم حسن، وكلاهما نجا من مقصلة الهجوم والمقاطعة الثورية في سوريا ومصر، سواء للتراجع عن الموقف المعادي للثورة بالنسبة لسليمان، أو لالتزام الصمت فيما يخص حسن. مبررات وبيانات وكان جمال سليمان قد حاول - في عدة تصريحات - تبرير موقفه غير المؤيد للثورة في بداياتها، وقال إن الأحداث في سوريا جاءت متسارعة جدا، وكانت هناك مناقشات حول كيفية خروج بيان رسمي مناسب من الفنانين السوريين بالشكل وبالصيغة التي تناسبهم في التعبير عن آرائهم، إلي أن تم الاتفاق علي صيغة البيان الأول الذي أصدروه بعد أن شعروا بأن المسألة خرجت عن إطار المطالب المشروعة بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي طالب بها السوريون لسنوات طويلة وعبروا عنها بشكل جماهيري وبطرق سلمية في الشارع السوري. واستخدم تعبيرات مصرية جدا قائلا إن هناك من "اندس" بين هؤلاء المتظاهرين لتنقلب المطالب المشروعة والمظاهرات السلمية إلي دعوات لانقسامات طائفية وتدمير للممتلكات العامة والخاصة وممتلكات الدولة التي هي ممتلكات الشعب السوري، لذلك كان لابد من توجيه هذا البيان الذي بدأه الفنانون بإعلان الحداد الوطني ثلاثة أيام، ومحاسبة كل من تسبب في إراقة تلك الدماء الغالية، وكشف الملابسات التي أدت إلي هذه الاضطرابات، وطالبوا السلطات السياسية بالإسراع في تنفيذ الإصلاحات الموعودة، معلنين عن ترحيبهم بالوعود الإصلاحية وبكل ما يدعو لانتزاع فتيل الأزمة في سوريا ويخرجها من الوضع الحالي إلي وضع أفضل، مؤكدين استعدادهم للوقوف بجانب النظام السياسي في رحلة إصلاحية جدية وسريعة وحقيقية وشفافة، واستعدادهم أيضا للوقوف بجانب الشارع في طرح تصوراته.. إلا أن البيان ربما ترجمه البعض بطريقة خاطئة، فاجتمع الفنانون مرة أخري ليصدروا بيانا آخر، أعلنوا فيه عن موقفهم بصورة أكثر دقة حتي لا تكون هناك أي مزايدة علي وطنية النجوم السوريين. ووقتها أكد سليمان أن الموقّعين علي البيان لم يريدوا القفز إلي المجهول وأنه كان لابد من الانتظار لكي يتمكنوا من تحليل ما يحدث، وخصوصاً أنهم كانوا أمام مشهدين، الأول لمتظاهرين خرجوا بمطالب مشروعة وصحية، والثاني مرتبط بالتجييش والنزاعات الطائفية.. وأعلن تأييده لأي تظاهرة سلمية من دون غايات طائفية، مطالبا بتوحيد الصفوف لتحقيق رحلة الإصلاح التي تحتاج إليها سوريا، ثم الوقوف ضد أي تدخل أجنبي أو أجندة مذهبية. تاريخ نضالي وكما حدث من قبل بعض الفنانين المصريين، انبري بطل "حدائق الشيطان" للدفاع عن زملائه ونسب لهم تاريخا "نضاليا" لا يعرف أحد عنه شيئا، حيث قال إن دور الفنانين السوريين كان أكبر من مجرد تقديم أعمال درامية، وأنهم كثيرا ما كانت لهم مواقف فعالة وواضحة حتي قبل خروج الحركات الاحتجاجية (يقصد الثورة)، فقد كانوا ينتقدون التصرفات التعسفية من جهات الأمن، وكانوا ينتقدون الفساد بأشكاله، وكانوا ينتقدون سوء استخدام السلطة وكبت الحريات، مؤكدا أن الأعمال الدرامية خلال السنوات العشرين الماضية واجهت في بلاده الكثير من التحديات والمعارك الرقابية العنيفة! أما الفنان السوري تيم حسن، فالتزم الصمت تماما تجاه ما يحدث في بلاده، إلي درجة انطلاق حملات علي "فيس بوك" تدعوه إلي الإدلاء برأيه، وتحديد موقفه من الثورة.. ويبدو أنه يؤثر السلامة دائما، فقد سبق له الاعتذار عن عدم بطولة مسلسل "حياة مالحة"، نافيا أن يكون لذلك علاقة بحساسية العمل وجرأته الكبيرة، بسبب تناوله فساد الأنظمة العربية، ولافتًا إلي أن سبب اعتذاره يعود إلي الارتباطات والسفر الدائم، إضافة إلي ضيق الوقت واقتراب حلول رمضان. ويتناول مسلسل "حياة مالحة" فكرة فساد أنظمة الحكم العربية عبر قصة رجل سلطة مصاب بمرض خطير، وتدور الأحداث حول محاولاته إخفاء حقيقة هذا المرض عن الناس، لكن الخبر ينتشر تدريجيا، وكلما انتشر يزداد رعبه وتزداد شراسته، ويحاول استعمال كل وسائل القمع الفكرية والمادية من سلطة ومال ووسائل إعلام في سبيل إخفاء الحقيقة، لكنه يفشل ويكتشف سره في النهاية. قائمة العار أما مسلسل "عابد كرمان"، فأكد حسن أنه سيكون العمل الوحيد له في رمضان هذا العام، وسيعرض علي التليفزيون المصري وعدد من القنوات العربية. وتدور أحداث المسلسل الذي كتب له السيناريو بشير الديك وأخرجه نادر جلال وكان من المفترض أن يعرض في رمضان الماضي، حول قصة "عابد"، الشاب الفلسطيني من عرب 48، الحاصل علي الجنسية الإسرائيلية، والذي كانت تربطه علاقة صداقة بوزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشي ديان، وجندته المخابرات المصرية ليعمل لصالحها. وكان الصراع المصري - السوري الثوري الجديد وصل إلي حد ترديد أنباء عن منع الفنانين السوريين من العمل في المسلسلات المصرية بسبب "موقفهم المخزي من الثورة في بلادهم". ونشرت صحيفة "الوطن" السعودية، 14 مايو الماضي، أن سامي الشريف، رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون السابق، أعطي أوامر بمنع الممثلين السوريين من العمل بالمسلسلات المصرية، وأنه أبلغ العاملين في مبني ماسبيرو بقراره شفهيا، ولم يعلن عنه خشية الانتقاد، وبهدف انتظار ردود الأفعال عليه. وسارع الشريف وقتها إلي نفي الخبر، وقال - في تصريحات صحفية: "ما أشيع بشأن منع الفنانين السوريين من العمل في المسلسلات المصرية ليس له أساس من الصحة"، معربًا عن دهشته إزاء الخبر الذي نشرته الصحيفة السعودية. وقد أسس معارضون سوريون صفحات علي "فيس بوك" يطالبون المصريين من خلالها بعدم توفير فرص عمل للفنانين المؤيدين لنظام بلادهم في مصر، وحظر دخول الفنانين السوريين الذين وردت أسماؤهم في لائحة أطلق عليها اسم "قائمة العار".. ومن هؤلاء الممثل الشهير دريد لحام الذي كان قد أعلن تأييده المطلق للرئيس الأسد، مشدداً علي أن مهمة الجيش حماية الشعب وتوفير الأمن والاستقرار وليس محاربة إسرائيل، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة في صفوف المعارضين للنظام السوري. جريمة وحشية كما تضم اللائحة الممثلة وفاء سلطان التي جسدت شخصية ليلي مراد في مسلسل "قلبي دليلي"، وكذلك الممثلة سلاف فواخرجي، وباسم ياخور والمخرج باسل خياط ونضال سيجري ومصطفي الخاني الذي ذاع صيته عربياً بعد مشاركته في مسلسل "باب الحارة" وكان من أوائل الفنانين الذين دافعوا عن النظام الرسمي، ولورا أبو أسعد وأيمن زيدان والليث حجو والفنان السوري الشهير عباس النوري الذي لم يكتف بمهاجمة معارضي الأسد، بل انتقد الثورة المصرية واتهمها بأنها غير جاهزة لإنشاء نظام مستقر بديل لنظام مبارك! وبشكل عام، لا أتصور شخصيا أن يكون هناك معاد للثورة السورية - أو أي ثورة - بعد أن يتجاوز الأمر مسألة الخلاف السياسي بكل درجاته المقبولة ويصل إلي مرحلة الجريمة الوحشية، من نوع قتل المطرب السوري إبراهيم قاشوش والتمثيل بجثته، أو حتي شن حملات الاعتقال العشوائية للمثقفين عقابا لهم علي آرائهم، ومن بينهم المخرج المسرحي السوري أسامة غنم، الأستاذ بمعهد الفنون المسرحية بدمشق، الذي جري اعتقاله خلال مشاركته في مظاهرة مطالبة بالحرية بحي الميدان وسط العاصمة السورية. وقاشوش شاب سوري من مدينة حماة نشط في قيادة المظاهرات التي تهتف بإسقاط بشار الأسد، وتأليف الشعارات المناوئة للنظام السوري وقياداته بمن فيهم الرئيس السوري وشقيقه ماهر وحزب البعث، وإنشادها أمام الجماهير في ساحة العاصي في قلب حماة، ومن بينها أنشودة "ارحل يا بشار".. ووسط الحملة الأمنية التي نفذها الجيش السوري بعد جمعة "ارحل" أول يوليو الجاري، والتي احتشد فيها نصف مليون متظاهر بساحة العاصي في حماة مطالبين بإسقاط النظام وأقيل علي إثرها المحافظ، اقتنصته قوات الأمن السورية وذبحته واقتلعت حنجرته وألقته في نهر العاصي.. فيما تذكر الرواية الرسمية أن مجهولين قتلوه لأنه مخبر ومثلوا بجثته ثم شيعوه علي أنه شهيد لتأجيج المظاهرات الشعبية! أسامة عبد الفتاحالفنانون السوريون و«رمضان درامي» مختلف.. في مصر الثورة