يبدو أن إيران عازمة على مواصلة دورها داخل سوريا، بخلاف ما تم ترديده عن وجود اتفاق مع روسيا بشأن تخليها عن مواقعها إرضاءً لإسرائيل. موقع مجلة "فورين بوليسي" الأمريكي، نشر تقريرًا مطولًا تناول خلاله ما تواجهه إيران الآن من ضغوط قد تدفعها إلى الانسحاب من سوريا، بخلاف ما تسعى طهران لتحقيقه بأن تبقى بها إلى الأبد. التقرير كشف أن إسرائيل تحاول الآن الضغط على روسيا "صاحبة النفوذ الأكبر في سوريا"، واللاعبين الدوليين الآخرين، لإجبار إيران على مغادرة سوريا، وتوجيه تهديدات إليها بإجراء المزيد من الهجمات على المواقع الإيرانية داخل سوريا في حال بقائها. كان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، قد ذكر انسحاب إيران من سوريا كأحد الشروط ال12 التي قدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية لإلغاء العقوبات بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي في الشهر الماضي. اقرأ أيضًا: الأسد يخوض معركة الجنوب.. واتفاق سري بين إسرائيل وإيران على الانسحاب فيما يشير مسئولون وخبراء ومحللون إيرانيون إلى أن طهران استثمرت الكثير من الدماء والثروة داخل سوريا، حيث بلغ حجم إنفاقاتها بها 30 مليار دولار حتى الآن، لذلك فهي عازمة على جني المكاسب الاستراتيجية المحتملة على المدى الطويل التي ستقدمها سوريا، حتى لو كانت على حساب المزيد من الخسائر. فإيران لا تريد الانسحاب من سوريا، خاصة أنها تمتلك مهارة بارعة في إدارة الأرض، وأنه بالرغم من الوجود الروسي المهم فإن دور روسيا على الأرض ليس بالقوي، حسب الصحيفة. ودائمًا ما تتمسك إيران بأن وجودها في سوريا بناءً على طلب من دمشق، وأنها لن تغادر إلا إذا طالبت هي بذلك، حيث كان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي قد قال "طالما أن وجودنا ضروريًا لمواجهة الإرهاب هناك ولطلب الحكومة السورية منا ذلك، فإن إيران ستحافظ على وجودها في سوريا وستقدم مساندتها إلى الحكومة السورية". كان الرئيس بشار الأسد صرح خلال مقابلة أنه لم يكن هناك قوات إيرانية قط داخل سوريا، وأن لدينا فقط ضباطًا إيرانيين يعملون مع الجيش السوري كمساعدين. المجلة أشارت إلى أن إيران كانت قد تدخلت هي وحليفها اللبناني "حزب الله" في سوريا للدفاع عن نظام بشار الأسد قبل سقوطه كضحية أخرى لثورات الربيع العربي. اقرأ أيضًا: الأسد يحصل على دعم إسرائيل.. ويتخلى عن إيران وتصاعدت الاستثمارات الإيرانية داخلها إلى مليارات الدولارات، وقامت إيران خلال ذلك بتجنيد وتدريب الأشخاص الذين أتوا إلى سوريا من مختلف أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا، حسب "سبوتنيك". منور فار هنج، باحث إيراني ودبلوماسي مقيم في أمريكا، قال: إن "إيران أنفقت أكثر من 30 مليار دولار بسوريا في شكل مساعدات عسكرية واقتصادية، وحققت الكثير من الاستثمارات الاقتصادية والسياسية في سوريا، لذلك من الصعب عليها حمل حقائبها والخروج منها". فالقوات الإيرانية تعمل حاليًا بداخل 11 قاعدة بكافة أنحاء سوريا، فضلاً عن 9 قواعد عسكرية للميليشيات الشيعية المدعومة إيرانيًا في محافظات حلب الجنوبية وحمص ودير الزور، بالإضافة إلى 15 قاعدة ونقطة مراقبة تابعة لحزب الله على طول الحدود اللبنانية مع حلب، وفقًا لنوار أوليفر، الباحث العسكري في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية. محللون عسكريون، أشاروا إلى أن إيران تواجه بالفعل ضغوطًا روسية تدفعها الآن لنقل قواتها الموجودة في الجنوب السوري إلى دير الزور غرب الفرات، كما حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن إسرائيل ستقوم بضرب أي محاولة من جانب إيران للبقاء عسكريًا في سوريا، ليس فقط في مرتفعات الجولان، ولكن في أي مكان بسوريا. "فورين بوليسي" رأت أن الوجود الإيرانيبسوريا تجاوز الوجود العسكري، فهي تسعى الآن إلى زرع بذور مؤسساتها الأيديولوجية، فإلى جانب وجود نحو 12 منظمة مرتبطة بإيران في سوريا، تعمل مؤسسة الجهاد الإسلامي المدعومة من إيران "وهي مؤسسة خيرية مولت ونظمت إعادة إعمار جنوبلبنان بعد حرب عام 2006"، على إقامة مشاريع كبيرة بسوريا لإعادة بناء المدارس والطرق، وتقديم مساعدات لعائلات الميليشيات السورية المدعومة من إيران. اقرأ أيضًا: انسحاب حزب الله من جنوبسوريا.. دعمٌ للأسد أم إرضاء لإسرائيل؟ التواجد الإيراني في سوريا، يعمق ارتباط النظام أكثر بطهران، مما يعطي إيران الحرية للتوسع في المنطقة، فضلاً عن نقل الصراع من إسرائيل لنقطة قريبة. وفي الأشهر الأخيرة حصلت الشركات الإيرانية على صفقات بسوريا تشمل توفير الجرارات، وإصلاح شبكات التيار الكهربائي، وتعدين الفوسفات، فاستنادًا إلى التقديرات المقدمة من المسؤولين الإيرانيين، بلغ حجم الصارات الإيرانية السنوي إلى سوريا ما لا يقل عن 150 مليون دولار، كما بلغ حجم المشاريع التي حصلت عليها إيران 4.5 مليار دولار منذ العام 2013. علي الأنصاري، الباحث في جامعة سانت أندروز، قال: إن "هناك إمكانية لشراء موقف إيران من خلال ضغوط تمارسها على كل من موسكوودمشق لدفع طهران للمغادرة، من خلال تقديم المزيد من العروض الاستثمارية للشركات الإيرانية". أخيرًا يجب التأكيد أن انسحاب إيران من سوريا لا يبدو ممكنًا، حيث تعتبر طهران وجودها في سوريا ضروريا، والذي لا يوقفه سوى هزيمة عسكرية كاملة للحكومة السورية، وأنهم قد ينسحبون تكتيكيًا فقط بسبب الضغط الروسي إذا اضطرت لتهدئة الأمور.