أغنيات وطنية عديدة مجدت لنصر أكتوبر، ولا مجال لحصرها، لكن ما تمتاز به "أم البطل"، أنها جاءت على لسان سيدة فقدت ابنها شهيدًا، فعبرت بصدق تام عن أمهات جميع أبطال الحرب. المطربة شريفة فاضل عرفت في فترة الخمسينيات، وقد تمتعت بصوت قوي، اكتسبته من "جينات" العائلة، فهي حفيدة المقرئ أحمد ندا، وحظيت بتدريب كبير على أيدى الكبار من المنشدين الدينيين، إضافة إلى الملحنين المعروفين وقتها، وقد تزوجت المخرج السيد بدير، الذي أسند إليها العديد من الأعمال الفنية، وكانت لها أغنيات معروفة لعل منها "حارة السقايين"، "يا حلو فهمنا"، و"أمانة يا بكرة"، لكن اقترن ذكرها دائمًا باسم أغنيتها التي تحبها أكثر من أي أعمال أخرى قدمتها، وهي "أم البطل". الضابط الطيار سيد السيد بدير، وهو دفعة 25، استشهد إبان فترة الحرب مع إسرائيل بعدما سقطت طائرته، وكان في مهمة، حيث وقع خلل فيها، وذلك حسب رواية لواء ملاح نبيل طه، وكان مشهودًا له بين رفاقه بحسن السير والسلوك.. ما هون قليلًا على والدته أنها احتسبت ابنها من الشهداء، لكنها ظلت تشعر أن هناك واجبًا عليها الضابط الطيار سيد السيد بدير، وهو دفعة 25، استشهد إبان فترة الحرب مع إسرائيل بعدما سقطت طائرته، وكان في مهمة، حيث وقع خلل فيها، وذلك حسب رواية لواء ملاح نبيل طه، وكان مشهودًا له بين رفاقه بحسن السير والسلوك.. ما هون قليلًا على والدته أنها احتسبت ابنها من الشهداء، لكنها ظلت تشعر أن هناك واجبًا عليها تجاهه ورفاقه. 3 أشهر مرت على الواقعة، وقد قررت شريفة فاضل أن تخلد ذكراه، فاتصلت بالشاعرة نبيلة قنديل، وطلبت منها أن تكتب أغنية تحت عنوان "أم بطل"، وأرادت أن تكون الكلمات ليست موجهة فقط للنساء اللاتى فقدن أبناءهن الأبطال فى الحرب، أو للذين عاشوا وشاركوا فى صنع النصر، خصوصا أن كل الأغنيات التي صنعت لتمجد للملحمة العظيمة افتقدت هذا الجانب الإنساني البحت، فأرادت أن تغني هي بلسان كل أم في مصر، بل بلسان مصر نفسها، وهي تفخر بأبنائها. الفكرة لاقت قبولًا كبيرًا لدى الشاعرة نبيلة، لكنها عادت وسألت "شريفة" ما إذا كانت تريد أن تكتب الكلمات وكأنها تتحدث عن أم شهيد، فأجابتها "شريفة" بالنفي، بل أنها تريد أن تصل لأمهات كل الأبطال الذين شاركوا فى حرب أكتوبر، من استشهد منهم ومن نجا. شريفة فاضل تحدثت عن كواليس تلك الأغنية في لقاءات صحفية عديدة بعد ذلك، فالجميع أراد أن يعلم كيف خرجت إلى النور، بأداء صادق وكلمات صادقة، فحكت أن "نبيلة" طلبت منها أن تدخل إلى غرفة ابنها الشهيد لعدة دقائق، ثم خرجت وفى يدها ورقة بكلمات الأغنية، التى هزتها بشدة، وشعرت أنها تعبر عنها بالفعل، وطلبت فقط منها تعديل شطر "بيضربوا بيك المثل"، حيث رأته أنه سيكون غير مناسب، إلا أن الشاعرة نبيلة تمسكت به، ووقتها كان زوجها، الملحن على إسماعيل، حاضرا معهما، فأخذ الكلمات وتوجه لمنزله، وعاد اليوم التالى بلحن شديد الإتقان، لم تطلب، والحديث ل"شريفة"، تعديل جملة موسيقية واحدة منه، وفى اليوم الثالث كانت في ماسبيرو لتسجيلها، فرحب بابا شارو، رئيس الإذاعة وقتها، بالأغنية وأمر بدخولها الاستوديو فورا وتسجيلها. لم يكن وقوفها في الاستوديو مثل كل مرة سجلت فيها أغنية، فقد شعرت بالرهبة الشديدة، كأنها تغني لابنها أمامها، فتقول الفنانة شريفة إن هذه اللحظات لن تنساها أبدًا طالما ظلت على قيد الحياة، فبمجرد أن غنت المقطع الأول، سقطت من شدة التأثر، وتكرر هذا الموقف معها عدة مرات، حتى سمعت المطربة فايزة أحمد، وكانت موجودة بالاستوديو مصادفة، تخاطبها قائلة: "لو مش قادرة تغنيها.. بتغنى ليه"، وهي الجملة التي كان لها تأثير السحر عليها، فزادت من إصرارها على أن تكملها، وتماسكت وقررت أن تنهيها فى مرة واحدة، وقد كان، ولم يستغرق تسجيلها أكثر من ساعات، وليس عدة أيام، كما تردد. ومن كلمات الأغنية "ابنى حبيبى، يا نور عينى بييضربوا بيك المثل، كل الحبايب بتهنيني، طبعا ما انا أم البطل، يا مصر، ولدى الحر اتربى وشبع من خيرك، اتقوى من عظمة شمسك، إتعلم على إيد أحرارك، اتسلح بإيمانه واسمك، شد الرحال، شق الرمال هز الجبال، عدا المحال، زرع العلم، طرح الأمل، وبقيت أنا أم البطل".