رحلتي من الشك إلى الإيمان: تقولون إن الله خلق الدنيا لأنه لا بد لكل مخلوق من خالق ولا بد لكل صنعة من صانع ولا بد لكل موجود من موجد صدقنا وآمنا فلتقولوا لي إذن من خلق الله بالقرب من مسجد «المحطة» في قرية ميت الكرماء بمركز طلخا محافظة القليوبية، أحد أشهر مزارات الصوفية في مصر، نشأ الفتى مصطفى كمال محمود حسين، الذي ولد في يوم 27 ديسمبر 1927، الأمر الذي كان له بالغ الأثر على تكوينه الفكري في بداية حياته، وبدأ يبحث عن الخالق «أين الله؟ من هو؟ إذا كان موجودا من خلقه؟ ما شكله؟ ما هي الذات الإلهية؟»، ربما كان يريد أن يلمس النور بيديه ليتأكد من صدق وجوده، وربما كان يريد أن ينتهي إلى أن الحياة خلقت وحدها، وليس هناك من أوجدها. «منزل بسيط ومعمل صغير» شكلا جانبا آخر في حياة الفتى «مصطفى»، جانب العلم، طفل صغير يحضر غاز ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت ويقتل الصراصير بالكلور ويُشرِّح الضفادع، ليتطور الأمر، فيلتحق بكلية الطب ويتخصص في الأمراض الصدرية، لكنه يقضي معظم وقته متأملا في أجساد الموتى، حتى أطلق عليه زملاؤه لقب «المشرحجي»، «منزل بسيط ومعمل صغير» شكلا جانبا آخر في حياة الفتى «مصطفى»، جانب العلم، طفل صغير يحضر غاز ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت ويقتل الصراصير بالكلور ويُشرِّح الضفادع، ليتطور الأمر، فيلتحق بكلية الطب ويتخصص في الأمراض الصدرية، لكنه يقضي معظم وقته متأملا في أجساد الموتى، حتى أطلق عليه زملاؤه لقب «المشرحجي»، لكنهم لم يعرفوا أنه كان ينتظر من هؤلاء الموتى أن يخبروه بالسر «ماذا بعد الحياة والموت؟ هل الله هناك حقا؟». في فترة الستينات علا صوت التيار المادي، وخلقت النظرية الوجودية مكانا لها على ساحات النقاش، فانجرف الرجل الثلاثيني معها، وترك الطب، ربما لأن تأمله في الموتى لم يكن شافيا لغليل فضوله، وظل 30 عاما، أكثر من 10 آلاف ليلة، مشتتا، يكتب عن العلم، والفلسفة، والاجتماع، والسياسة، والدين، والتصوف، وأدب الرحلات، يتقلب بين البوذية، والبراهمية، والزرداشتية، والهندوسية، يبحث عن الله هنا وهناك بين العلم والإيمان، يحاول معرفة ماهية الحياة والموت، عله يجد ضالته «أين الله؟ هل حقا موجود؟». «تقولون إن الله خلق الدنيا لأنه لا بد لكل مخلوق من خالق ولا بد لكل صنعة من صانع ولا بد لكل موجود من موجد، صدقنا وآمنا، فلتقولوا لي، إذن من خلق الله، أم أنه جاء بذاته؟ فإذا كان قد جاء بذاته وصح في تصوركم أن يتم هذا الأمر، فلماذا لا يصح في تصوركم أيضا أن الدنيا جاءت بذاتها بلا خالق وينتهي الإشكال؟».. تساؤل ورد على ذهن الفتى مصطفى حينما كان يبلغ من العمر13 عاما، وبعد أن وصل إلى برا الأمان طرحه في كتابه «رحلتي من الشك إلى الإيمان»، الذي صدر عام 1970. «لقد رفضت عبادة الله لأني استغرقت في عبادة نفسي وأعجبت بومضة النور التي بدأت تومض في فكري مع انفتاح الوعي وبداية الصحوة من مهد الطفولة».. من هنا بدأت رحلة الشك، «لو أني أصغيت إلى صوت الفطرة وتركت البداهة تقودني لأعفيت نفسي من عناء الجدل، ولقادتني الفطرة إلى الله»، وهنا كان الإيمان. يوم الإثنين، في تمام الساعة التاسعة مساءً، ناي حزين للعازف محمود عفت وعبارة «أهلا بكم» بصوت هادئ، يحيي بها الدكتور مصطفى محمود، متابعيه، في مقدمة برنامجه «العلم والإيمان»، الذي بدأ به مرحلة جديدة في رحلته نحو البحث عن الله، على التلفزيون المصري، من عام 1971 وحتى 1997، وكاد مبلغ 30 جنيها أن يمنع هذه البداية، وكانت هذه تكلفة الحلقة الواحدة، التي لم يستطع التلفزيون تحملها، إلا أن رجل أعمال تكفل بالأمر، فأصبح «العلم والإيمان» أحد أكثر البرامج انتشارا. موسيقى الناي الحزين، التي جذبت أذهان متابعي البرنامج، لم تكن هي الأصلية، إذ طلب «محمود» من الموسيقار محمد عبد الوهاب تأليف مقطوعة للبرنامج، إلا أن اعترض عليها باعتبارها «موسيقى راقصة»، فطلب من «عفت» تأليف مقطوعة باستخدام الناي، وأخبر عبد الوهاب أن مخرج البرنامج «أضاع اللحن». رحلة «العلم والإيمان» تخللها كثير من المصاعب، لكن هذه المرة في عام 1976 الأمر لم يكن 30 جنيها فقط، بل كانت 15 ألف دولار، ثمن شرائط جديدة أحضرها مصطفى محمود من الخارج، بعد أن واجه البرنامج أزمة بسبب نفاد الأفلام الوثائقية، لكن بعد عودته كانت «تماضر توفيق» قد تولت رئاسة التلفزيون المصري، ورفضت إعطائه المبلغ، فتدخل رجل الأعمال رياض العريان ودفع المبلغ «ضغوط سياسية» أوقفت رحلة، إذ يقول أدهم ابن مصطفى محمود، إن قرار وقف البرنامج صدر من الرئاسة إلى وزير الإعلام آنذاك صفوت الشريف، لكن الرحلة لم تنتهِ ومستمرة حتى الآن من خلال مسجد يحمل اسمه، وجمعية خيرية للأيتام، ومركز طبي للفقراء.