"غياب المحاسبة وانقسام السلطة واستمرار الفوضى".. عوامل رئيسية تسببت في تفشي ظاهرة استعباد المهاجرين في ليبيا الساعين إلى الفرار عبر البحر المتوسط إلى القارة الأوروبية، لكن حقيقة الأمر أن العبودية ما هي إلا مدخل للحصول على الأموال دون النظر إلى العوامل الإنسانية. ما يعانيه المهاجرون خلال وجودهم على الأراضي الليبية، كان بمثابة ارتكاب جرائم بحق الإنسانية، حيث يتم أخذهم إلى معازل، واحتجازهم، وسلبهم كل ما يملكون، وتجويعهم بحيث لا يتلقون أكثر من وجبة واحدة كل 24 ساعة. لم تقف الأمور عند ذلك الحد، حيث وصلت أساليب التعذيب إلى الضرب والإهانة وحتى الانتهاكات الجنسية، وهو الأمر الذي قد يزيد من الأمر تعقيدًا، وقد يدفع المجتمع الدولي إلى التدخل من أجل إنهاء استغلال المهاجرين. وما زاد من مأساوية الأزمة هو أن عددا من المسؤولين الليبيين متورطون مع عصابات التهريب المتمثلة في الميليشيات المتناحرة خاصة في الجنوب، وذلك من أجل الحصول على الأموال، ناهيك بأن ليبيا اليوم تحولت إلى سوق للاتجار بالبشر. الأزمة التي تعاني منها البلد الإفريقي العربي، أصبحت مثار اهتمام العالم أجمع، ودفعت القادة والمنظمات الحقوقية إلى البحث عن طرق لإجلاء المهاجرين من الأراضي الليبية وإعادة توطينهم في مناطق ترقى إلى الإنسانية. وفي هذا الصدد، أعلن العالم النفير العام، وقرر زعماء أوروبا، إضافة إلى الأممالمتحدة، إلى إجراء عمليات إجلاء طارئة للمهاجرين الذين يشكلون ضحايا لعمليات الاتجار بالبشر، مع تقديم دعم أكبر للمنظمة الدولية للهجرة من أجل المساعدة في عودة الأفارقة الراغبين بالرجوع إلى بلدهم الأم، وفقًا للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ليس هذا فحسب، بل قررت تلك الدول العمل على تفكيك شبكات التهريب وتجميد حسابات المهربين الذين يتم التعرف إليهم، على أن يشكل الاتحاد الإفريقي لجنة للتحقيق. الخطوة التي انتهجتها الدول الأوروبية والمنظمات الحقوقية كانت بداية لانتشال المهاجرين من أتون الحرب والاستعباد في الأراضي الليبية، حيث عكفت المنظمة الدولية للهجرة على وضع برنامج العودة الإنسانية والطوعية، لتوفير الحماية للمهاجرين واللاجئين. البداية كانت مع مساعدة المنظمة لما يقرب من 15 ألف مهاجر للعودة إلى ديارهم من ليبيا، في حين قامت مفوضية الأممالمتحدة السامية لشؤون اللاجئين بإجلاء أكثر من 1300 لاجئ وإعادتهم إلى دول الاتحاد الإفريقي، خاصة بعد الدعم المادي الذي وفرته دول الاتحاد الأوروبي لتسهيل مهام المنظمات. التدابير التي سارت على نهجها المنظمات الدولية كانت سببًا في إعادة دمج المهاجرين في بلدانهم الأصلية، إضافة إلى تحسين المساعدات المقدمة إليهم. المثير هنا أن أعضاء من القبائل في جنوب ليبيا متورطون في عمليات التهريب والاستعباد، نظرا لسيطرة ميليشيات دول الساحل الإفريقي على المنطقة الحدودية، في ظل غياب السلطة الحاكمة. هذا ما دفع قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر إلى إطلاق عملية "فرض القانون" في مسعى لبسط النفوذ والتحكم في المناطق الحدودية وإزالة المخاوف بشأن تمدد الإرهاب إلى الأراضي المجاورة والقضاء على ميليشيات التهريب. يمكننا القول إن الخطوة التي اتخذها المشير حفتر، من الممكن أن تحد من أزمة المهاجرين واستعبادهم، وقد يكون مؤشرًا قويًا على إنهاء الفوضى في البلد الممزق، وبث الطمأنينة في نفوس الدول الأوروبية التي تدعو عبر أبواقها الإعلامية والدبلوماسية إلى إنهاء عمليات التهريب. بالبحث عن أعداد المهاجرين الأفارقة الذين وصلوا إلى ليبيا من أجل التنقل إلى الاتحاد الأوروبي، نجد أنهم بلغوا نحو 24 ألف مهاجر، وأن 15% فقط من بينهم يسعون إلى الانتقال إلى أوروبا، معظمهم من إريتريا والصومال وسوريا، بينما غالبية المهاجرين جاؤوا من أجل تحسين ظروفهم المعيشية لاعتبار أنها بلد نفطي، حسب المنظمة العالمية للهجرة. وأخيرًا وليس آخرا، يجب التعامل بشكل أكثر وضوحًا مع الحقيقة التي تعيشها ليبيا الآن، وأنها أصبحت سوقًا للاتجار بالبشر، ومن الضروري إنهاء الأزمة وإعادة المجتمع الليبي إلى التلاحم مجددًا.