قدمت حكومة المهندس شريف إسماعيل لمجلس النواب هذا الأسبوع مشروع موازنة السنة المالية القادمة (2018/ 2019) والتى تبلغ تريليونًا و725 مليار جنيه، أو كما أعلن وزير المالية بأنها الموازنة الأضخم فى تاريخ حكومات مصر، في حين قدرت الحكومة إيراداتها بنحو 989 مليار جنيه، منها 770 مليار حصيلة الإيرادات الضريبية وحدها، ويبلغ حجم الإنفاق -المصروفات- فى الموازنة 1424 مليار جنيه. ويكشف البيان المالي للموازنة المطروح حاليًا أمام لجان مجلس النواب، عن بلوغ حجم مشروع الموازنة تريليونًا و725 مليار جنيه بواقع (32.8% من الناتج المحلى الإجمالي) مقسّمة إلى تريليون و424 مليارًا للمصروفات بزيادة قدرها 216 مليارا و882 مليونا 18% عن العام المالى الحالي، و25 مليارًا لمتطلبات حيازة الأصول الماليّة وسداد القروض (المحلية والأجنبية) بواقع 276 مليار جنيه. وتقسم الموارد على 3 مكونات رئيسية، ممثلة فى الإيرادات، بلغت نحو 989 مليارا و188 مليون جنيه، وذلك بزيادة قدرها 154 مليار جنيه عن موازنة العام المالى الحالي (بمعدل زيارة قدرها 18.4% من الناتج المحلى) فيما قدرت المتحصلات من الحيازة 21 مليار جنيه، وقدر حجم مصادر التمويل بمشروع الموازنة بنحو 715 مليارا، بنسبة (13.6%) من الناتج المحلى الإجمالى. الديون تتراكم «لا لمزيد من الإفقار والتبعية، لا لمزيد من الديون.. نريد توزيعا عادلا لأعباء الأزمة».. كان هذا تعليق الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني على مشروع الموازنة العامة الجديدة للعام المالي (2018/ 2019) والتي قدمتها الحكومة إلى مجلس النواب وتتم مناقشتها الآن ويبدأ العمل بها مطلع يوليو 2018، وقدرت مصروفات الموازنة الجديدة بنحو 1.4 تريليون جنيه والإيرادات 989.1 مليار جنيه وبعجز كلي بلغ 438.6 مليار جنيه. وأضاف أنه رغم كل الإجراءات الاقتصادية القاسية التي تحملها المواطن المصري، وصدور عشرات التشريعات المنحازة للاستثمار الأجنبي والقطاع الخاص، وفرض المزيد من الأعباء على الكادحين ومحدودي الدخل وتصاعد فاتورة الديون، ارتفعت فاتورة العجز الكلي من 279 مليار جنيه في موازنة عام (2014/ 2015) إلى قرابة 438.6 مليار جنيه في موازنة عام (2018/ 2019). وزادت فوائد الديون من 193 مليارا كانت تمثل 27% من مصروفات الموازنة إلى 541.3 مليار جنيه هي تمثل 38% من مصروفات الموازنة الجديدة ولم تترك الكثير من الأموال للإنفاق على الأجور والتعليم والصحة والبحث العلمي وباقي الخدمات الأساسية. مخالفات دستورية وانتقد الميرغني مشروع الموازنة العامة الجديد الذي لم يحقق الاستحقاقات الدستورية في نسب الإنفاق علي التعليم والصحة والبحث العلمي للدخل القومي وتم الاكتفاء بمعدلات الزيادة المعتادة. وكما يتضح من مراجعة بنود الموازنة الواردة ضمن البيان المالي فإن الحكومة لم تلتزم مثلما فعلت فى الأعوام السابقة، بالنسب المقررة للإنفاق على قطاعات التعليم والصحة والبحث العلمي المحددة فى الدستور بما لا يقل عن 10% من الناتج المحلى الإجمالى للدولة. ولما كانت الحكومة تقدر الناتج المحلى الإجمالى بأكثر من 5.5 تريليون جنيه، ومن ثم ينبغي أن تُدرج فى الموازنة ما لا يقل عن 550 مليار جنيه توجه للقطاعات الثلاثة، وبحساب الأرقام المدرجة لهذه القطاعات والتى تبلغ 177 مليارا، نكتشف أنها أقل بكثير من النسب المحددة ولا تزيد على ثلث الالتزام الدستورى. وطالب مراقبون أعضاء البرلمان الذى يفترض أن يمثل أعضاؤه أفراد الشعب، برفض هذه الموازنة لعدم دستوريتها، وأن يطالبوا الحكومة بتعديل بنود الموازنة وأوجه الصرف كى تتوافق مع المواد المقررة دستوريًا، وإذا رفضت الحكومة تنفيذ ذلك وجب عليها أن تستقيل، ويقوم الرئيس بتشكيل حكومة طوارئ من كل الاتجاهات والأحزاب السياسية لمواجهة الوضع الاقتصادى الصعب الذى تمر به البلاد. إشكالية الأجور وارتفعت مخصصات الأجور في مشروع الموازنة الجديدة إلى 266 مليار جنيه وبمعدل زيادة بلغ 11% فقط عن العام الماضي، في الوقت الذي تقرّ فيه وزارة المالية بأن معدل التضخم وصل إلى 13% بما يعني تخفيضا فعليا لقيمة الأجور الحقيقية، في الوقت الذي تزيد فيه مرتبات الوزراء والعاملين بالسلك الدبلوماسي ويتم إقرار قانون خاص بذلك يضمن لهم 42 ألف جنيه راتبًا شهريًا ومعاشات بقيمة 33 ألف جنيه، بما يعكس الانحيازات الاجتماعية الواضحة. كما انخفضت قيمة الأجور من إجمالي إنفاق الموازنة من 20% العام الماضي إلى 19% في المشروع الجديد للموازنة، بينما انخفضت قيمة الإنفاق على الأجور إلى الناتج المحلي الإجمالي من 5.8% في العام الماضي إلى 5.1% في الموازنة الجديدة. الديون تلتهم المصروفات في نفس الوقت الذي ارتفعت فيه فوائد الديون من 27% من المصروفات و9.3% من الناتج المحلي إلى 38% من المصروفات و10.3% من الناتج المحلي، وأصبح الجزء الأكبر من موارد مصر يوجه لسداد الديون وأقساط وفوائد الديون. ويلاحظ فى بنود الموازنة مقارنة بميزانية العام الحالي (2017 /2018) أنه تم تخفيض دعم الكهرباء في مشروع الموازنة العامة من 30 مليار جنيه العام الماضي إلى 16 مليار جنيه في الموازنة الجديدة بنسبة تخفيض 47% عن العام الماضي، وهو ما يعني المزيد من ارتفاع أسعار الكهرباء وخفض دعم المواد البترولية كالبنزين والسولار والغاز من 110 مليارات جنيه العام الماضي إلى 89 مليار جنيه في الموازنة الجديدة بمتوسط نسبة زيادة 35%، وهو ما ينعكس بالارتفاع على مجمل تكلفة المواصلات والنقل، ما يؤدى إلى زيادة العبء على كاهل المواطن المصرى البسيط. في الوقت ذاته أعلن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي رفضه الشديد لمشروع الموازنة الجديدة، وسط مناشدة أعضاء مجلس النواب لعدم التصديق عليها، مطالبًا بفتح حوار مجتمعي واسع حول كيفية علاج مشكلات عجز الموازنة والمديونية، وكيفية استعادة تنمية وتطوير القطاعات السلعية الحيوية في الزراعة والصناعة قاطرة التنمية الحقيقية مع ضرورة التوزيع العادل لثمار وأعباء التنمية، بدلًا من تحميل محدودي الدخل وحدهم بأعباء الأزمة. وجاء في البيان أن الحكومة تستمر فى خصخصة قطاعات اقتصادية حيوية مثل قطاع الغاز الذي يقرّ المشروع أنه فتح لمشاركة القطاع الخاص في أنشطة التداول والتوزيع بعد أن تم رفع الدعم الكامل عنه، وكذلك قطاعي التشييد والسياحة، بل وتمتد إلى قطاع النقل والمواصلات من النقل العام إلى السكك الحديدية والمواني، وبغض النظر عن الأعباء التي يتحملها المواطنون وانعكاسات ذلك على تكلفة النقل والإنتاج في مختلف القطاعات. وهم توسيع الملكية وانتقد الميرغني نائب رئيس الحزب، مشروع الموازنة الذي رغم ما يعلنه من رغبة جادة في خفض معدلات البطالة فإنه لم يطرح خطة واضحة لتشغيل مصانع وشركات القطاع العام المتوقفة والتي يزيد عددها على 4 آلاف مصنع، بل يسعى لبيع 23 بنكًا وشركة منتجة ورابحة في قطاعات استراتيجية وحيوية وطرحها في البورصة تحت وهم "توسيع قاعدة الملكية" ليفقد الشعب المصري ملكية هذه الأصول، بما يضيق قاعدة الملكية بنقلها من ملكية الدولة "الملكية العامة" إلى ملكية الاحتكارات والاستثمارات الأجنبية بالأساس. وتابع: لا تعترف الحكومة بفشل سياسات الاعتماد على القطاع الخاص وبيع الأصول المملوكة للدولة والاعتماد على الاستيراد من الخارج، وتستمر في إهمال الزراعة والصناعة مفتاح النهوض الاقتصادي وتجاوز الأزمة، بل وقفزت الديون المحلية والخارجية من 1.7 تريليون جنيه سنة 2014 إلى 3.7 مليار جنيه في فبراير 2018. كما يتحدث مشروع الموازنة العامة عن توفير من 800 إلى 900 ألف فرصة عمل، في الوقت الذي تغلق فيه الشركة القومية للأسمنت بدعوى نقلها ويتم وقف مشروع تطوير شركة الحديد والصلب ولا توجد خطط معلنة لتشغيل المصانع المتوقفة. وحسب ما أعلن من مؤشرات الموازنة الجديدة، فسوف تستمر السياسة الضريبية المعتمدة على الضرائب غير المباشرة التي يتحملها الفقراء وضرائب الدخل التي يدفعها العمال والموظفون والمزيد من الإعفاءات للمستثمرين ورجال الأعمال ورفض الضرائب التصاعدية أو فرض ضرائب على تعاملات البورصة. الحماية الاجتماعية في خطر وأدت هذه السياسات، حسب الميرغني، لمزيد من الإفقار وتدهور مستوى معيشة معظم المصريين وبدلاً من حمايتهم تقلص المخصص لقطاع الحماية الاجتماعية 2 مليار جنيه عن العام الماضي، وانخفض الإنفاق على قطاع الإسكان والمرافق المجتمعية بقيمة 3 مليارات جنيه عن العام السابق. وأضاف أن زيادة المخصصات المالية لدعم السلع التموينية لا يرجع لزيادة حصة الفرد والكميات التي تُصرف له من منافذ التموين، بل يرجع للاعتماد على استيراد معظم احتياجاتنا الغذائية وخضوعنا لمافيا الأسواق العالمية وتقلبات أسعار الصرف، مع ثبات دعم المزارعين والأدوية وألبان الأطفال والمياه بنفس قيمة العام الماضي، والتي تعني التخفيض إذا ما تم ربطها بمعدلات التضخم وسعر الصرف الجاري.