- المناورات البحرية المصرية السودانية توقفت بعد محاولة اغتيال مبارك - القيادات السودانية البحرية تدربت في الإسكندرية.. وساهمنا بالحروب المصرية - إسرائيل تدعم المعارضة السودانية.. وتشكل خطورة بالبحر الأحمر - القرصنة صناعة غربية.. واستخدمتها بعض الدول ذريعة للتواجد بباب المندب - معظم المساعدات الإيرانية تأتي تهريبًا.. والصين تتواجد عسكريًا في جيبوتي - دول أوروبية تحاول دفن نفايات نووية بالبحر الأحمر ترنو بعينيك للبحر الأحمر والسواحل الممتدة عليه، لتدرك كيف يشكل هذا البحر الشريان الرئيسي لمصر، من بوابته الجنوبية عند باب المندب وحتى قناة السويس، بجزره وضيق مسافاته، وخاصة الجزء السوداني المتاخم للحدود المصرية.. عيون مبتسمة وطابع بسيط وتواضع قد تنسى معه أنك تجلس مع لواء كان يقود أحد أهم الأساطيل البحرية بالبحر الأحمر، هكذا يستقبلك اللواء دكتور الصادق عبد الله قائد القطاع البحري السابق بالجيش السوداني، في أثناء زيارته القاهرة، ليكشف ل"التحرير" الكثير من الأسرار المسكوت عنها، خاصة بعد التطورات الإقليمية من مضيق باب المندب وحتى قناة السويس، ويجيب عن الكثير من الأسئلة الممنوعة، فإلى نص الحوار: - كيف تسير العلاقات بين الأسطولين المصري والسوداني؟ الأسطول المصري ضارب في التاريح لعصر حتشبسوت، وهو أسطول له تجارب وخبرات، وأسطول عريق، وإغراق المدمرة إيلات درسناه في الأكاديمية الملكية الإنجليزية، ومعظم القوات السودانية البحرية درست وتدربت في الكلية البحرية المصرية بالإسكندرية، فالمصريون لم يبخلوا عنا بالعلم، وعلّموا جنودنا وضباطنا في معاهدهم، والكثير من القيادات البحرية السودانية خريجة المعاهد المصرية، ولكن التنسيق العسكري بين الأسطولين المصري والسوداني يقتصر على المستويات العليا في كلا الجيشين، ونتمنى زيادته. والمناورات البحرية المصرية السودانية استمرت إلى ما قبل محاولة اغتيال الرئيس السابق حسني مبارك، والمقاتلون السودانيون ساهموا في الحروب المصرية منذ حرب 1948، فعلى سبيل المثال كان "زاهر سنو العلماء" كان من أشرس المقاتلين السودانيين وأُسر في حرب 1948، وحتى عندما قدّم الإسرائيليون له الماء، كان يقول لهم إن هناك مقاتلين سودانيين أحق به مني، وكان ميناء بورسودان محطة للبحرية المصرية في أثناء الحروب بين مصر وإسرائيل، وشاركنا بأفراد بل وكان جزءًا كبيرًا من الجيش المصري في السودان. - إلى أي مدى تشكل القوة البحرية الإسرائيلية خطرًا على السودان؟ التقنيات الحديثة تمكن الأسطول الإسرائيلي من استهداف الساحل السوداني بكل سهولة، الذي يشكل خطرًا على كل الدول العربية، لأن الصراع العربي الإسرائيلي صراع وجود وليس صراع حدود، فحدود إسرائيل من النيل للفرات. وتلقينا ضربات عسكرية إسرائيلية مباشرة أكثر من مرة من على بعد 2000 كيلومتر بالبحر الأحمر، مرة باستهداف زوارق صيد وأخرى أسطول سيارات على الساحل، والضربة الأخيرة باستهداف مصنع اليرموك العسكري، فإسرائيل تمتلك منفذ إيلات، وجزر دهلك الإريترية بها قاعدة عسكرية إسرائيلية وتستخدمها في رصد حركة المرور بالبحر الأحمر. وإسرائيل انتهكت القانون الدولي الذي يقر بعدم شن دولة حربا تجاه أخرى إلا بإذن، وهناك منظمات دولية احتجت على ضرب الولاياتالمتحدة لمصنع الإشفاء السوداني في 1998، وذلك لأنها لم تكن على خلاف مع السودان، ولم تخطرها بالضربة، فهذا يعتبر خرقا لقواعد القانون الدولي. - لماذا تعتبر قاعدة دهلك البحرية خطرًا إسرائيليا بالبحر الأحمر؟ الوجود الإسرائيلي في جزيرة دهلك وجود قديم منذ عصر الإمبراطور هيلاسيلاسي لأنه كان يعتبر نفسه خليفة بلقيس اليمنية، فمصر أعاقت الملاحة في قناة السويس خلال حرب 1973، والقاعدة يمكن أن تعيق الملاحة في القناة، ولكن هذا يحتاج أسبابا لشن الحرب. وتعتبر الجزير وحدة تجسس على السفن وعلى الدول العربية نفسها حيث أن دهلك قريبة من مضيق باب المندب، ولا ننسى الدعم الإسرائيلي لإريتريا لاحتلال جزر حنيش اليمنية، فلولا الدعم الإسرائيلي لما تجرأت إريتريا على ذلك. - كيف ترى تكافؤ القوى البحرية بين إسرائيل والدول العربية في البحر الأحمر؟ تعادل القوى داخل البحر الأحمر كفته راجحة للدول والأساطيل العربية عن إسرائيل، ولكن الدول العربية تحتاج لتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك فيما بينها، فعندما كنت أدرس في الأكاديمية البحرية البريطانية كان هناك تدريبات دورية مع حلف الناتو مرتين في العام تقوي جانب البحرية البريطانية، مما تجعل قوتها العسكرية في حالة جاهزية دائما. - هناك اتهامات من المعارضة بتقصير البحرية السودانية في صد الهجمات الإسرائيلية.. ما تعليقك؟ أرد بكلمة واحدة وهي أن سواحلنا مؤمنة، ومحمية بقوات جوية وقوات برية، وإسرائيل استخدمت طائرات في هجومها على السواحل السودانية، ولم ندخل في حرب مباشرة، لأنهم كانوا يركزون على الضربات الجوية، التي تعد أقل الخيارات ضررا لإسرائيل. وأشرفت على مؤتمر في الخرطوم عام 2006، بعنوان «سواحل آمنة وحل شامل» فالسواحل السودانية آمنة ومحمية بقوات عسكرية. - كيف يمكن احتواء الخطر الإسرائيلي بالبحر الأحمر؟ أنصح الدول العربية بأن يكون درجة التنسيق أكبر بينها، خاصة المطلة على البحر الأحمر، فلماذا لا يتم احتواء دولة إريتريا ومحاولة كسبها لصف الدول العربية؟ فهي دولة بها نسبة كبيرة من العرب وحدثت مساعدات عربية ضخمة لها في ثورتها التحررية، وتكون الخطط والسيناريوهات أشمل لكل المخاطر بالبحر، وتكون هناك زيارات بين الدول العربية وبين الأساطيل العربية، فإريتريا خارج حسابات الاتفاقات العربية بالبحر الأحمر. وأشرفت على مؤتمر عن البيئة البحرية في بورسودان، ووقتها قدمت ورقة عن حقوق وواجبات الدولة الساحلية، وأوصيت خلالها بضم إريتريا إلى الهيئة الإقليمية للحفاظ على البحر الأحمر. - هل بالفعل هناك نية سودانية للتطبيع مع إسرائيل؟ كان هناك جالية يهودية كبيرة في السودان، وبعد مقاطعة 1967 هاجروا إلى إسرائيل، وكان لديهم كنيس بالخرطوم، وتوجد أصوات سودانية دعت لتطبيع العلاقات، وهي أصوات لبعض النافذين، ولكن الغالبية في النظام السوداني يؤيدون المقاطعة. - السودان يتهم إسرائيل بدعم القوى المعارضة لنظام الرئيس عمر البشير.. ما الدليل على ذلك؟ «تل أبيب» لديها سياسة للدول المحيطة بدول الطوق، نفذتها في العراق مع الأكراد، وفي السودان دعمت المعارضين بسياسة عدو عدوي صديقي، فحركة جيش تحرير السودان جبهة عبدالواحد محمد نور لها مكتب في إسرائيل، لأن إسرائيل تعمل بنظرية «شد الأطراف»، ووصلت لسياسة «بتر الأطراف» مثل عملية فصل جنوب السودان. ومعظم الخدمات والفنادق بجنوب السودان إسرائيلية، إذا عقدت تل أبيب تحالفات مع دول ساحلية مثل كينيا وتنزانيا، وعلى البحر الأحمر إريتريا، لتصبح قوة بحرية بعد أن قطعت الدول الإفريقية علاقاتها مع إسرائيل في عام 1967، لكن الدول العربية تنظر لأوروبا وأهملت إفريقيا، باستثناء دور الأزهر مع الدول الإفريقية. - هل تشكل الجزر العربية في البحر الأحمر عمقًا استراتيجيًا أم قنابل موقوتة؟ الجزر العربية كثيرة في البحر الأحمر، والمفترض أن نطور هذه الجزر، ونسكّن فيها مواطنين لأن البحار أصبحت مكانًا للتنازع، فمعظم المشاكل الحدودية البحرية تنشب بين الدول على الجزر، لأنها تعتبر مناطق مهجورة، فحدود الصين البحرية أصبحت تبع ماليزيا واليابان والفلبين، والجزر التي يعيش عليها أناس في البحر الأحمر قليلة، وهناك جزر صالحة للمعيشة عليها، مثلًا في السودان جزر مثل التلاتلا وجزيرة ابن عباس وجزيرة الريح، التي كان فيها سكن منذ 100 سنة، وبها آبار، ومهما يكن من أهمية الأجهزة والمعدات العسكرية فلا بد من تواجد بشري داخل الجزر، فأعتى مخابرات العالم لا تنفك من الافتخار بأن لها عناصر بشرية في القواعد البحرية والجزر. - وما خطورة التهديد الإيراني في البحر الأحمر؟ إيران اعترفت بأنها أخضعت 4 عواصم عربية لها وهي لبنان وسوريا والعراق واليمن، والوجود الإيراني كان قويا بالسودان، وكان هناك زيارات للسفن الإيرانية للسواحل السودانية، وحاليًا لديهم وجود قوي باليمن، ولكن لم يكن أيام قيادتي للقطاع البحري شيء ملموس يدل على أن السيناريو سيصل لذلك التدهور الحادث في اليمن، وكانت علاقتهم ونشر المذهب الشيعي خاصة في غرب أفريقيا والسودان، فلا تزال هناك حسينيات، ولا أعتقد وجود احتكاك بين الأساطيل العربية وإيران، ومعظم المساعدات الإيرانية تأتي تهريبًا، وأحمدى نجاد كان موجودًا بإريتريا . - كيف تقيم معركة تحرير «عقيق» من إريتريا؟ وما ذكرياتك معها؟ تحرير ساحل عقيق من القوات الإريترية من العمليات المشتركة بين أجهزة الجيش السوداني الجوية والبحرية والبرية، واشتركت في تلك العملية، وحاولت إريتريا أن تلصق احتلال الساحل للمعارضة السودانية، ولكنها كانت بقوات كاملة من الإريتريين. وصُدمنا بمحاولة إريتريا احتلال جزء من السودان، رغم أن لنا أيادي بيضاء كثيرة عليها وهي دولة جارة وصديقة، ولكن الله حمى السودان واستطعنا أن نحرر الأرض، ولكن معظم تفاصيل المعركة لم تخرج للنور بعد، وهناك لواء ألّف كتابا سماه "صيف العبور"، ولكن لم يسمح بنشره حتى الآن. وكل من تراجي وحاتم السر ومريم الصادق -وجوه المعارضة السودانية- كانوا موجودين بإريتريا، ولا تزال آثار الدبابات الإريترية موجودة في جبال الساحل، والمعركة يمكن بعد ذلك أن تدرّس، لأنها كشفت الدعم الإسرائيلي لإريتريا، ورغم ذلك نجحت القوات السودانية في دحرها في ساعات، والجنود السودانيون كانت كفاءتهم الفتالية عالية، فالجيش السوداني هو من أعاد هيلا سيلاسي لحكمه في إثيوبيا. - هل قدمتم مساعدات بحرية للثورة الإريترية؟ في 1985 كنت قائد محطة عقيق البحرية، فكانت البحرية الإريترية عبارة عن 3 قطع، وموجودة تحت الحماية السودانية، وحماية قواتي، وكان لي تواصل مع نواب الرئيس الحالي أسياسي أفورقي، وهم لديهم كوادر مدربة في الجيش والبحرية الإثيوبية، ولذلك نجحنا في دحرهم بسهولة. - ومتى تنتهي عمليات التهريب بالسواحل السودانية؟ أكثر العمليات تهريب البشر من السودان إلى السعودية، وتولت القوات البحرية وظائف جانبية مثل البيئة ومكافحة التلوث والتهريب، لأنه لا يوجد بالسودان خفر سواحل، ومن أبرز ما يتم تهريبه حيوانات وإبل وماشية وزيوت نباتية خاصة إلى السعودية، وتهريب البشر كان وجهته الرئيسية إلى السعودية، ولا يزال مستمرًا، ولكن عمليات التهريب إلى مصر وإسرائيل تتم عن طريق البر. - هل توجد عمليات قرصنة حاليا بالبحر الأحمر؟ وما كواليس عمليات القرصنة الصومالية؟ لا توجد قرصنة في البحر الأحمر، وإنما في خليج عدن، ولكن فيه عام 1990 كانت بعض السفن السودانية تتعرض للتفتيش من القوات السودانية، لأنه كان يشتبه أنها يمكن أن ترسل مساعدات للعراق. وفي عام 2009 كنا في دورة الدفاع الوطني ببنجلاديش، وألقى قائد القوات البحرية البريطانية محاضرة خلالها وسألته سؤالا بلباقة عن سبب عدم إشراك السودان في قوة مكافحة القرصنة، وأجاب قائلا "تعالوا"، ولكن من المفترض أن تدعى في التأسيس، وهناك أدلة على أن القرصنة صناعة غربية إذ عندما يتم إلقاء القبض على القراصنة يحاكمون في كينيا، فأحد زملائنا وجد شخصا غربيا في صفوف القراصنة وطلب عدة آلاف من الدولارات لعدم مداهمة القراصنة للسفينة، كما أن الفدية تدفع ببروكسل، وكانت القرصنة منظمة عالميا بين بروكسل وعدنوكينيا، فالدول الغربية استفادت من القرصنة بأن يختلقوا أسبابا لوجودهم داخل البحر الأحمر، فلولا تلك العملية لما كان هناك وجود عسكري لدول مثل إنجلترا وفرنسا داخل البحر الأحمر، وحتى الصين تواجدت في البحر الأحمر بفضل ما يسمى عمليات القرصنة. - هل تحاول الصين التواجد عسكريا في البحر الأحمر؟ الجيش الصيني كان رافضًا إنشاء حاملة طائرات صينية، حتى لا تتهمها دول الجوار بأن لديها أطماعا توسعية، ولكن الصينيين يقولون إن البحّار الصيني "ليو" طاف حول باب المندب، في نفس وقت الملاح البرتغالي "فاسكودتا جاما"، وتتواجد قوات عسكرية صينية في جيبوتي حاليا، ولكنها لا تتدخل في الشئون الداخلية للدول. - كيف كانت العلاقات بين الجيش السوداني والولاياتالمتحدة قبل رفع العقوبات عن الخرطوم؟ الولاياتالمتحدة كانت فارضة علينا عقوبات اقتصادية وسياسية، ولكن على الصعيد العسكري لم يكن واردًا الصدام العسكري، بل بعض عسكريينا ومنهم أنا أخذنا دورات عسكرية بالولاياتالمتحدة لمدة عامين، وذلك قبل عملية رفع العقوبات. - هل بالفعل هناك محاولات لدفن نفايات نووية بالبحر الأحمر؟ هناك سفن غربية حاولت إلقاء نفايات نووية بالبحر الأحمر، وهناك دول لا تزال تفعل ذلك، ويمتلك الأسطول السوداني أجهزة حديثة لرصد ذلك، وتعتبر عملية وقف النفايات هي مهام ثانوية لقواتنا، وفي إحدى المرات لجأت سفينة يونانية تسمى "متنساس" إلى الساحل السوداني بعد ادعائها وجود مشكلة تقنية بها، واشتبه الجنود في أمرها واكتشفوا أنها تحاول دفن نفايات نووية، وهناك دول أوروبية تحاول أن تبحث عن أماكن لدفن نفاياتها في البحر الأحمر.