اتخذت العلاقات بين العراق ودول الخليج مؤخرًا اتجاهًا جديدًا بعد سنوات من الانقطاع، ولعل الخطوة الأخيرة التي اتخذها العراق بعد الإعلان عن خطة مستقبلية أقرتها الحكومة خير دليل على انتهاء الجمود في العلاقات، لإعادة الدفء العراقي - الخليجي وإزالة التوتر فيما بينهما. احتضان الكويت مؤتمر إعادة إعمار العراق خلال فبراير الماضي كان من أبرز المؤشرات التي تؤكد ترطيب الأجواء بين بغداد والجوار الخليجي، بعد سنوات عجاف من انقطاع العلاقات بدأت من تسعينيات القرن الماضي بغزو العراق للكويت. خطة مستقبلية "الخطة المستقبلية بين العراق ودول الخليج العربي التي أقرها مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير تتضمن المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية، إضافة إلى الجانب الأمني وتحدياته"، حسب المتحدث باسم الحكومة سعد الحديثي. الحديثي أوضح أن "الخطة ذات طبيعة عامة وسيتم إجراء لقاءات على مستوى اللجان المختصة بين الطرفين العراقي ومجلس التعاون الخليجي في وقت لاحق لبحثها"، دون تحديد موعد دقيق لذلك. كما أشار إلى وجود "تحدّيات مشتركة بين العراق ومجلس التعاون الخليجي تتعلّق بالتطرف والإرهاب وحركة الإرهابيين وتمويلهم". والأسبوع الماضي قال حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي، إن مجلس التعاون اتخذ قرارا في قمته الأخيرة بالكويت ديسمبر الماضي، بشأن التعاون الاستراتيجي مع العراق باعتباره شريكا أساسيا. وتشكل الخطة العراقية للحوار الاستراتيجي مع دول مجلس التعاون الخليجي خطوة مهمة على طريق عودة العراق إلى الحضن الخليجي بعيدا عن نفوذ إيراني. تقارب سعودي وتشهد علاقات العراق ودول المجلس نموا وتطورا ملموسا في عدة صور، منها إنشاء مجلس تنسيقي مشترك بين العراق والسعودية. التقارب السعودي العراقي هو ما مهد لتقارب أوسع مع دول الخليج، فقد دشنت السعودية والعراق خلال العام الماضي أولى خطوات التقارب بعد انقطاع دام 27 عاما. وتوج البلدان تقاربهما بلقاء بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، حيث أطلق الملك سلمان في 2017 أعمال مجلس التنسيق السعودي العراقي. وعززت الرياضوبغداد خطوات التقارب بقرار إعادة افتتاح القنصلية السعودية في البصرة وإقامة مباراة تاريخية بين فريقي البلدين في استاد المدينة، وكذلك باستئناف الرحلات الجوية والعلاقات التجارية. مصدر سياسي قريب من الحكومة العراقية أعلن اليوم الثلاثاء، أن مسؤولا سعوديا رفيع المستوى سيزور بغداد خلال أيام على رأس وفد سياسي واقتصادي، ضمن جهود الجانبين لتعزيز العلاقات المشتركة بعد تشكيل "المجلس التنسيقي الأعلى"، الذي أوضح أنه "أسهم في تفعيل ورش عمل واتفاقات مشتركة عبر تبادل زيارات بين مسؤولي البلدين، شملت جوانب سياسية واقتصادية وتجارية، ويتوقع أن تزداد وتيرتها مع انطلاق ورش إعادة الإعمار في العراق"، حسب "الحياة" اللندنية. السعودية تتطلع لتنفيذ مشاريع استثمارية هامة في عدد من مدن العراق، كما تعهدت بإعادة إعمار عدد من المدن العراقية التي دمرتها الحرب على داعش ومن بينها مدينة الأنبار. لم يقتصر الأمر على التقارب السعودي فقط، فقد قدّمت دولة الإمارات العربية المتحدة مبادرة للعراق لإعادة إعمار جامع النوري ومنارة الحدباء التي دمرها تنظيم "داعش" في الموصل. رئيس الوزراء حيدر العبادي استقبل في مكتبه السفير الإماراتي في بغداد حسن أحمد الشحي، الذي نقل تحيات ومباركة دولة الإمارات، حكومة وشعبا، بتحرير كامل الأراضي العراقية والإشادة بما تحقق في العراق من استقرار أمني. العراق لم يقف عند التقارب الخليجي فقط ، فقد شهدت العلاقات المصرية العراقية انطلاقة مهمة منذ بداية عام 2017، عقب فترة من الركود بدأت في تسعينيات القرن الماضي. "الاتفاق النفطي" بين البلدين كان القاطرة التي جرت خلفها كل أوجه التعاون الثنائي، هذا ما أكده السفير العراقي في القاهرة، حبيب هادي الصدر مؤخرا، والذي أشار إلى وجود طفرة في التبادل التجاري بين مصر والعراق، وصلت إلى زيادتها للضعفين عما كانت عليه في 2016. وأوضح أن الزيارات الرسمية رفيعة المستوى التي جرت بين البلدين الشقيقين، فتحت آفاقا رحبة، والتي كان آخرها من الجانب العراقي، زيارة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، ومن مصر المهندس إبراهيم محلب، مستشار رئيس الجمهورية بصحبة 3 وزراء وعدد من رؤساء الشركات لبحث ملف إعادة إعمار العراق. مخاوف إيرانية جاء التقارب العراقي الخليجي خاصة مع السعودية وسط مخاوف إيرانية من عودة العلاقات، وبات هذا الأمر يؤرق إيران التي تخشى انحسار نفوذها في العراق، حسب تقرير لمجلة "إيكونوميست". وسلط التقرير الضوء على تحركات إيرانية مع حلفائها في العراق لعرقلة هذا التقارب بالترويج له بوصفه خطرا مذهبيا. التحرك الخليجي تجاه العراق خطوة مباركة في الاتجاه الصحيح، لكن هذه الخطوة جاءت متأخرة، هذا التأخر سهل دخول إيران ومنحها فرصة للعبث بالشؤون العراقية. معظم السياسيين العراقيين تربطهم مصالح حزبية ودينية وسياسية مع النظام الإيران، ما يجعل من الصعب تخليص العراق من الهيمنة الإيرانية، فالابتعاد عن الهيمنة الإيرانية أمر مستحيل، حسب "الاتحاد" الإماراتية. إيران تربطها علاقات وثيقة بالمحافظات العراقية ذات الأغلبية الشيعية، وهناك الآن قوى وفصائل "الحشد الشعبي" الشيعية التي يقدر عددها بنحو 44 فصيلا شيعيا، ويرى مراقبون أن هذه الفصائل قادرة على ردع أي سياسة تتخذها الحكومة العراقية باتجاه التقارب مع دول الخليج.