رحل الأب متى المسكين وترك إرثا من الكتب التي تمثل نهجا مختلفا بالكنيسة.. اليوم ورغم التضييق عليه شباب كبير يلجؤون لطريقه في البحث وصارت كتابته تتداول رغم الاستبعاد مرت الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الراهب الناسك القمص متى المسكين، عن عالمنا في الثامن من يونيو 2006، وهو راهب له الفضل في إعادة إحياء تراث دير الأنبا مقار العريق وريث مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، والذي انتقلت إليه مخطوطات كثيرة، وكان للدير دور كبير في حفظ إيمان كنيسة الإسكندرية خصوصا في فترات الاضطهاد، وعندما ارتاد الأب متى دير «أبو مقار»، ومجموعته بقرار من البابا كيرلس السادس، بدأت نهضة هذا الدير من جديد، ولكن هذه المدرسة تمت ملاحقتها والتضييق عليها من السلطة في الكنيسة طوال 40 عاما، فما هو حالها اليوم بعد رحيل الأب متى؟ في العام الماضي وفي وقت الاحتفال بمئوية مدارس الأحد، وذكر اسم الأب متى المسكين باعتباره واحدا من روادها بدأت الصفحات المحسوبة على التيار المتشدد والمنتسبة لاسم البابا الراحل شنودة الثالث في الهجوم على الراهب الناسك، ومن بعده تلميذه الأنبا إبيفانيوس رئيس الدير ولم يمر سوى شهرين، حتى لاقى الأنبا إبيفانيوس في العام الماضي وفي وقت الاحتفال بمئوية مدارس الأحد، وذكر اسم الأب متى المسكين باعتباره واحدا من روادها بدأت الصفحات المحسوبة على التيار المتشدد والمنتسبة لاسم البابا الراحل شنودة الثالث في الهجوم على الراهب الناسك، ومن بعده تلميذه الأنبا إبيفانيوس رئيس الدير ولم يمر سوى شهرين، حتى لاقى الأنبا إبيفانيوس مصرعه قتلا بيد راهبين من رهبان الدير المحسوبين على البابا شنودة والمرسومين بعد رحيل الأب متى المسكين. المسكين في سطور ولد الأب متى المسكين باسم يوسف إسكندر في 20 سبتمبر عام 1919، تخرج من كلية الصيدلة عام 1944، عمل في مجال الصيدلة حتى سنة 1948، وبعدها ترهبن في دير القديس أنبا صموئيل المُعترف في صحراء مغاغة بالمنيا، وهناك بدأ يخط أولى صفحات أهم وأول كتبه وهو كتاب «حياة الصلاة الأرثوذكسية»، وصدر عام 1952، ونُقِّح ونشر مرة أخرى عام 1968. انتقل الأب متى إلى دير السريان بوادي النطرون (من 1948- 1950). وهناك رسم كاهنا رغما عنه، وفي عام 1954، اختاره بابا الإسكندرية الأنبا يوساب الثاني (1946-1956) وكيلا له في مدينة الإسكندرية بعد انتدابه لدرجة إيغومانس «قمص» حتى منتصف عام 1955 حيث آثر العودة إلى مغارته. في أوائل عام 1956 رجع إلى ديره القديم (الأنبا صموئيل)، وفي عام 1959 عاد هو وتلاميذه إلى دير السريان استجابة لطلب البابا الجديد البابا كيرلس السادس (1959-1971)، لكنهم آثروا أن يرجعوا إلى حياة الوحدة والهدوء والكامل، فذهبوا إلى صحراء وادي الريان (تبعد 50 كيلو عن أقرب قرية مأهولة بالسكان في محافظة الفيوم) واستمروا هناك ما يقرب من 10 سنين، وفي سنة 1969 دعاه البابا كيرلس السادس مع جماعته الرهبانية (12 راهبًا) للانتقال إلى دير القديس أنبا مقار. ووفقا لسيرة الأب متى بموقع الدير أنه من هذا التاريخ بدأت النهضة العمرانية والنهضة الرهبانية الجديدة للدير، إلى أن رحل عن عالمنا في فجر الخميس 8 يونيه 2006، ودُفن في مغارة اختار مكانها قبل نياحته بثلاث سنوات. (للمزيد عن سيرته: من هنا) مؤلفاته للأب متى المسكين مؤلفات عدة، لعل أبرزها ما كتبه في بداية رهبنته كتاب «حياة الصلاة الأرثوذكسية»، وكتاب «الكنيسة والدولة.. الطائفية والتعصب»، وتفاسير عديدة لأسفار الكتاب المقدس، وفي موضوعات أخرى مثل «الرهبنة القبطية» و«سر الزيجة»، وما ميز الأب متى معرفته باللغة اليونانية، التي كتب بها العهد الجديد من الكتاب المقدس وكتابات آباء الكنيسة الأوائل حتى القرون الرابع والخامس، قبل أن يحول المصريون لسانهم من اليونانية إلى المصرية القديمة بحورف يونانية (القبطية)، وكان على دراية بعدة لغات قديمة وحديثة. (للمزيد حول مؤلفاته: من هنا) صراع بين نهجين جمع الأب متى المسكين بالبابا شنودة الثالث، صراعا البعض يراه فكريا، والبعض يراه شخصيا، والبعض يراه بين نهجين مختلفين، إلا أن الصراع جمع كل هذه الجوانب، فالراهب أنطونيوس السرياني (البابا شنودة)، كان من تلاميذ المسكين في بداية رهبنته ثم انفصل عنه، تم ترشيحهما للبابوية بعد رحيل البابا يوساب الثاني، واستبعدا بعد إقرار لائحة 1957، وتم ترشيحهما معا 1971 بعد رحيل البابا كيرلس. وبعد أن جلس البابا شنودة على كرسي القديس مرقس، اتخذ الصراع شكلا واحدا البابا الممسك بمقاليد السلطة في الكنيسة ضد راهب يتم اتهامه ب«الهرطقة»، ورغم أنه لم يحدث محاكمة أو استبعاد للراهب الناسك، لكن كتبه تمت محاربتها وكان يرد عليها البابا بكتب مضادة لها. الكاتب والمفكر كمال زاخر المهتم بالشأن الكنسي أوضح سابقا أن الكنيسة القبطية بسبب الانقطاع المعرفي لقرون عدة مع ميراثها وتراثها من كتابات الآباء الأوائل، لم يكن لديها المرجعية الخاصة بها، باللغة العربية، لأن أغلبها باللغة اليونانية ومن بعدها القبطية، لافتا إلى أنه أصبح هناك اجتهادات، وأنه في منتصف القرن العشرين، بدأت تظهر ثمار حركة مدارس الأحد، بظهور الكوادر الجديدة، وكان لديها حالة من التشوش في المراجع وظهرت المدارس المتحاربة و«هو ما نراه الآن. وأوضح أن جزءا منهم اعتمد الترجمة عبر لغة وسيطة مثل القمص مرقس داود، وجزءا قرر الترجمة من الأصل اليوناني تفاديا لمشكلات الترجمة عبر أكثر من لغة وسيطة، وقاد المجموعة الثانية دكتور نصحي عبد الشهيد ومدرسته وكان معه بالتوازي الأب متى المسكين، بالترجمة عن الأصل اليوناني إلى اللغة العربية، لافتا إلى أن السلطة في الكنيسة تبنت المدرسة الولى في الترجمة عبر لغات وسيطة. مصير مدرسة متى المسكين يعتبر أنصار هذه المدرسة سواء كانوا على علاقة مباشرة بالأب متى المسكين أو يسيرون على نفس النهج، في جانب يبدو صوته خافتا وظل حبيسا طوال الأربعين سنة الماضية، ومع رحيل البابا شنودة وتولي الأنبا باخوميوس مطران البحيرة قائمقام البابا ومن بعده البابا تواضروس، بدأ يظهر صوت هذه المدرسة، ولعل رسامة الأنبا إبيفانيوس رئيسا على دير الأنبا مقار كانت بمثابة إعلان من السلطة في الكنيسة أنها لا تعادي أي اتجاه. فإذا كان الراحل الأنبا بيشوي مطران دمياط كان ممثلا للكنيسة في الحوار اللاهوتي وهو من الجانب غير المؤيد لفكرة الوحدة بين الكنائس، فإن البابا تواضروس أضاف له الأنبا إبيفانيوس تلميذ الأب متى المسكين والذي مثل الكنيسة في مؤتمرات ومحاورات عدة. ورغم أن السلطة في الكنيسة ممثلة في البابا تواضروس لا تعادي أي مدرسة منها وفتحت الباب للدراسة ومشاركة الجميع بأفكارهم، فإن أنصار التيار المتشدد لديهم موقف من الأب متى والأنبا إبيفانيوس الذي شمتت في موته صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي محسوبة على التيار المتشدد من الأساقفة، بل إن واحدا منهم اعتبره «ليس شهيدا»، رغم اتهام المتشددين له بالهرطقة. ويمثل دكتور جورج حبيب بباوي الأستاذ السابق بالكلية الأكليريكة، المبعد من الكنيسة بقرار من البابا شنودة والمجمع المقدس عام 2006 نفس نهج الأب متى المسكين فهو الآخر تطاله الاتهامات بالهرطقة بين الحين والآخر، وآخرها بعد نشر رسالة له مؤخرا، وهو نفس الأمر الذي تعرض له الأنبا أنجيلوس الأسقف العام لحي شبرا الشمالية، ورغم عدم انتمائه لمدرسة الأب متى المسكين فتم اتهامه بالهرطقة بسبب عظة عن الرمزية في قصة آدم وحواء بسفر التكوين من العهد القديم. اليوم وبعد 13 سنة من رحيل الأب متى المسكين وبعد عام من رحيل تلميذه الأنبا إبيفانيوس، صارت كتابتهم تتداول من خلال الشباب وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل وصار هناك جيل من الشباب لجأ إلى الدراسة والترجمة، فهل يكون لهؤلاء صدارة المشهد في السنوات المقبلة، أم تظل الأصوات المتشددة صوتها أكثر ارتفاعا؟