جاء زائر من كوكب بعيد، وحطت مركبته الفضائية فى منطقة ما من العالم الإسلامى، فخرج منها وقضى بين أهل المكان أسبوعا يدرس ويتمعن، لفت انتباهه أن النساء والفتيات يغطين شعورهن حتى ظن فى البداية أن غطاء الشعر جزء من أجسادهن، ثم لاحظ أن الناس يناقشون ما يسمى «الحجاب» فى كل مكان وأوان، حجاب المرأة، حجاب الطفلة، حجاب الفنانات، حجاب المذيعات، الحجاب وأوروبا، هل ينبغى فرض الحجاب بالقانون؟ على المسلمات فحسب بل على المسيحيات كذلك؟ ما عقوبة من لا ترتدى الحجاب فى تلك الحالة؟ هل الضرب بالعصا أم الغرامة أم السجن؟ ونظر الكائن الفضائى حوله على الجدران فقرأ «الحجاب أختى المسلمة»، «الحجاب قبل الحساب»، ثم حصل على بعض الكتب فوجد عناوين مثل «إلا حجابى»، «قصة فتاة استهزأت بالحجاب»، «لماذا أرتدى الحجاب؟»، واطلع على مذكرات بعض النساء المشهورات فوجد منهن من تصف آلامها النفسية أياما وليالى طويلة وهى تفكر فى مسألة الحجاب، فهى لا تريد أن تكسب الدنيا وتخسر الآخرة، وقرأ مقالات صحفية تربط بين الحجاب والحماية من التحرش الجنسى، وأخرى تحاول إثبات أن لا علاقة بين الاثنين. وفى النهاية، قال الزائر الفضائى لنفسه: «مابدّهاش بقى». واستوقف رجلا من الأرضيين وسأله: ما هو الحجاب؟ أشار الرجل إلى بعض الفتيات فى الطريق وإلى ما يغطين به رؤوسهن وقال: هذا هو الحجاب. لكن الرجل الفضائى لم يصدق أن تلك القطعة القماشية هى التى تسيطر على تفكير ملايين الناس إلى هذه الدرجة، إلى حد يكاد يشغلهم عن القضايا الكبرى من إحقاق الحق والعدل إلى رفع الظلم أو حتى رفع القمامة. وعندما عاد الزائر إلى كوكبه، سألوه: كيف وجدت الإسلام؟ فأجابهم: إنه يتكون من شىء أساسى اسمه الحجاب، وبعض الأمور الأخرى الأقل أهمية. لا شك أن ذلك الزائر مخطئ فى تلك الإجابة، فلو أنه درس الإسلام لأدرك أن أساس الإيمان به نطق الشهادتين وليس ارتداء زى معين، وأن عقيدة المسلم ترتكز على الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، ولا دور للملابس هنا، ولو تمعن الزائر لعرف أن أركان الإسلام خمسة يحفظها كل مسلم، وهى: الشهادتان، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا. وكما هو واضح، فليس الحجاب ولا الجلباب جزءا من «أركان» الإسلام، ولو أراد الزائر الغريب دراسة الأمر بطريقة أخرى، فدرس مثلا «الكبائر» فى العقيدة، لوجد أن أكبرها الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس التى حرم الله، والزنى، وقصف المحصنات الغافلات، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولّى يوم الزحف.. أمور مروعة لكنها لا تشتمل على «عدم ارتداء الحجاب»، ربما كان ذلك من «الصغائر» مثلا؟ لكن الصغائر منها الغيبة أو النميمة والكذب وصولا إلى إخراج الزكاة من شر المال «المشكوك فى مصدره»، ويتشدد البعض فيرفعون بعض الصغائر إلى مستوى الكبائر، لكن ما يجمع الصغائر بالكبائر شيئان: الأول أنها جميعا قابلة للمغفرة شرط التوبة، والثانى أنها -كما لاحظت مجددا- لا تتعلق بالحجاب ولا بأى ملابس. وإذا كان ذلك هو حال الصغائر والكبائر، فهو بطبيعة الحال حال «الحدود الشرعية»، فثمة حد للزنى وحد لشارب الخمر، وحد للقتل وآخر للسرقة، ويضيف البعض حدودا أخرى، لكن لم يذكر أحد «حد خلع الحجاب». ليس هذا المقال بطبيعة الحال نقاشا فقهيا عن الحجاب ولذلك لم أتناول ما يسمى «آيات الحجاب» وهى آيات لم تذكر فيها كلمة حجاب أبدا، فقط أشير إلى أن ما نسميه اليوم الحجاب حتى لو كان من الدين وليس عادة فإنه لا يتمتع فى الدين نفسه بكل هذه الأهمية التى نمنحها له، فلا هو من ركائز العقيدة ولا من أركان الإسلام، وعدم ارتدائه ليس من الكبائر ولا يستوجب تطبيق حد من الحدود. لذلك لم يكن غريبا أن يفاجأ الكثيرون بالصور التى نشرتها الصحف قبل أيام لعائلتى الشيخين مصطفى إسماعيل وأبوالعينين شعيشع، وقد بدت زوجتاهما وبناتهما غير محجبات. لكن ذلك كان قبل أن يعتنق المصريون الوهابية بديلا عن إسلامهم الذى آمنوا به ألفا وأربعمئة سنة. مسكين زائرنا الغريب فقد خدعناه بانشغالنا بالمظاهر، وعكسنا صورة لا يستحقها الإسلام الذى يدعو للحشمة بصفة عامة، والحشمة مفهوم أوسع بكثير من الملابس، يكمن الاحتشام فى الأمور غير النسبية مثل الأدب والحياء واحترام الآخرين، وهى صفات لا تتغير مع الزمن كما تفعل الملابس، أما من يلحون على مسألة الحجاب كأنها الفيصل بين الإيمان والكفر، فهم يسعون للسيطرة على المرأة لا أكثر، وإلا لوضعوا بجوار كل لافتة من نوع «الحجاب يا أختاه»، لافتة أخرى تطالب الرجال بغض البصر، أو على الأقل الامتناع عن التحرش، وذلك حقا ما يستحق الحساب!