صندوق تطوير العشوائيات: ثمن الشقة نص مليون جنيه واللى مش قادر يروح الأسمرات أو يأخذ تعويضًا تخيير الأهالى بين دفع إيجار أو أقساط للوحدات الجديدة من 1000 إلى2850 جنيهاً أو الرحيل إلى الأسمرات الحاجة زكية: معاش جوزى 1100 جنيه وعايزنى أخرج من بيتى وأدفع إيجار 750 جنيهًا حارات ضيقة وملتوية أشبه بالثعابين، منازل عفا عليها الزمن، قد تسقط فى لحظة فوق رؤوس سكانها، الذين يعيشون فيها أحياء كالأموات، فيما غضت الحكومات المتوالية الطرف عن تلك المناطق، وتأتى على رأس تلك المناطق، منطقة «مثلث ماسبيرو»، والتى تقع على مساحة 3 كيلو مترات مربعة، وتمتد من شارع 26يوليو إلى شارع الجلاء، ومنطقة «رملة بولاق» والتى تبلغ مساحتها نحو 5 أفدنة، اللتان يتبعان «حى بولاق»، ورغم أن المنطقتين يقطنهما أكثر من 25 ألف نسمة، ما يعادل نحو 4 آلاف و600 أسرة مصرية، ونتيجة إهمال الحكومة لسنوات عدة، عانى الأهالى كثيرًا، ورغم ذلك فإن الحكومة تسعى لتهجيرهم من منازلهم، إرضاءً لرجال الأعمال والمستثمرين، الذين يريدون أراضى المنطقة لإقامة مشروعات ضخمة تخدم الاقتصاد الوطنى، لكنها فى الحقيقة لا تخدم سوى مصالحهم. فيما رصدت «الصباح» معاناة أهالى المنطقتين، واستمعت لشهاداتهم حول ما يعانوه من محاولات لتهجيرهم من بيوتهم، البداية كانت مع شاذلى مرسى، الرجل الخمسينى، أحد سكان المنطقة، يعمل حرفيًا فيها منذ سنوات، والذى تحدث ل«الصباح» قائلاً: «أنا راجل على أد حالى وطول عمرى عايش فى المنطقة ولا أريد الخروج منها»، وأضاف أن عمله وزبائنه كلهم مرتبطين بالمنطقة منذ سنوات طويلة، وإذا تم نقله إلى مكان آخر سيخسر عمله وقوت يومه، ورغم الحالة الصعبة التى يعيشها شاذلى، ونقص الخدمات إلا أنه اعتاد على العيش بالمنطقة، ولا يتخيل أن يكمل حياته فى منطقة أخرى غير بولاق أبو العلا. فيما أكد أحمد يحيى، 29 عامًا، من شباب بولاق، وخريج سياحة وفنادق، يعمل بائعًا متجولًا، أن الحكومة تريد إزالة المنطقة وتسليمها إلى المستثمرين لبناء القصور والمبانى الفخمة لأولاد الذوات، لتحقيق الأرباح دون النظر لأحوال أهالى المنطقة، ولا يعنيهم كثيرًا تشريد آلاف الأسر جراء هذا التهجير. واستطرد يحيى: «إحنا أسرة مكونة من 6 أفراد، يصعب بل يستحيل أن نجد مكانًا يأوينا بنفس التكاليف البسيطة التى نعتمد عليها هنا، نروح فين ونعيش إزاى ؟»، مؤكدًا أن الغالبية العظمى من أهالى المنطقة يريدون البقاء فيها والقليل فقط من يريد الخروج، لأنهم يمتلكون منازل أخرى خارج المنطقة، مضيفًا أن الكثير من السكان يمتلكون ورش ومحلات بالمنطقة، ومصدر رزقهم الأساسى بها وإذا خرجوا منها لن يستطيعوا كسب لقمة العيش. أما الحاجة زكية على، صاحبة ال 70 عامًا قالت باكية بنبرة صوت يمتزج بالحسرة، إنها تعيش فى شقتها المكونة من غرفتين بمفردها، وتعتمد على أهالى المنطقة لقضاء حوائجها نظرًا لكبر سنها وظروف مرضها، موضحة أن كل دخلها هو معاش زوجها الذى لا يتعدى ال 1100 جنيه شهريًا وتدفع إيجارًا للوحدة التى تسكنها 20 جنيهًا شهريًا. وأضافت، أنه طبقًا لنظام الإيجارات الجديدة للوحدات السكنية التى سوف يتم إنشاؤها بالمنطقة بعد إزالة الوحدات القديمة والتى أعلنت عنه الحكومة فسوف تضطر إلى دفع 750 جنيهًا إيجارًا شهريًا لوحدة مكونة من غرفتين أيضًا، ولن يكفى المبلغ المتبقى لها من معاش زوجها احتياجتها، مؤكدة أن معظم أهالى المنطقة خاصة النساء منهم يعيشون نفس معاناتها، فالمنطقة مليئة بالمطلقات والأرامل، ومعاناتهن بالمنطقة كبيرة جدًا. أما الشاب العشرينى، أحمد سعيد، أكد أنه لا يريد ترك المنطقة والسكن فى منطقة أخرى لأن حياته وحياة أسرته ومصدر رزقه مرتبط بحى بولاق أبو العلا ولن يستطيع تركه، موضحًا أن الحكومة قد عرضت عدة مناطق للسكان بدلًا من بولاق، وهى مدينة بدر وحى الأسمرات وأكتوبر ومدينة العبور ومنطقة الواحات، مضيفًا أن أهالى المنطقة لا يوافقون على تركها لإعطائها لمستثمرين لبناء الفنادق والفيلات والمنتجعات السياحية على حسابهم، ويتم نفينا إلى الصحراء. وأكد فرحات محمد، صاحب محل حلاقة ببولاق أبو العلا، أنه يريد قضاء ما بقى من عمره فى المنطقة، خاصة لأن محله الذى يمثل مصدر رزقه وكسب عيشه هو وأفراد أسرته وزبائنه فى المنطقة ويعرفون مكانه منذ سنوات، وإذا تم تهجير السكان وإزالة المنطقة الأثرية التى تحتوى على مبانٍ من العصر الإسلامى، والتى تصد أهلها فى قديم الزمان للحملة الفرنسية، سيتوقف عمله ويخسر كل زبائنه، موضحًا أن معظم أصحاب المحلات المجاورين له يريدون البقاء فى المنطقة مهما كانت ظروفهم المعيشية.
استمارة التهجير وأثناء جولة «الصباح» بالمنطقة علمت أن هناك تجمعًا للأهالى بمكان قريب من أجل إعطائهم استمارات بها تفاصيل الوحدات الجديدة التى سوف يتم إنشاؤها مكان الوحدات القديمة، ذهبنا إلى هناك ووجدنا تجمعًا كبيرًا من أهالى بولاق أبو العلا، يحملون بين أيديهم استمارات بها تفاصيل الوحدات السكنية الجديدة التى من المنتظر إعطائها لأهالى المنطقة. أطلعت «الصباح» على تفاصيل هذه الاستمارات، والتى احتوت على 5 بدائل مطروحة لشاغلى الوحدات السكنية المكونة من غرفة واحدة بالمنطقة، البديل الأول، أن يتم تعويضه بوحدة إيجار بذات المنطقة مساحتها 60 مترًا مربعًا إيجارها شهرى 1000 جنيه، البديل الثانى، أن يحصل على وحدة سكنية بنظام الإيجار التمليكى فى المنطقة مع حظر بيعها على أن يدفع صاحبها مبلغ 1600 جنيه شهريًا لمدة 30 عامًا، والبديل الثالث هو أن يتم تعويض الشخص بوحدة سكنية بنظام التمليك بالمنطقة مقابل دفعة مبلغ 2850 جنيهًا شهريًا لمدة 30 عامًا، أما البديل الرابع هو أن يتم منحه تعويضًا ماديًا يقدر ب 100 ألف جنيه مقابل الوحدة السكنية، والبديل الخامس والأخير فيشمل التعويض بوحدة بنظام الإيجار التمليكى بحى الأسمرات على أن يدفع شهريًا قسط 300 جنيه ولمدة 30 عامًا بزيادة سنوية تقدر ب 5 فى المائة. أما البدائل المطروحة للوحدات السكنية التى تبلغ مساحتها 75 مترًا، فتختلف فى البدائل الثلاثة الأولى فى المبلغ المدفوع مع الوحدات السكنية صاحبة ال 60 مترًا، فالبديل الأول هو نفسه لكن الشخص سيدفع مبلغ 1650 جنيهًا بدلًا من ألف جنيه، والبديل الثانى أيضًا لكن يدفع الشخص مبلغ 2050 جنيهًا بدلًا من 1600 جنيه، والبديل الثالث يدفع المشترى مبلغ 3650 جنيهًا بدلًا من 2850 جنيهًا، أما البديلان الأخيران فهما متطابقان، فيما بلغ التعويض لقاطنى الشقق المكونة من غرفتين 160 ألف جنيه، والوحدة المكونة من 3 غرف 220 ألف جنيه. وأبدى عدد كبير من الأهالى استياءهم من حجم التعويضات، مؤكدين أنها غير عادلة، بالإضافة لأن الحكومة وضعت شروطًا مجحفة بالنسبة للإيجار أو التملك خاصة أن دخل الأسر المكونة من 5 أو 6 أفراد بالمنطقة لا يتعدى حاجز ال 1000 جنيه شهريًا، ما يجعلهم غير قادرين على الوفاء بهذه الشروط ودفع المبالغ المطلوبة.
مستفيدون من التهجير فى الوقت ذاته كان لعاطف عبد العال، الذى يبلغ من العمر 50 عامًا، صاحب منزل ببولاق أبو العلا، رأى آخر، إذ أكد أنه يمتلك ورثًا عن أبيه منزلاً، يدفع سكانه إيجارات قديمة تتراوح بين 4 و5 جنيهات شهريًا فهو غير مستفيد من المنزل على الإطلاق لذا يريد تركه مقابل مبلغ مادى عادل، مؤكدًا أن البدائل المطروحة غير عادلة، وهو ما وافقه عليه عدد ليس بقليل من أهالى المنطقة، خاصة لمن يمتلك منهم عقارات بنظام التمليك، ويسكن لديه أهالى بنظام الإيجار القديم، فتصبح استفادته قليلة للغاية، ويعد التهجير بالنسبة له فرصة كبيرة لتحسين أوضاعه المادية.
من جانبها تحدثت «الصباح» إلى موظفى صندوق تطوير العشوائيات التابع لوزارة الإسكان، والذين يتولون توزيع الاستمارات على الأهالى وتعرفيهم بكل تفاصيل المشروع، وأوضحوا أن المشروع مازال فى مرحلة الاستفتاء لمعرفة رغبات أهالى المنطقة، وسيتم تعويض كل فرد حسب رغبته التى سجلها فى الاستمارات وحسب اختياره ما بين الانتقال لحى الأسمرات أو السكن فى نفس المكان بعد التطوير أو الحصول على تعويض. وأضافوا أن الإيجارات ستكون مرتفعة بعد تطوير المنطقة، لأن ثمن الوحدة سوف يكون نصف مليون جنيه بعد التطوير، وغير القادرين يمكنه الانتقال لحى الأسمرات، مؤكدين أن الإيصالات التى وقع عليها السكان هى إيصالات رغبات ولا تفيد بالاستلام. من جهته قال الدكتور أحمد عادل درويش، نائب صندوق تطوير العشوائيات التابع لوزارة الإسكان: إن مثلث ماسبيرو ملك لأفراد وشركات وليس ملكًا للدولة، لكن الوزارة تحاول إيجاد حلول جذرية للأزمة، وأنها لا تريد تهجير السكان من مثلث ماسبيرو، لكننا نحاول إقناع السكان بأننا على استعداد لبناء وحدات سكنية بديلة لهم وبالقرب من مثلث ماسبيرو، وهذه إحدى بدائل الوزارة لإنهاء هذه الأزمة التى استمرت عدة أعوام.