في أحد أركان «المعدّية الحديدية» يجلس محمد ياسر الرجل الأربعيني، يدخن السجائر، شارد الذهن، وبجواره زوجته وإناء معدني مليئ بالسمك، ينظر إلى منازل جزيرة الوراق وهو في طريقه لعمله في البر الآخر، حيث يعمل بائع أسماك متجول. كان محمد مثل غيره من سكان الجزيرة، غارق تفكير لا ينقطع حول المستقبل الغامض، منتظرا تحديد مصائرهم في معركة الوجود بالجزيرة أو الترحيل عنها. ألقى سيجارته وقال "ممكن الإنسان يموت عشان الأربع حيطان اللي ساترينه، هو عياله، لكن بعد ما تموت، يا ترى عيالك هيروحوا فين؟" بيع المحميات كشفت الدكتورة شيرين فراج، النائبة المُعينة بمجلس النواب وعضو لجنة الطاقة والبيئة، وجود مُخطط واضح لإهدار وبيع أجزاء من المحميات الطبيعية، وقطعاً جزيرة الوراق من ضمنهم، موضحة أن استقطاع سبعة عشر جزيرة من قائمة المحميات الطبيعية يعزز ويؤكد ذلك، والمدقق في الجزر التي تم استبعادها يجد أنها تتمتع بمواقع جغرافية مميزة، ومن المنتظر أن تُدر أموالاً طائلة لخزينة لدولة. وأكدت فراج ل«التحرير» أن التوجه الموجود منذ فترة هو ترك التعديات على المحميات الطبيعية، لمنح مبرر لخروجها من قائمة المحميات، للاستثمار فيها وبيع أجزاء منها، مشيرة إلى أن المحمية يجب أن تُحمى، لا أن يتم التجارة بها، متسائلة: "هل التاريخ حمى المحميات لأكثر من 36 مليون سنة كي نتاجر نحن بها؟". وترى النائبة الحاصلة على دكتوراة في الهندسة البيئية، أن ما يحدث الآن من إهدار للمحميات الطبيعية هو بحث عن مصالح شخصية ضيقة، موضحة أن العالم يراقب ما يحدث في مصر تجاه المحميات الطبيعية، وهو ما انعكس على انخفاض قيمة المنح والمعونات الدولية في العام الجاري عن العام الماضي. وكان رئيس مجلس الوزراء، أصدر في 15 يونيو الماضي، قراراً باستبعاد 17 جزيرة من قائمة المحميات الطبيعية تضمن قائمة من الجزر، هى: "الوراق، وردان الكبرى، وردان الصغرى، القيراطيين، أبو غالب، أبو عوض، أم دينار، الدهب، القرصاية، كفر بركات، الرقة، حلوان البلد، الشوبك البحرية، العياط، كفر الرفاعى، الديسمى والكريمات". التصميمات الجديدة «أنهينا التصميمات الهندسية للجزيرة، بناءاً على طلب أحد عملائنا، ولم يعد لها علاقة بالمشروع» هذا ما قاله رانجان رادها كريشنان، المسؤول عن التسويق في شركة «أر إس بي» الهندسية والتي تمتلك فروعا في دبي وعدة عواصم أخرى، التي نشرت على موقعها الإلكتروني بعض الصور لما وصفته «بتصميم مقترح» لتطوير جزيرة الوراق، رافضاً إيضاح أي تفاصيل عن هوية العميل أو جنسيته، حسب حديثه ل«بي بي سي». ويضم التصميم الذي وضعته الشركة مبان وهيئات تجارية، وجامعة، ومباني سكنية، وحدائق عامة، مع تطوير البنية التحتية وتوفير المواصلات العامة، وميادين متطورة 4 جسور تربط الجزيرة بالبرين الشرقي والغربي. تطوير العشوائيات المهندس خالد صديق، المدير التنفيذى لصندوق تطوير العشوائيات التابع لوزارة الإسكان، أكد أن الحكومة لم تطلب من الصندوق بدء التفاوض مع أهالي الجزيرة، ولا يوجد حتى الآن أي دور للصندوق، موضحاً أن "جزيرة الوراق" غير مصنفة أنها عشوائيات غير آمنة، وغالبية الجزر النيلية ضمن المحميات الطبيعية، لذلك لم نتدخل. وأضاف صديق ل «التحرير»، إذا طلبت الدولة من الصندوق بالتدخل لحل الأزمة، سيكون لنا مجموعة من الحلول والبدائل سنطرحها أمام السكان المتضررين، أولها حصر المنازل المخالفة، ثم ننقول للسكان "ابحثوا عن سكن ونحن متكفلين بالقيمة الإيجارية، حتى انتهاء الأزمة". وعرض المدير التنفيذى لصندوق تطوير العشوائيات، قائلا: كان لنا تجربة مُرضية للغاية بملف خروج مستأجري وأهالي منطقة مثلث ماسبيرو، من خلال 5 بدائل تم وضعها أمام السكان لاختيار أحدها. وكانت البدائل هي: 1- التعويض بوحدة بنظام الإيجار في المنطقة، إذا كانت مساحة الوحدة 60 مترا فالإيجار يكون 500 جنيه، وإذا كانت 75 مترا فالقيمة الإيجارية هي 1125 جنيها. 2- التعويض بوحدة بنظام الإيجار التمليكي في المنطقة مع حظر البيع، إذا كانت مساحة الوحدة 60 مترا فالقسط الشهري يكون 950 جنيهاً، وإذا كانت 75 مترا فالقسط الشهري 1400 جنيه، والإثنان لمدة 30 عاماً. 3- التعويض بوحدة تمليك في المنطقة، ويكون القسط الشهري للوحدة بمساحة 60 مترا هو 2200 جنيه، ومساحة 75 مترا يكون قسطها الشهري 3000 جنيه، لمدة 30 عاماً. 4- الحصول على وحدة سكنية بمشروع الأسمرات 65 مترا، بالإضافة إلى 16 ألف جنيه. 5- التعويض المادي، عبر دفع 60 ألف جنيه تعويض عن كل غرفة بالمنزل و40 ألف مشقة الانتقال وتجهيز وحدة سكنية جديدة. سنعطيهم سكنا وفي السياق ذاته، قال هاني يونس المتحدث باسم وزارة الإسكان، إنه في حالة طلب سكان جزيرة الوراق الذين لديهم عقود ملكية وأوراق رسمية سليمة الانتقال للمدن الجديدة، سنوفر لهم وحدات سكنية بشكل عاجل وفوري. ومن جهة أخرى، أعلن ائتلاف دعم مصر، تشكيل لجنة لمتابعة أزمة إزالة التعديات بجزيرة الوراق، من خلال التواصل مع كافة الجهات التنفيذية والأجهزة الأمنية، فضلًا عن التواصل مع عددٍ من القيادات الشعبية بالجزيرة. وقال الائتلاف في بيان أمس الأول، إنّه يسعى لحل هذه المشكلة في ضوء سيادة القانون واحترامه، من خلال تقنين وضع كل من لديه مستندات قانونية تثبت صحة موقفه، وكذلك العمل على عدم الإضرار بالأسر البسيطة التي تعيش بالجزيرة. تجميد الإزالات وفي محافظة الجيزة، قال مصدر مطلع على الملف، إنه تقرر تجميد حملات الإزالة للمخالفات الموجودة على جزيرة الوراق، بشكل مؤقت، موضحاً أنه تم الإرجاء حتى هدوء الأوضاع، مشيراً إلى أنه لن يتم إخلاء المواطنين من أماكنهم على الرغم من وجود قرارات إزالة لهم. ومن جانبه، قال النائب أحمد يوسف عبد الدايم، عضو مجلس النواب بدائرة الوراق وأوسيم، إنه تواصل مع مدير الأمن ومحافظ الجيزة، بشأن الاشتباكات التي اندلعت بين الأهالي وبين قوات الأمن التي تقوم بتنفيذ قرارت الإزالة في جزيرة الوراق (بين البحرين)، لافتاً إلى أن قوات الأمن في ضوء ذلك قامت بإلغاء عملية الإزالة. وأضاف النائب أنه تقدم بطلب إحاطة إلى المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، في وقت سابق، بشأن إرجاء تنفيذ عملية الإزالة، التي كانت ستجري خلال شهررمضان، وإجراء دراسة لبحث الحالات المتواجدة على الجزيرة لتحديد من يستحق قرار الإزالة، إلا أنه فوجئ أن قوات الأمن بدأت في تنفيذ قرار الإزالة، ما أدى إلى تذمر الأهالي ووقوع اشتباكات أدت إلى مقتل مواطن بالجزيرة. وأشار إلى أنه تم إرجاء عملية الإزالة إلى أجل غير مسمى لحين إجراء عملية فحص ودراسة للحالات المتواجدة في الجزيرة المذكورة، مطالبًا بضرورة توفير بدائل للمواطنين «المخالفين»، وإعطائهم مهلة لا تقل عن 6 أشهر يخلون فيها منازلهم.