بعد أن حوصرت إيران من قبل المجتمع الدولي نتيجة مساندتها للحوثيين في اليمن، بات أمامها أن تقدم تنازلات لمنع تحالف أوروبا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يسعى إلى الانسحاب من الاتفاق النووي. لكن يبدو أن أوروبا أصبحت اليوم غير معنية بالاتفاق النووي، خاصة أن هناك توافقًا تاما على إجبار طهران بالموافقة على تعديل بنوده، وذلك بعد الكشف عن دعمها ميليشيات الحوثي في اليمن بالأسلحة والصواريخ في خرق لمواثيق الأممالمتحدة والقوانين الدولية. بالأمس، رفعت فرنسا من درجة ضغطها على إيران، بالتأكيد أن نظام الملالي يزود ميليشيات الحوثي في اليمن بالأسلحة، حسب تصريحات وزير الخارجية جان إيف لودريان. اقرأ أيضًا: غطاء «خامنئي» يسقط عن الحوثيين.. كيف تدير إيران الفوضى باليمن؟ الحقيقة أن المشكلة في اليمن تكمن في أن العملية السياسية لم تبدأ، وأن السعودية تشعر بأنها تتعرض باستمرار لهجمات ينفذها الحوثيون الذين يحصلون بدورهم على أسلحة من إيران، وفقًا لإذاعة "آر تي آل". مراقبون للشأن الإيراني رأوا أن الموقف الفرنسي الجديد يضع طهران في موقف صعب تستحيل معه المناورة، ولن تجد من خيارات أمامها سوى تقديم تنازلات مؤلمة للوقوف بوجه التصعيد الفرنسي الأمريكي ضد الاتفاق النووي، فضلًا عن معارضتهما برنامجها لإنتاج الصواريخ الباليستية. تصريح لودريان يصب في صالح السعودية التي تتهم إيران بتزويد المتمردين الحوثيين بالأسلحة والصواريخ، ما يعطي دفعة قوية للموقف السعودي إزاء الحرب باليمن، أو التحرك الدبلوماسي الذي يخوضه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لإقناع الغرب بأن إيران تهدد الأمن الإقليمي في المنطقة، وفقًا للمراقبين. يمكننا القول إن التحرك الفرنسي تلك المرة، جاء نتيجة الصمت الدولي، الذي قد يُسهّل لإيران وضع يدها على مواقع استراتيجية في البحر الأحمر ويجعلها المتحكم في الملاحة الدولية. اقرأ أيضًا: تحالف قوى الشر في اليمن.. سرطان ينهش جسد الدولة يعتقد محللون أن موقف باريس من دور إيران في اليمن، بالإضافة لموقفي لندنوواشنطن، يشير إلى استدارة كاملة للموقف الدولي من أسباب الحرب في اليمن. المشهد العام يشير إلى أن هناك صعوبة بفرض الحوثيين كطرف سياسي في أي حل مستقبلي في اليمن، كما أنه قد يساعد خصوم الجماعة الحوثية على المطالبة بنزع سلاحها قبل أي تفاوض لمنع إعادة إنتاج نموذج حزب الله اللبناني في اليمن، وهو مطلب سيقابل بتفهم غربي بعد حادثة إطلاق الصواريخ التي أخرجت الحوثيين بشكل لا لبس فيه من اعتبارهم طرفا محليا إلى وكيل خارجي في الحرب اليمنية، وفقًا ل"الأخبار" اللبنانية. موقف فرنسا من تزويد إيران لميليشيا الحوثي بالسلاح، وإن جاء بمثابة تأكيد، فإن له قيمة سياسية كبرى تتمثّل في إسناد مساعي المملكة العربية السعودية لتكوين أوسع جبهة دولية مناهضة لمساعي إيران في المنطقة وساعية للحد من مخاطر تلك السلوكيات على السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، وستوسع الخطوة الفرنسية اللافتة دائرة المطالبات إقليميا ودوليا بوقف الدور التخريبي لإيران في العراق وسوريا ولبنان، حيث يتمركز حزب الله الذي تُوجه له أصابع الاتهام بالوقوف وراء تهريب الصواريخ، حسب الصحيفة. واعتبر مراقبون أن تصريحات لودريان تعكس تغيرًا واضحًا في المزاج الأوروبي ضد إيران، حيث إن أوروبا تسير بشكل واضح للحاق بموقف الرئيس الأمريكي من الاتفاق النووي، خاصة أن طهران عجزت عن فعل أي شيء لمنع هذا التحول الدراماتيكي في مواقف بعض الدول التي كانت تراهن عليها للوقوف بوجه تشدد ترامب. أسلوب إيران التقليدي في اللعب على حبال التناقض الأوروبي الأمريكي لم يعد مُجديًا بعد تصريحات لودريان القوية، وأن الخيار أمامها يكمن في المبادرة إلى تقديم تنازلات ليس في الاتفاق النووي، خاصة أنه من الواضح أن واشنطن قررت التحرر من أي التزام تجاهه، ولكن على مستوى أدوارها الإقليمية مثل تسهيل المرور إلى حل سياسي جدي في اليمن حتى لو أن ذلك سيكون هدية للسعودية، خصمها الأوّل في المنطقة، حسب المراقبين. المثير في الأمر، أن فرنسا كانت من أكثر الدول الأوروبية التي أبدت انفتاحًا على إيران ودعت إلى الحوار معها، لكن موقف وزير الخارجية جان لودريان، أسقط المرونة الفرنسية السابقة. الغريب أن الإيرانيين يرون أن فرص الاستثمار في بلادهم بعد رفع العقوبات كفيلة بأن تجعل الدول الأوروبية تقف بوجه رغبة ترامب في إنهاء العمل بالاتفاق النووي، وأن أوروبا ستكون خير مدافع عن مصالح إيران طالما ارتبطت بمصالح شركاتها، حسب وكالة أنباء فارس. ما يود التنويه إليه أن الدور الذي تلعبه إيران في الشرق الأوسط أصبح يهدد المصالح الغربية، وهو ما سيوسع دائرة الضغوط على نظام ولاية الفقيه دبلوماسيا واقتصاديا وقد يزيد من عزلتها.