واحدة من اثنتين وراء أحداث الأحد 9 أكتوبر، إما حلقة جديدة من حلقات الفوضى المخططة بإحكام، لاستكمال إسقاط الثورة، وإما حلقة جديدة من حلقات فشل وعجز من يديرون هذا الوطن، ولا يملكون القدرات أو الإرادة الوطنية لمواجهة تحديات هذه المرحلة الخطرة ومؤامرات ومخططات أعداء الثورة! ومهما كانت الإجابة، فالمحصلة واحدة، أن المصريين إذا التزموا الصمت ورضوا بالمسكنات والمهدئات التى عوملت بها الأزمات والكوارث السابقة، فنحن نوقع على وثيقة القبول بحرق مصر وإنهاء ما تبقى من الثورة، وتسليمها لكل من تُركت أو أُديرت هذه المؤامرات لصالحهم! الذين يمسكون بإدارة مصر يدركون أو لا يدركون حجم الكوارث التى نواجهها الآن، بدلا من تحقيق الآمال والأهداف التى قامت من أجلها الثورة.. البلطجية يتصدرون المشهد الوطنى، ينشرون الرعب بين المصريين، ولا يجدون من يردعهم، وكأنه لا حل إلا تحريك المجنزرات لدهس المواطنين ولتزداد نيران الغضب اشتعالا.. وحق التظاهر السلمى الذى كان وسيظل فى مقدمة أوراق ضغط الثورة والثوار، مُهدّد بأن يتحول إلى آلية من آليات تفكيك الثورة.. والفتن الطائفية التى استخدمها النظام المخلوع لقسمة المصريين يُعاد إشعالها.. ومسيحيون يصرخون «ارفع رأسك أنت قبطى».. ومسلمون يصرخون «إسلامية.. إسلامية»، ولا أحد يقول لنا: لماذا لم تسد ثغرات ممكن أن تستغل فى العبث بملف الوحدة الوطنية. أتمنى على واحد من المسؤولين أن يقول لنا لماذا لم يطبق قانون دور العبارة الموحد؟ ولماذا لم تشدد العقوبات على المعتدين على دور العبادة؟! منذ تفجرت أحداث الأحد، لم تتوقف تصريحات المسؤولين عن أن أعداء الثورة هم المستفيد الوحيد منها! إذن حضراتكم تعرفون أن للثورة أعداء، فماذا اتخذتم من إجراءات لحمايتها منهم؟ وماذا تم فى مهزلة استصدار قانون العزل؟ وهل يبدو غريبا بعد هذا التردد والتراخى أن تتوحش رغبات الانتقام من الثورة والتحدى فى مؤتمرات علنية بقطع الكهرباء والطرق، بل وعزل واحتلال الصعيد وضرب الثوار، ويمر كل هذا دون حساب؟! ومن إسبانيا -ووفق المنشور- يهدد حسين سالم بأن عودة نظام مبارك لم تعد بعيدة.. وعلى الرغم من مضى تسعة أشهر لم يصدر حكم إعدام واحد على قاتل من قتلة شهداء الثورة، ولا محاكمات وأحكام عاجلة باسترداد ما نهبوا من ثروات وأراض وأملاك عامة، وبينما أرصدة مصر تنهار واسترداد ما هربوه إلى الخارج يبدو مستحيلا، واسترداد ما نهبوه فى الداخل يجد من يوفر له الحماية! يقولون إن أعداء الثورة هم المستفيد الوحيد.. وأسألهم: مَن الحماة ومَن يوفر الحماية لأعداء الثورة؟! السؤال الذى لم نجد له إجابة حتى الآن: أين نتائج التحقيقات؟ وأين الجناة فى جميع ما ارتكب من قبل من جرائم تستهدف تدمير الأمن القومى وسيادة الدولة وإسقاط الثورة؟! وكلها لا تقل خطورة عن أحداث الأحد؟ وأين نتائج التحقيقات فى أحداث اقتحام سفارة العدو الصهيونى؟! وقد نُشر بالفعل أن التحقيقات كشفت عن الجناة والمحرضين ودافعى الأموال للبلطجية؟ وأين نتائج التحقيقات فى كل ما ارتُكب من جرائم مماثلة، وفى أحداث أطفيح وإمبابة وإدفو؟! لصالح مَن الصمت والتستر على جناة وقتلة ومن لم يتوقفوا عن إشعال نيران جميع أشكال الفتن منذ قامت الثورة؟! كيف نفسر ترك أحداث تدور فى موقع فى قلب العاصمة؟ موقع حيوى وبالغ الخطورة والكثافة السكانية والمرورية، وأمام مبنى إعلام الدولة.. لم تحدث الموقعة فى موقع غائب وبعيد فى قلب الصحراء. كيف تركنا الاشتباك يتحول إلى معارك دموية بالجنازير والخناجر والرصاص والمولوتوف، والحرائق تشتعل والمجنزرات تتحرك وتشتبك مع المواطنين، ودون تدخل عاجل بوقف تمادى الكارثة إلى ما وصلت إليه، كما حدث؟ نرجو أن تكشف تحقيقات أمنية وصادقة عن كيف أُديرت المأساة، وكيف بدأت شراراتها الأولى، وأين مخابئ ميليشيات البلطجة التى تبدو كأنها تتلقى أوامر عاجلة بالتحرك والاشتباك؟ وأين الحقيقة فى الاتهامات المتبادلة؟ فمصادر كنسية نددت بالضعف غير المبرر للقوات المسلحة، والشباب يتبادل على وسائل الاتصال الحديثة مشاهد عنف لا تصدق، تفيد التذكير بممارسات ميليشيات أمن النظام الساقط. أىُّ درجة من درجات الضعف تقود إدارة الوطن؟ (ملحوظة: بينما وقائع ماسبيرو تدور على شاطئ النيل كان مواطنون يُثبَّتون ويُسرقون ويُهدَّدون من مجموعات من البلطجية على الكبارى وفى المناطق البعيدة التى يسودها إظلام غريب)! وفى صباح الإثنين، وكالمعتاد بعد كل حلقة من حلقات هذه الحوادث الدامية، اجتمعت جميع مجالس مصر، وما أكثركِ يا مجالس وما أقلّكَ يا فعل، وأثق بأن البيانات والتوصيات لن تختلف عما صدر فى مواجهة حلقات الفتن الوطنية المشابهة. ومن العجائب أن القوانين عندما تكون جاهزة لا تطبق، مثل قانون دور العبادة الموحد. لا يهدد مصر الآن قدر الإفراط فى التصريحات والتفريط فى إجراءات جادة تحمى الثورة وتقطع الأيدى التى تدير بحرية كاملة مؤامرات القضاء عليها، وأن يُطبق القانون بعدالة وبحزم وتُسد الثغرات التى يتسرب منها أى استقطاب إسلامى أو مسيحى، وتُرفع المواطنة سيفا باترا وميزانَ عدلٍ وعدالةً للجميع. خلاصة الأمر، أن الذين ارتكبوا أحداث الأحد الدامى ليستكمل حلقات ومخططات إهدار دم الثورة من الجمعة 28 يناير، والأربعاء 2 فبراير، أو ما أطلق عليه الإعلام «موقعة الجمل»، هم من تركوا الفوضى تتوحش ومَن سمحوا بإطلاق البلطجة والبلطجية على الثوار، وتركوا القتلة أحرارا، والفوضى المخططة والمنظمة تسيطر وتحكم الشارع والأمن المصرى، ومن يريدوننا أن نصدق أن الهاربين من السجون ومسجلى الخطر وميليشيات النظام السابق أقوى من الجيش المصرى، وممن تبقى من قوات الشرطة بعد جريمة إخلاء مصر من قوات تأمين وحماية الشعب. ارتكب أحداث الأحد الدامى من لم يقدموا خرائط أمل فى المستقبل للشعب المصرى موثقة بخطط وخطوات تستجيب لمطالب المعذبين والمهانين والمهدرة آدميتهم وحقوقهم فى الحياة طوال أكثر من ثلاثين عاما.. خرائط تدرس وتحدد كيف ومتى سيجدون حلولا لمشكلاتهم! الذى ارتكب الأحداث أو سمح بحدوثها وتكرارها إدارة فاشلة وعاجزة أو متواطئة وأحزاب خائبة تبحث عن مصالحها الضيقة وتتصارع على مكاسبها وتنسى تبنى وحماية مصالح الملايين التى تحتاج إليها فقط لتحصل على وجاهة الجلوس فى البرلمان. لم نعد نحتاج إلى أى بيانات أو مسكنات أو لغو كلمات.. معالم المؤامرة على الثورة وعلى مصر الجديدة تتضح كل يوم أكثر.. نحتاج إلى أن نكون دولة قانون بحق، وإلى تطبيق القانون الموحد لدور العبادة، وإلى سد جميع الثغرات أمام أى استقطاب مسيحى أو إسلامى، وإلى صدور أحكام جادة وعادلة على كل من ارتكبوا جرائم من رموز النظام المنحل.. نريد أن نعرف مَن ارتكب جرائم قتل الشهداء.. نريد تطهير مصر من كل من شاركوا فى صناعة مأساة ثلاثين عاما، ويشاركون الآن فى إشعال نيران الفتن ويقومون بتمويل الفوضى والبلطجة وللأسف يجدون من يحميهم! عزاء لكل بيت مصرى شق قلبه الحزن، وليتذكر كل مصرى أمين ومحب لهذه الأرض أن هدف مخططهم الإجرامى استعادة نفوذهم وسلطانهم ولو فوق جثة وطن بأكمله.