"أنا كنت عايزة قرايبي اللي بيتبروا مني يشوفوني، اللهم انصر الفنانين على أهاليهم اللي مش بيعترفوا بالفن، نفسي يشوفوني ويعترفوا بيّا ويقولوا إني قريبتهم".. زينات صدقي. زينات صدقي، عملاقة الكوميديا التي حولها نجيب الريحاني إلى "عانس السينما المصرية" رغم أنها تزوجت في الحقيقة من أحد الضباط الأحرار وعضو بمجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952، هي واحدة من أفضل فنانات السينما اللاتي قدّمن اللون الكوميدي تحديدًا في القرن الماضي رغم أنها في الواقع تعرّضت للعديد من المآسي، ويكفي أن أسرتها تبرأت منها حتى رحليها، وتميزت بأدوار بنت البلد، خفيفة الظل، وقعت في غرام الفن وكانت ورقة رابحة للمخرجين والمنتجين، ووطنية ثرية بأخلاقها، وقدّمت طوال حياتها الفنية ما يقرب من 170 فيلمًا سينمائيًا. النشأة هي زينب محمد سعد، المولودة في حي الجمرك بالإسكندرية في 4 مايو 1912، تنتمي إلى أسرة متواضعة، حصلت على الشهادة الابتدائية، ولاحظ والدها ووالدتها أن جسد ابنتهما أصبح أكبر من سنها، فخافا عليها ومنعاها من أن تُكمل تعليمها، وجلست في منزلها في انتظار الزوج الذي جاء سريعًا، إذ تزوجت طبيبًا لأول مرة عندما النشأة هي زينب محمد سعد، المولودة في حي الجمرك بالإسكندرية في 4 مايو 1912، تنتمي إلى أسرة متواضعة، حصلت على الشهادة الابتدائية، ولاحظ والدها ووالدتها أن جسد ابنتهما أصبح أكبر من سنها، فخافا عليها ومنعاها من أن تُكمل تعليمها، وجلست في منزلها في انتظار الزوج الذي جاء سريعًا، إذ تزوجت طبيبًا لأول مرة عندما كانت في ال15 من عمرها من أقاربها، ولكن لم تتم الزيجة وانفصلت عنه بعد 11 شهرًا. المشوار الفني بدأت زينب تشارك صديقتها خيرية صدقي الغناء في الأفراح الشعبية بالإسكندرية، ولكن عائلتها عارضت عملها بالفن، وأمام هذا الحصار قررت الهروب إلى لبنان برفقة والدتها وصديقتها، وعليه تبرأ منها أهلها، وفي لبنان ذاقت طعم الغناء لأول مرة حتى أصبح لها أغانيها الخاصة، واشتهرت بأداء "المونولوج"، ووضعت لنفسها مونولوجًا تتغنى فيه باسمها وبمصريتها كان مطلعه: "أنا زينات المصرية.. أرتيست ولكن فنية.. أغنى واتسلطن يا عينيه.. تعالى شوف المصرية". شاركت "زينب" مع صديقتها في فرقة أمين عطا الله، وقدّمت مسرحيات له، وذات ليلة ارتجلت حوارًا كوميديًا فوق المسرح خلال مشهد مأساوي، ففصلها أمين من فرقته، واستمرت في الغناء بلبنان، حتى حدثت واقعة أجبرتها على اعتزال الغناء للأبد، فذات ليلة دُعيت المطربة فتحية أحمد، إلى الغناء فى نفس المحل الذي تغنى فيه، ولحظها السيئ أنها قدّمت أغاني لم تكن تدري أن صاحبتها تجلس في الكواليس انتظارًا لتقديم فقرتها التي تضم نفس الأغنيات، فشدت الأولى شعر الثانية ولم يوقف فتحية إلا دورية الشرطة، وقررت "زينب" أن تغادر لبنان. في لبنان، كانت قد تعرفت "زينب" على الراقصة الشهيرة بديعة مصابني، والتي طلبت منها العودة إلى مصر للعمل في الكازينو الذي تملكه وتديره، وعندما عادت إلى القاهرة عملت بالفعل مضيفة في الكازينو، وكانت تريد مواصلة مشوارها الفني إلا أن بديعة اختارت لها الرقص إلى جانب تحية كاريوكا وسامية جمال، فلم تجد أمامها سوى الموافقة. وأثناء ذلك، التقت "زينب" بالفنان نجيب الريحاني، وأخبرته بحبها للتمثيل، وبالفعل اكتشفها من خلال شخصية الخادمة أو بنت البلد الشعبية التي فاتها قطار الزواج، وذلك بعدما اعتذرت ماري منيب عن أداء دورها في فرقته لمرضها، فاستعان بالوجه الجديد "زينب صدقي"، لكنها فاجأت الجميع بأداء كوميدي مبهر دفعه لأن يطلب من بديع خيري كتابة دور خاص لها في المسرحية. وفتح الريحاني أمام "زينب" أبواب السينما بعد أن قدّمها في فيلم "بسلامته عايز يتجوز" (1936)، وأطلق عليها اسمها الفني "زينات صدقي"، وسرعان ما وقعت في غرام الفن، والتحقت بمعهد أنصار التمثيل والسينما في الإسكندرية والذي كان يُشرف عليه زكي طليمات، وقدّمت طوال حياتها الفنية ما يقرب من 170 فيلمًا سينمائيًا أبرزها: "ابن حميدو، حلاق السيدات، شارع الحب، عريس مراتي، السيرك، أشجع رجل في العالم، رجل وامرأتان"، وآخرها فيلم "بنت اسمها محمود" (1975). الحياة الشخصية كانت "زينات" ثريّة بأخلاقها، فعندما توفى كومبارس بالفرقة، ولم يجدوا لهُ مدفنًا، تكفلت بمصاريف دفنه في مدفنها الخاص، وبعد ذلك طلب منها أحد عمال المسرح المدفن لكي يدفن فيه والدته التي لم يجد لها مدفنًا، فوافقت وأعطت تعليمات للتُربي بفتح باب المدفن للصدقة، وكتبت عليه "مدفن عابري السبيل"، وعبارة: "لا تنسوا قراءة الفاتحة على روح زينب محمد سعد"، كما كان لها دور وطني، حيث شاركت في رحلات "قطار الرحمة" الذي كان يتجول بين المحافظات لإقامة حفلات يوجه دخلها لصالح الجيش المصري. وكانت زينات صدقي مرتبطة بوالدتها كثيرًا، وكانت الأم مصابة بشلل في قدمها لمدة 30 عامًا، وبعد زيجتها الأولى، اتخذت قرارًا بأن لا تكرر التجربة مرة أخرى، ولكنها تراجعت وتزوجت سرًا من أحد الضباط الأحرار وصديق للرئيس جمال عبد الناصر، وظل زواجهما 14 عامًا، قبل أن ينفصلا بعد أن طالبها بأن تترك عملها، وطالبها أن تُرسل والدتها لأحد الملاجئ، وهنا اعترضت وقالت له: "أنت وقفت كده قدام القطر" ثم انتهى الحوار بضربها له ب"التليفون الملكي" فوق رأسه، فطلقها على الفور، حسب حفيدتها عزة مصطفى (زينات خالة والدتها)، ولم تُرزق بأولاد من زوجيها. النهاية وفي الستينيات تعرضت زينات صدقي إلى أزمة مالية اضطرتها حسب العديد من المصادر، لبيع أثاث بيتها بالكامل من أجل تسديد الضرائب وإيجاد ما يكفيها لتعيش وتأكل، وسكنت في شقة بوسط البلد بإيجار بلغ 275 قرشًا، رغم أن الفنان الراحل عبد السلام النابلسي عرض عليها أن تسكن في الزمالك بإيجار عشرين جنيهًا، لكنها رفضت لأن الإيجار غالٍ عليها، وجلست في بيتها سنوات دون عمل، وعندما قرر الرئيس عبد الناصر تكريمها، واجهت الجهات الأمنية أزمة في العثور عليها، حتى وجدوها في أطلال منزل متهالك في إحدى القرى، فكرمها ناصر وأمر لها بمسكن ومعاش. وتم تكريم زينات صدقي للمرة الثانية بدرع "عيد الفن" من قِبل الرئيس أنور السادات في عام 1976، ودعاها لحضور حفل تكريمها وسلمها شيك بألف جنيه، ومنحها معاشًا استثنائيًا قيمته 100 جنيه إعانة على تحمل أعباء الحياة، كما دعاها السادات إلى زفاف ابنته وأعطاها رقم هاتفه الخاص، كل ذلك بتوصية من صديقته الفنانة تحية كاريوكا، فحينما صعدت على منصة التكريم في نفس المناسبة بالعام السابق ذكرها بما قامت به معه قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، قائلًا: "فاكرة يا تحية لما خبتيني عند إخواتك في إسماعيلية لما كنت هربان من السجن؟ لكِ أي طلب؟ أطلبي أي حاجة"، فردت: "زينات صدقي يا ريس كبرت ومابقتش تشتغل ومريضة وبتمر بظروف قاسية أوي، يا ريت تأمر لها بمعاش تقدر تعيش منه"، فأمر بالتنفيذ فورًا. وظلت أسرة زينات صدقي تنكرها وتتبرأ منها لآخر حياتها، وقالت عن ذلك في آخر حوار لها عام 1981 ببرنامج "للكبار فقط" مع الإعلامية فوزية العباسي: "أنا كنت عايزة قرايبي اللي بيتبروا مني لحد دلوقتي يشوفوني، اللهم انصر الفنانين على أهاليهم اللي مش بيعترفوا بالفن، نفسي يشوفوني عشان يعترفوا بيّا، ويقولوا زينات قريبتنا". وفي أواخر حياتها أصيبت زينات صدقي بماء على الرئة، ورفضت الذهاب إلى المستشفى للعلاج، فتدهورت حالتها وأُصيبت بهبوط في القلب، كانت وصيتها قبل الوفاة ألا نكشف عن اسم حبيب عمرها زوجها الثاني، لأنه شخصية بارزة، وكان لديه زوجة وأبناء، واحترامًا لوصيتها لم يُكشف عنه حتى الآن، وبعد أسبوع من المرض تُوفيت في 2 مارس 1978، ودُفنت في مدفن الصدقة "عابري السبيل" الذي أنشأته في حياتها.