شوشو مريضة بأزمة صدرية. مرض مزمن يتعلم أصحابه احترامه وتكييف حياتهم على ما يرضيه، ويحرصون دائما على عدم إثارته. ولأن شوشو طبيبة ولأن الأطباء هم أسوأ أنواع المرضى بشهادتهم أنفسهم، اعتادت شوشو أن تعيش حياتها كأنها طبيعية. لذلك عندما نزَلتْ مظاهرات الجمعة 28 يناير لم تفكر فى أن تحتاط كمريضة، تصورت أنها ستواجه الغاز كما واجهه ثوار تونس بالبيبسى والخل، واصطحبتُها بعيدا عن المظاهرة. لعدة أيام ظلت حالة شوشو متأثرة بالغاز، تقول شوشو عن هذه الأيام «كنت أول ما أحس بنفَسِى بيضيق أفتكر محل الورد، وصاحب المحل، وخرطوم المية، وفى كل مرة أحس تجاهه بشعور مختلف، ساعات أحس إنه كان متعاطف معايا وإنه ساعدنى جدا. وساعات أفتكر شكله وهو مصمم إنه يطردنا وأتعجب من قسوته، وساعات أضحك على فكرة رشى بخرطوم المية واللى معناها إنه ماعندوش أى فكرة عن الغاز» وقتها كان كل المهتمين يعرفون أن استخدام المياه هو أسوأ الطرق لعلاج الغاز. يوم 28 سبتمبر، يعنى بعد 8 شهور، كنت بازور واحدة صاحبتى قريبة من شارع قصر العينى، قررت أشترى ورد، دخلت المحل، لقيت نفس الكرسى اللى قعدت عليه وخرطوم المية، وكان صاحب المحل مش موجود، قعدت أتأمل المكان وحسيت إنى باحبه جدا. بعد دقايق دخل صاحب المحل، وأول ما شافنى قال لى: أنا أعرفك، إنتى كنتى هنا يوم الجمعة.. يوم 28 يناير.. إنتى كنتى بتموتى.. أنا كنت متأكد إنك هتموتى فى اليوم ده، على فكرة أنا افتكرتك كتير، وكل ما افتكرك أقول دى أكيد... يعنى كان شكلك مش ممكن تعيشى.. إنتى ليه عملتى فى نفسك كده؟ إنتى فى حزب إيه؟ افتكرت إنه سألنى نفس السؤال ده يوم 28، وقبل ما أجاوب قال: إنتى قلتى إنك مش فى أى حزب، دخلتى حزب بقى؟ قلت له: لأ أنا برضه مش فى حزب، قال: أُمال بتعملى فى نفسك كده ليه؟ تموّتى نفسك ليه؟ عندما لاحظ صاحب محل الورد صمت الدكتورة وابتسامتها بدأ يعتذر عن يوم الجمعة، قال لها إنه لم يكن يستطيع أن يتركها تبقى فى المحل وأنه أدخلها فقط لأنها كانت فى حالة سيئة جدا. لكنه أكتشف أن دخولها سيفتح بابا لدخول آخرين. تحكى شهيرة: «الحقيقة الراجل صعب علىّ لأنى حسيت إنه مكسوف لأنه طردنى، سألته إنت ليه كنت فاتح مع أن كل المحلات كانت قافلة؟ قال: أنا ماسبتش محلى دقيقة واحدة، أنا كنت بافتح وأقعد جوه المحل عشان أحافظ عليه، فيه محلات اتسرقت واتكسّرت، أنا كنت خايف على محلى. قلت له: يعنى فى حاجات الواحد ممكن يتعرض للخطر عشان خايف عليها، ماانت برضه كان ممكن تاخد لك رصاصة وتموت، قال لى: المحل ده أكل عيشى.. أنا مايهمنيش إلا أكل عيشى». تقول شهيرة: «حاجة غريبة.. رغم كلامه ماحستش إطلاقا بأى شعور سلبى تجاهه وحسيت إنى عايزة أتكلم معاه أكتر وعايزاه يفهم أسبابى.. قلت له: إنت عندك أولاد؟ قال لى: لأ. قلت له: لما يكون عندك أولاد هتحس إنك مستعد تموّت نفسك عشان يعيشوا فى بلد أحسن.. بالظبط زى ماانت مستعد تموّت نفسك عشان تحافظ على محلك». حسيت إنه اتأثر شوية لأنه جاب لى وردة غير اللى اشتريته، وقدمها لى وقال لى حمد لله ع السلامة.