مدهش أن تستمر النزعة الاستهلاكية الشرهة والمتوحشة فى بلد على حافة الهاوية ويعانى من تزايد فى أرتفاع الاسعار مستمر (ومجنون) بالاضافة الى أرتفاع فى نسب التضخم؟! من أين يجد المواطنين المال فى ظل المشاكل الاقتصادية المعقدة والمزمنة منذ عدة سنوات؟! هذه الاسئلة ليست شخصية بل سمعتها من كثيرين يشعرون بنفس الحيرة من ظاهرة أنفجار الاسعار لمعظم السلع التجارية مع استمرار توحش السلوك الاستهلاكى. الاجابة المختصرة والشافية لا تتجاوز كلمتين وهم "الاقتصاد البديل" و"السمسرة". أما الاجابة النموذجية قد تحتاج الى الكثير من الدراسات المتخصصة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. على الهامش، هذه الدراسات لا بد أن تشمل أيضاً الجانب النفسى بسبب أن كثير من السلوك الاستهلاكى يعتمد على "عقد النقص" فى النفس البشرية، فالشخص يشترى من أجل الشراء وليس بسبب محدد غير رغبة التساوى مع الآخرين حتى يظهر أرتقاءه فى السلم الاجتماعى. الاقتصاد البديل أو الرمادى هو السبب الرئيسى والمانع الاول لعدم أفلاس مصر بالرغم من معانات الاقتصاد الرسمى من أزمات مزمنة وطاحنة قد تؤدى الى أفلاس دول أخرى. يعنى مثلاً، فى الدول الاخرى، يدخر المواطنون أموالهم عادةً فى مؤسسات الدولة الصناعية أو الزراعية أو التكنولوجية من خلال أسواق المال (البورصة) أو فى مؤسسات مثل البنوك ولهذا عندما تعانى الدولة من أزمة أقتصادية، يشعر بها المواطن وعلى الفور. أما فى مصر، كثير من المواطنون يدخرون أموالهم فى الاراضى والعقارات كنوع من الاستثمار بدلاً من الاستثمار فى مؤسسات الدولة. يعنى بالعربى المواطن المصرى "بيسقع" أمواله، ومن ثم قد تعانى الدولة ومؤسستها من الازمات ولكن المواطن لا يشعر بها بنفس القوة والشدة. أما السبب الثانى هو أعتماد الاقتصاد المصرى على السمسرة (أو العمولة أو القمصينجى). وهذا يرجع الى سبب أشتغال كثير من المواطنين فى السمسرة بدلاً من الزراعة أو الصناعة ولهذا لا يشعرون بالازمات الاقتصادية. على سبيل المثال، فى المجال العقارى، تفشت مؤخراً ظاهرة السمسار العقارى بشكل مبالغ فيه لدرجة جعلت من الوصول الى بائع العقار الاصلى أصبحت شبه مهمة مستحيلة. الغريب أن بعد أنتشار مواقع التواصل الاجتماعى والقنوات الفضائية (ذات الاعلانات رخيصة الاجر) وأصبح من السهل التواصل بين البائع والمشترى، كان من المتوقع أختفاء السمسار العقارى. أذاً، ما السبب وراء أنتشاره؟! لان هذا من مصلحة السمسار والبائع (سواء كان فرد أو شركة). فالسمسار يعتمد على رفع أسعار الوحدات حتى تزيد نسبته وهامش ربحه وهذا يتناسب مع هدف البائع (أو المسقع). ببساطة، أصبح السماسرة يمثلون دور المشترين فى المزادات الذى يزيدون من أسعار الوحدات لصالح البائع وبعد هذا يتم "تعريئهم" من البائع. مثال آخر، فى مجال الطاقة، انتشرت السمسرة ولكن هذه المرة بطريقة فجة لانها أمام الحكومة وعيني عينك. من المعروف أن الحكومة مازالت تدعم الانابيب ولكن الدعم لا يصل الى مستحقيه بسبب السمسار الذى يشترى من المستودعات الحكومية الانبوبة بسعر 12 جنيه ثم يبعها الى المواطن باضعاف أضعاف ثمنها. وظاهرة السمسرة منتشرة أيضاً فى مجال المحاصيل الزراعية التى يتم شراءها من الفلاح بتراب الفلوس ويتم بيعها لسماسرة آخرين حتى تصل الى المشترى باسعار مبالغ فيها! وأيضاً فى مجال الملابس، بدلاً من أنشاء مصانع للملابس والمنسوجات يذهب أصحاب المال لشراء الملابس من دول مثل سوريا وتركيا لبيعها فى الاسواق المصرية. لا أريد التفلسف كثيراً، والسمسرة التى ذكرناها قد تم رصدها من قبل فى أغنية الهضبة عمرو دياب "رصيف نمرة خمسة" ومن تاليف الدكتور مدحت العدل. بقالة الأمانة و نصحي السروجي، عاملينلي شركة في مشروع بوتيك، ونادوا لعبده الفرارجي يشاركهم، فرد بالاطة محبش شريك، تبزنس تعيش لاخر حياتك، ولو باعوا فرخة هتاخد عمولة، ولا البحر باين لاخر مراسي، ولا حد راسي منين الفرج.