عدد من المخرجين الهامين في تاريخ السينما المصرية ابتعدوا عن المعايير التجارية وأصرّروا على أن ينتصروا للفن على شباك التذاكر الذي بدوره هو الآخر طالما كان يخذلهم. ليس في كل الحالات يعترف شباك التذاكر في دور العرض السينمائية بالأسماء الكبيرة، فكم من نجوم كبار فشلوا فشلًا ذريعًا في صالات الشاشة الفضية، وكذلك الأمر ذاته بالنسبة للمخرجين، والمثير أن عدد من أهم مخرجي السينما المصرية طوال تاريخها دائمًا ما كان لا يحالفهم الحظ في جني الإيرادات، وذلك لأسباب عدة أهمها ابتعادهم عن المعايير التجارية وإصرارهم على تقديمهم الفن من أجل الفن فقط وليس من أجل شباك التذاكر الذي عادةً ما يتصارع عليه نوعية أفلام الأكشن والكوميديا فقط. يوسف شاهينالعالمي يوسف شاهين كان يُصّر دومًا على تقديم الجديد في أفلامه، ولم يلهس وراء شعار "الجمهور عاوز كده"، ولم يضع عينيه على شباك التذاكر، وقدّم السينما كما يجب أن تقدم للمتفرج الذي يبذل الجهد للتفاعل مع المعروض، وانتصر لقضايا الحريات بكل أشكالها، وقدّم أبطاله المهزومين بسبب الفساد والديكاتورية يوسف شاهين العالمي يوسف شاهين كان يُصّر دومًا على تقديم الجديد في أفلامه، ولم يلهس وراء شعار "الجمهور عاوز كده"، ولم يضع عينيه على شباك التذاكر، وقدّم السينما كما يجب أن تقدم للمتفرج الذي يبذل الجهد للتفاعل مع المعروض، وانتصر لقضايا الحريات بكل أشكالها، وقدّم أبطاله المهزومين بسبب الفساد والديكاتورية في معظم أفلامه، وخاصةً تلك التي ظهرت بعد هزيمة 1967، وانتصر على الإقطاع والظلم، وقدّم سيرته الذاتية في 4 أفلام، واختتم مسيرته بفيلم "هي فوضى" عن استبداد وظلم بعض أمناء الشرطة، رفض شاهين إلا أن يكون هو نفسه، انتصر للفن وليس لشباك التذاكر، حتى أنه أسس شركة مصر العالمية كي يُنتج ما يحلو له، ولذلك تظل أعماله قابلة للمشاهدة عشرات المرات. رأفت الميهي وُصفت معظم أفلام رأفت الميهي، والتي بلغت 27 عملًا ومنها "الأفوكاتو" و"السادة الرجال" و"سمك ولبن تمر هندي" و"سيداتي آنساتي"، بأنها من أجرأ أفلام السينما المصرية من حيث التناول السينمائي، إذ كان لا ينظر لشباك التذاكر بقدر اهتمامه بسينما جديدة حتى في الكوميديا، وكانت له رؤيته في تقديم أبطال أفلامه بشكل كوميدي يعتمد على الموقف كالنجم محمود عبد العزيز، وليلى علوي، ويحيى الفخراني، وعادل إمام، وعادةً ما كنت تختلف طبيعة أفلامه عن باقي الأفلام السينمائية في دور العرض فتتعرض للفشل ولا تنجح جماهيريًا، إلا أنه لم يعبأ ذلك، وظل يُقدّم رسالته على الوجه الذي يراه دون أي اعتبارات أخرى. يسري نصر الله اعتاد المخرج يسري نصر الله على التغريد خارج السرب، اتساقًا مع مدرسة أستاذه المخرج الراحل يوسف شاهين، النابعة من السينما الفرنسية، حيث الجرأة وإزالة الستار عن المجتمع فيظهر كما هو مهما كانت معالمه مشوهة أخلاقيا واجتماعيا ودينيا، لذا انحصرت تجاربه الإخراجية على مدار 30 عامًا في 9 أفلام سينمائية فقط (سرقات صيفية - مرسيدس - صبيان وبنات - المدينة - باب الشمس - جنينة الأسماك - احكي يا شهر زاد - بعد الموقعة - الماء والخضرة والوجه الحسن)، لم تلق النجاح الجماهيري، لكنها استحوذت على انتباه النقّاد، واستقبلت بترحاب شديد في المهرجانات الفنية خارج مصر، نظرًا لعدم اهتمامها باحتياجات السوق التجارية، وتركيزها على مناقشة قضية، وطرحها بشكل جريء ومن زاوية مختلفة، ومن هنا اكتسب طابعه الخاص، وكوّن قاعدة جماهيرية ليست واسعة، ولكنها متذوقة لفنه وشغوفة بمتابعته. محمد خان لم تكن سينما محمد خان، جماهيرية بمعيار شباك التذاكر، لذلك كان يشقى في إيجاد ممول لأفلامه، لكن أفلامه تدخل في اهتمام كل الشرائح الاجتماعية، حتى لو لم تحب هذه الأفلام، نظرًا لحسياسية الأفكار التي يعالجها، والتاريخ السينمائي يؤكد لنا أن سينما خان، وكل أتباع الواقعية السينمائية، تتجذر في وجدان المواطن المصري بشكل قوي، ويكفي أن أهم فيلم في مسيرته "الحريف" (1984) فشل فشلًا ذريعًا في دور العرض، ما تسبب في توتر العلاقة بين الفنان عادل إمام والمخرج الراحل، وكذلك عدم تجدد التعاون بين الزعيم وخان. هؤلاء المخرجين، وآخرين غيرهم، انتصروا للفن وقدّموه من أجل الفن فقط وليس شباك التذاكر، لم يشغلهم سوى تقديم رسائل وصناعة سينما مختلفة وليس جني أموال الجمهور فحسب.