بينما يحتفل مواطنون بعُرس انتخابات رئاسة الجمهورية 2018، في الشوارع والميادين وأمام اللجان، هناك في ركن آخر يُخيم الألم لفقدان الكاتب الصحفي الكبير لويس جريس، أحد رموز مؤسسة "روز اليوسف" الصحفية العريقة، وزوج الفنانة الراحلة سناء جميل، بعد صراع طويل مع المرض، عن عمر ناهز 90 عامًا، صاحبه حزن عميق يُسيطر على الوسط الفني والثقافي بانطفاء نور بيت "لويس وسناء" إلى الأبد، حيث لم ينجب الثنائي بإيعاز من الزوجة التي آثرت الفن على حياة الأمومة حتى رحلت في سلام إلى السماء، ومن بعدها الزوج المُحب ل"جميله" الذي فاته وحيدًا لسنوات. من هو لويس جريس؟ هو لويس لوقا جريس، قبطي، ولد في 27 يوليو 1928 في مركز أبو تيج بمحافظة أسيوط، حاصل على بكالريوس الصحافة والأدب من الجامعة الأمريكية عام 1955، ودبلوم الدراسات العليا من جامعة ميتشجان 1958، وبدأ حياته المهنية مع صاحبة الجلالة محررًا بمجلة "صباح الخير" في عام 1961، ومدير تحرير المجلة خلال 1959، ورئيس التحرير فيها عام 1968، وأصبح مراسلا لمجلتي روز اليوسف وصباح الخير في الأممالمتحدة في عام 1971، ومديرا عاما لمؤسسة "روز اليوسف" بدءًا من أكتوبر 1972، وحتى عام 1980، ثم تولى رئاسة تحرير "صباح الخير" لمدة 7 سنوات حافلة، في الفترة ما بين 1982 و1989. "لويس" شغل العديد من المناصب الهامة أبرزها عضو المجلس الأعلى للصحافة، وعضو لجنة الصحافة بالمجلس، عضو لجنة الصحافة بالمجلس الأعلى للثقافة لمدة 8 سنوات في الفترة ما بين 1976 و1984، عضو لجنة القراءة بالمسرح في الفترة ما بين 1980 و1985، وعضو لجنة الرقابة العليا على المصنفات الفنية، وألّف عددًا من القصص القصيرة من بينها: "حب ومال، وهذا يحدث للناس"، وترجم مسرحية "الثمن" لأرثر ميللر، كما أجرى عددًا من الحوارات الصحفية مع شخصيات عالمية مهمة، منها "كاسترو، جيفارا، ومكاريوس". الزواج تزوج "لويس" من الفنانة سناء جميل، وروى في حوار له مع الإعلامية لميس الحديدي، ببرنامج "هنا العاصمة"، منتصف مايو 2016، قصة الزواج، قائلًا إنه التقى بها لأول مرة بعد عودته من جامعة "ميتشجان"، بعدما تعرف عليها في بيتها عن طريق إحدى زميلاته الصحفية خديجة صفوت، وزادت الروابط أكثر بعد وجود علاقة صداقة تجمعهما لما يقرب من 4 أعوام، مضيفًا: "في يوم 27 أبريل 1961 كنا نتناول الغداء سويًا وقلت لها (سناء على فكرة انتي عايشة لوحدك وأنا عايش لوحدي، ما تيجي نعيش مع بعض)، ضحكت وسكتت، ظّللنا بعدها لا نتحدث ولا نتهاتف حتى 15 يونيو 1961، تلقيت اتصالا تليفونيًا منها، وقالت لي (هو أنت لما كنت بتقول ما تيجي نعيش مع بعض كنت تقصد نتجوز؟ قولتلها أه.. قالت نتجوز يوم السبت)". ويقول إن "القسّ رفض إتمام الزواج دون وجود معازيم وشهود، ليتوجه الزوج إلى جريدة (روز اليوسف)، والتي كان يعمل بها، ويستأجر 7 عربات بداخلها 35 شخصًا من زملائه، ليحل الأزمة بطريقة طريفة، لافتًا إلى أنهما قضيا شهر العسل تنقلًا بين عدة محافظات، حيث إنها كانت مرتبطة بعروض مسرحية". (اقرأ أيضًا.. عمر الشريف أفقدها السمع وندمت بسبب الإنجاب.. حكاية «سناء الجميل») "لويس" كان يعتقد أن "سناء" مُسلمة، بينما هو قبطي، وكان سيُعلن إسلامه من أجل الزواج منها، ويقول: "كانت دايمًا بتقول والنبي كل ما تتكلم، لما قالتلي نتجوز قولتلها (حيلك حيلك نتفاهم بعدين)، فقالتلي يعني إيه؟ قولتلها (أنا صحيح بحبك وممكن نتجوز بس في مشكلة، وعشان أشهر إسلامي في إجراءات.. كنت مستعد أُشهر إسلامي عشانها.. قالتلي وأنت تُشهر إسلامك ليه؟ أنت منين؟ قولتلها من أسيوط، قالت وأنا من المنيا، قالت معاك فلوس؟ قولتلها أه، قالت طيب ما تيجي نروح الحُسين بالليل، روحنا وإحنا هناك قالتلي فين ال7 جنيه؟ قولتلها معايا، سألت على صايغ وروحناله وقالتله عايزين دبلتين.. كل ده وأنا فاكرها مُسلمة.. قالتلي أنت عايز تُسلم ليه أنا قبطية زيّك، فين ال7 جنيه؟ واشترينا الدبل". يواصل المحب حديثه عن محبوبته، قائلًا: «قبل سناء كانت حياتي عادية، زواجي من سناء جميل جعل الحياة ثرية وغنية ومتنوعة ومرِّت بدون أن أشعر، "السنين جِريت وأنا مش دريان، لدرجة إن حتى لما سناء رحلت مازالت عايشة معايا.. وأكتر فيلم بحبه لها (بداية ونهاية) لأنه الفيلم اللي عرفني عليها"». الإنجاب يُضيف جريس، أنه في بداية زواجهما أخبرته أنها لا تُريد الإنجاب، ويروي: "قالتلي في بداية جوازنا في الستينيات (أنا بحب شغلي أوي ومقدرش أوزع حبي على اتنين)، قولتلها يعني إيه؟ قالت (لو جبت طفل وتعب مش هقدر أسيبه وأروح لشغلي، فأنا مش عايزة أطفال)، رديت عليها وقولتلها إني مش شايف مستقبل مُشرق ومعرفش إيه هيحصلي فأنا موافق نلغي فكرة إن يكون عندنا أولاد، ولكنها عادت بعدما بلغت سن الستين، وقالتلي (لويس.. غلطنا.. وأنا أخطأت.. كان زمان لو عندنا بنت ولا ولد كنا نتسند عليه، القرار كان خاطئ وغلط، وأنا ندمانة إني فكرت بالشكل ده)". "لويس" كان ينوي أن يقوم بنشر مذكراته ومذكرات الزوجة ضمن 3 كتب خاصة بحياتهما، الأول عن نشأته، والثاني عن علاقته بالصحافة، والثالث عن حياته مع سناء جميل، وذلك في العام الجاري مع عيد ميلاده ال90، ولكن القدر لم يُسعفه. الحوار الأخير كانت ل"لويس" رؤى ثاقبة يُعبر عنها في مقالاته ب"روز اليوسف"، وخلال حواراته الصحفية والتليفزيونية، وآخر حوار صحفي له كان في نوفمبر الماضي، ذكر فيه، أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كان "ديكتاتورًا"، بينما الرئيس محمد أنور السادات، كان "رئيسًا عظيمًا"، موضحًا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، لا يُشبهما، مضيفًا: "السيسي شخصية مستقلة جدًا، واستطاع أن يخلق لنفسه حالة خاصة، أنا معجب جدًا بخطواته، لأنها في الاتجاه الصحيح، ومصر ستستفيد من وجوده لسنوات طويلة، لأنه يحب البناء والتعمير، ويحب أن يشارك في قضايا المجتمع ويقتحمها بآراء مفاجئة". أما آخر حوار تليفزيوني له فكان مطلع يناير الماضي، ببرنامج "مساء dmc"، مع الإعلامية إيمان الحصري، وصرّح خلاله أن "العلاقة بين المصري والله قديمة للغاية، فالإنسان المصري أول إنسان تكون له علاقة مباشرة مع الله، ولم يكن هناك وسيط ولا حد يشفع له بين الله والإنسان، الله في الإنسان المصري منذ الأزل، ومازال هذا الإنسان يعيش حتى هذا اليوم باطمئنان كامل لأنه يثق بأن يد الله تحميه، المصري مؤمن بالله إيمانًا عميقًا لا يتزلزل بل يستمر ويصل حد اليقين، ويمكن الحقيقة التي يعرفها الجميع أنه لا يوجد بلد في العالم ذكر اسمه في التوراة والإنجيل والقرآن الكريم إلا مصر". الرسالة الأخيرة.. والرحيل آخر رسالة وجهها "لويس" لزوجته، كانت في ذكرى رحيلها الأخيرة، ديسمبر 2017، ونشرها عبر حسابه ب"فيسبوك"، وجاء فيها: "15 سنة ولازالتِ هنا.. ولازال عطرك يفيض من حولى ويملأ الأمكنة.. 15 سنة على رحيلك يا سناء.. ولازلت أحكي للناس عن أول لقاء بيننا وأول كلمة حب.. وأول رقم تليفون هاتفتك عليه لأول مرة.. 15 سنة ولازلت أذكر حنانك ودفء كفك حينما كان يربت على كتفي.. 15 سنة وما زلت أحكي لمن حولي عن عشقي لكِ.. وعن عدم وفائك بالوعد.. رحلتي وتركتيني وحيدًا وقد كنا اتفقنا على ألا نفترق.. لكن لا رد لقضاء الله.. فلتكن مشيئته ونحن نقبلها برضاء تام.. أعيش على أمل أن ألقاك يا وحيدتي"، وها هو "لويس" يرحل ليلقى "جميلته" هناك عند رب رحيم في السماء.