لطالما ظل التحالف الروسي الصيني على المستوى السياسي أحد أهم عوامل موازين القوى العالمية، لا سيما بعد أن انحازت القوى الأوروبية بشكل كامل نحو الولاياتالمتحدةالأمريكية على مستوى الدبلوماسية الدولية أو حتى الصراعات العسكرية في مناطق مختلفة من العالم. صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية سلطت الضوء على السياسة الصينية التي تمتد منذ عقدين تقريبًا في استهداف التأثير السياسي عن طريق التواجد الاقتصادي القوي داخل البلدان المختلفة، وهو الأمر الذي اتبعته في مطلع تسعينيات القرن الماضي في بولندا وعدد من دول أوروبا الشرقية. اقرأ أيضًا: الصين ترد على ترامب.. فرض رسوم على 128 سلعة مستوردة الاستثمارات الصينية في روسيا وهي واحدة من أهم العوامل المُحققة للتحالف السياسي الواضح للبلدين على المستوى الدولي، والتي كانت بمثابة الأداة الرئيسية لدخول بكين معترك الدبلوماسية العالمية كقوة مُعترف بها عبر بوابة التحالف مع موسكو. وتُضخ الاستثمارات الصينية في سلسلة غير قليلة من المشروعات الرئيسية، حيث تتعاون بكين مع موسكو في ضخ 100 مليار دولار في صورة استثمارات مشتركة بين البلدين في روسيا، وعلى مدار العامين الماضيين بدأت الصين بشكل فعلي تنفيذ ما يزيد عن 65 مشروعًا حيويًا على الأراضي الروسية، كما رصدت 30 مليار دولار لاستثمارها في مشروعات محتملة خلال 2016 بالتعاون مع موسكو. وعلى الرغم من كون السياسة الاستثمارية تبدو متبادلة بين موسكووبكين، إلا أنها تصب سياسيًا في صالح العملاق الآسيوي، والذي تحولت أمواله من مرحلة التجربة إلى النضج في روسيا. ووفقا للصحيفة البريطانية، فإن الصين التي تتعاون مع روسيا في تأسيس صندوق للاستثمار المشترك، لم تكن الطرف الأكثر استفادة على المستوى الاقتصادي، إلا أنها استطاعت التواجد كشريكة رئيسية متحالفة مع روسيا في العديد من الملفات السياسية حول العالم. وأشارت إلى أن الجغرافيا السياسية، التي لطالما عانى منها المستثمرون الغربيون في روسيا، هي الآن نعمة لرأس المال الصيني. اقرأ أيضًا: تقرير لجنة «11 سبتمبر»: روسياوالصين تسببا في نشر التطرف وأوضحت أن هجوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الاقتصاد الصيني من خلال التعريفات التجارية والجمركية، قد أدى إلى حرص بالغ من بكين على إقامة تحالفات اقتصادية جديدة. ووفقًا لرؤية الصحيفة، فإن تعرض روسيا لهجوم أمريكي مشابه كان السبب الرئيسي في توثيق العلاقات بين البلدين، وهو ما يعني أن سياساتها الاستثمارية الممتدة منذ التسعينيات، باتت الآن مطلوبة وبقوة، خاصة في ظل تأثير العقوبات الأمريكية على مجالات مختلفة في روسيا مثل الزراعة والأسلحة والطاقة وغيرها، ومن ثم فإن ذلك سهَل مهام بكين في الوصول إلى أكثر من 150 مليون مستهلك داخل روسيا. في هذا السياق، قال جاك ما، وهو أحد أغنى رجال الأعمال في الصين، خلال مؤتمر اقتصادي في فلاديفوستوك، حيث كان التعاون الصيني الروسي هو أكبر قصة في المدينة: "بمرور الوقت، ستكون الاستثمارات أكثر في روسيا". أما عام 2015، فقد اشترت مجموعة النفط الصينية سينوبك 10% من أسهم نظيرتها الروسية سيبور مقابل 1.3 مليار دولار، وخلال مطلع الجاري، اشترى صندوق طريق الحرير الصيني 10% أخرى من الشركة نفسها. فالعمل السياسي المشترك بين البلدين - بحسب الصحيفة - كان في ظاهره يحمل طابعا سياسيا من طراز فريد، حيث كانت العلاقة الشخصية بين الرئيسين شي جين بينج وفلاديمير بوتين مساهمًا كبيرًا في التحالف الجيوسياسي بين الصينوروسيا، وساعدت إلى حد ما في هذا الاتجاه الاقتصادي الصيني". اقرأ أيضًا: الصينوروسيا.. أهداف قانون الدفاع الأمريكي الجديد ومنذ فرض العقوبات الغربية على موسكو في عام 2014، حوَل الكرملين بحدة تركيزه الاقتصادي شرقًا، حيث وقعت شركات روسية صفقات توريد الغاز بقيمة 400 مليار دولار، كما باعت حصص في حقولها النفطية ومشروعاتها من الغاز الطبيعي السائل للمستثمرين الصينيين. وخلال عام 2016، استأنفت روسيا بيع منتجات الأسلحة المتقدمة إلى الصين، وهو أحد الموارد الرئيسية لموسكو على المستوى الاقتصادي. وساعدت السيولة المالية الصينية شركات الزراعة الروسية على إنشاء مزارع بالقرب من حدودها البالغ طولها 4200 كيلومتر، ومن المتوقع أن ترتفع التجارة الثنائية بنسبة 20 % هذا العام لتصل إلى 100 مليار دولار. وقال جيم روجرز وهو مستثمر مخضرم في الصينوروسيا: "هذا هو الواقع، الصينيون لديهم المال والروس متحمسون للبيع." واختتمت الصحيفة بالقول إن المواءمات السياسية بين روسياوالصين لم تكن في واقعها سوى امتداد لتعاون مثمر بين البلدين في الشق الاقتصادي، والذي يُشهد له بأنه العامل الأكثر حسمًا في توحيد القوى السياسية للبلدين على المستوى الدولي خلال العقود الماضية.