ما زالت شقق الإسكان الاجتماعي، مطمعًا للسماسرة والمتاجرين الراغبين فى التربح، فكلما حاولت الدولة خلخلة منطقة عشوائية، ونقل سكانها إلى مجتمع عمراني منظم، أو طرح وحدات مدعمة لحل أزمة الإسكان، نجد السماسرة يتفننون فى الحيل لاتخاذ الأمر كتجارة، بعرض شراء الوحدات السكنية من المستحقين لها، ومنحهم مبلغًا ماليًا مقابل الحصول على الشقة بعقد بيع صورى، أو عقد إيجار مماثل، على أن يقوموا بسداد باقى الأقساط المستحقة على الوحدة للبنك، ولأن تلك التجارة ليست خفية على أحد، فكلما ابتدع الساعون لها حيلًا، حاول المشرعون التصدى لذلك بطرق قانونية، ليجد البائع والمشترى نفسيهما عرضة للمخاطر، لأنهما ببساطة تحصلا على مسكن غيرهما ممن يحتاجه فعليًا أولى به. إجراءات اتخذتها الدولة لوقف الاتجار فى وحدات الإسكان الاجتماعى تعد "التوكيلات" من أشهر طرق التحايل لبيع وحدات الإسكان الاجتماعي، إذ يبيع المنتفع شقته بعقد بيع صورى، ويتسلم نظير ذلك، ويحرر توكيل إدارة للمشترى أو السمسار، بما يمكنه من مباشرة كل التعاملات الرسمية على الوحدة بسداد أقساطها والتعامل عليها، لكن تقرر إلغاء التعامل على وحدات الإسكان الاجتماعي عن طريق ذلك النوع من التوكيلات. ويمثل إلغاء نظام التوكيلات مصدر تهديد كبير للسماسرة أو مشترى الوحدات من مستحقيها، إذ لا يعتد قانونًا بعقود البيع الصورية التى تتم كتابتها بين الطرفين، والأهم من ذلك أنه حال إشهارها ومحاولة استخدامها، يتم سحب الوحدة من مالكها. ومن الشروط الأخرى المعسفة للمفرط فى سكن مخصص له من الإسكان الاجتماعي، هو إسقاط حقه فى الحصول على دعم جديد من الدولة، إذ إن الحصول على وحدة مدعمة يشترط عدم الاستفادة من أى دعم من الدولة من قبل، سواء فى صورة أرض أو وحدة من مشروعات سابقة، علاوة على شرط تخصيص شقة واحدة لكل أسرة، إذ لا يحق للزوجة أن تتقدم بطلب للحصول على وحدة بمفردها دون أن تدلى ببيانات زوجها. الضرر يقع على المشترى ويوضح المحامى خالد سليمان، ل«التحرير»، أنه من المفترض أن وحدات الإسكان الاجتماعي خصصت لمستحقيها، لكن الأزمة تكمن فى واقعية ذلك الاستحقاق، بمعنى هل هو استحقاق موضوعي أم استحقاق على الورق فقط؟ والأولى هى من تفتح طريق التربح والاتجار، لأن المنتفع بالوحدة لا يكون محتاجًا إليها، إنما يأخذها من باب الاستثمار "تسقيعها" أو الاتجار فيها ببيعها بطرق التحايل. وأشار المحامى، إلى أن عقود تخصيص وحدات الإسكان المدعمة صارمة، وتحظر التصرف فى العين، بل سداد أقساطها، وإلا يتم سحبها، كما أن الشهر العقاري محظور عليه تسجيل عمليات بيع وحدات سكنية غير خالصة الملكية، فيلجأ البعض إلى العقود الابتدائية الصورية من الباطن. وأضاف أن المتضرر الأكبر فى حالة البيع بعقد صورى هو المشترى، لأنه يصبح مهددًا فى أى وقت بضياع العين التى دفع فيها أمواله، ولا يعانى السماسرة من ذلك الخطر لأنهم يبيعونها لآخرين بذات الطريقة، ففى أى وقت يصبح الشارى مهددًا بالطرد من العين واستردادها من قبل الدولة، إذ إن البائع يمكن أن ينكر البيع ويهدد بالإبلاغ من أجل ابتزاز المشترى والتحصل على أموال إضافية منه، وحال إظهار عقد البيع فإنه ليس له قيمة قانونية مجدية للمشترى، لأن الدولة ستسحب الوحدة فى الوقت الذى يكون فيه البائع تحصل على ثمنها. ونفى المحامى ارتضاء بائعين بكتابة إيصالات أمانة أو شيكات لضمان اتمام البيع نهائيًا دون التراجع عنه، قائلًا: "البائع ليس مجبرًا على وضع نفسه تحت ضرس أحد، والشارع يشترى العين على عيبها، فهو يعلم أن شراءها مخالف للقانون وعلى الرغم من ذلك يقدم على ذلك". وقال المحامى لمشترى وحدات الإسكان الاجتماعى من مستحقيقها أو سماسرة: «ليه تعيش مهدد لمدة 20 سنة، وتدفع فلوسك فى شقة ممكن تتسحب منك فى أي وقت». نظام الدفع يحجم المخالفات وطالب الدكتور يحيى قدري أستاذ القانون، بوجوب تشديد الدولة فى إعمال نص القانون حال التلاعب بالبيع على وحدات الإسكان الاجتماعي، خاصة أن عقود تلك الوحدات صارمة، وتنص على أنه لا يجوز للطرف المشترى ترتيب حق على العين إلا بعد سداد كامل الثمن خلال مدة القسط، كما أن تلك الوحدات باعتبارها مخصصة لمحدودى الدخل لا يمكن سداد ثمنها نقدًا، إنما من خلال نظم التمويل العقارى وعن طريق البنوك.