ليس المطلوب فقط تعديلا وزاريا في حكومة عصام شرف، وإنما كما قلنا، مطلوب تغيير وزاري شامل، بوجوه مختلفة، تستطيع أن تحقق أهداف الثورة في تلك المرحلة الانتقالية، ووجوه متناسقة مع المرحلة، وليست منتمية إلى العهد البائد. ومطلوب أيضا أن يمتد ذلك التغيير، إلى المؤسسات، والهيئات، والشركات الكبرى، والجامعات، التي ما زالت تسيطر عليها شخصيات منتمية إلى العهد السابق، وجاءت إلى مناصبها ليس بالكفاءة وإنما كأهل ثقة، بترشيح من الحزب الوطني «المنحل» وجهاز أمن الدولة «المنحل»، في إطار سياسة لجنة سياسات جمال مبارك -الذي كان طامحا في وزارة الحكم الجمهوري!- في السيطرة وتأميم وتأمين كل المؤسسات والهيئات والجامعات، واستطاع في مرحلة لاحقة السيطرة على عدد من النقابات المهنية. ومن أجل ذلك أطلقوا يد أعوانهم في تلك المؤسسات، يفسدون ويُفسدون. وبالطبع لم تكن للأجهزة الرقابية أي دور، فقد تم تدجينها عن طريق رؤسائها الذين يدينون بولائهم للنظام ورئيسه، الذي جاء بهم من المعاش إلى رئاسة تلك الأجهزة، ويحصلون في مقابل ذلك على مكافآت ضخمة ونفوذ مؤثر، فما كشفه المراقبون في الجهاز المركزي للمحاسبات عن تصرفات رئيس الجهاز، المستشار جودت الملط، جعله «ملطا» بحق.. فكان الرجل لا يكشف عن تقارير المراقبين عن أجهزة ومصالح معينة، ويعيد كتابتها من جديد ويضعها في درج مكتبه. أي نعم الرجل كان يصدعنا بتقريره السنوي عن الموازنة العامة، ويطلق صوته الجهوري في مجلس الشعب، متهما الحكومة بإهدار المال العام، لكنه كان في النهاية «طحين بلا عجين»، ويعود الرجل إلى مكتبه مرة أخرى، ليخفي تقارير جديدة متعلقة بهيئات ومصالح لكبار القوم ورموز النظام.. ولا يحدث أي تعديل على الموازنة، نتيجة ملاحظات الجهاز المركزي، ويكرر الملط هذا كل عام.. ولا يعترض، ولا يقدم استقالته، وكأنه مشهد من مسرحية هزلية، يتعاملون فيها مع المواطنين باستهبال! لقد جاء الملط إلى الجهاز المركزي للمحاسبات، بعد أن أحيل إلى المعاش من منصبه القضائي كهدية على ما فعله، لصالح إبراهيم نافع، ليبقى في «الأهرام» سنوات، دون شرعية، وبعد أن تخطى السن القانونية لرؤساء مجالس الإدارة، ورؤساء التحرير، لكن الملط وجد له المخرج القانوني، ليظل إبراهيم نافع على رأس مؤسسة «الأهرام»، ينهب منها بالمليارات كيفما يشاء، وكان صديقا صدوقا للرئيس المخلوع حسني مبارك، وكان يرسل الهدايا الثمينة إلى الرئيس وعائلته، ورموز النظام السابق «نظام نتن يقبل هدايا من مرؤوسيه».. وذكر حسني مبارك ذات مرة «أن إبراهيم نافع لسه بيعرف يجيب هدايا»، وكله من أموال «الأهرام» التي هي في النهاية ملك للشعب، لكن استحلوها، وجعلوها وكأنها مؤسسات خاصة يملكونها، وتكررر هذا الأمر في كل المؤسسات الصحفية، وكذلك في مؤسسات الدولة، وأصبحت عزبا خاصة لمن يديرها! وبالمناسبة لا أحد يعلم حتى الآن، لماذا لم يتم التحقيق مع إبراهيم نافع حتى الآن في البلاغات المقدمة ضده عند النائب العام، الذي أحالها إلى قاضي التحقيق، ورغم أن ملفه متخم باتهامات إهدار المال العام في «الأهرام»، فضلا عن الهدايا التي كان يقدمها لكبار المسؤولين، وكانت بملايين الجنيهات سنويا، لكي يحافظ على كرسيه في «الأهرام» بشكل غير قانوني، وهي نفس القضية تقريبا التي حوكم بها رئيس مجلس إدارة الأخبار، ومدير إعلاناته اللذان كانا يرسلان الهدايا على حساب مؤسسة الأخبار إلى كبار المسؤولين، بينهم الرئيس المخلوع وأسرته، وصفوت الشريف، وحاشيته، وكان مصيرهما السجن. فأين إبراهيم نافع من ذلك؟.. إنه يقول إنه سبق وقد حقق معه قاضي التحقيق أحمد إدريس في تلك الاتهامات، وحفظ التحقيق. ويرد عليه أيضا، بأنه سبق أن جرى تحقيق مع رموز فساد مثل محمد إبراهيم سليمان، ويوسف والي، وتم حفظ التحقيق معهما، لكنهما الآن ثبت تورطهما في الفساد، وهما الآن في السجن. نعود مرة أخرى إلى الجهاز المركزي للمحاسبات في عهد الملط، فلو كان الجهاز يدار من أجل صالح الوطن، لما حدث بيع شركات القطاع العام، بتراب الفلوس، وبالفساد، فمن المعروف أن الجهاز له ممثل في إتمام تلك الصفقات، ومن حقه الاعتراض، لكن في عهد الملط كل شيء تمام، ما دام يريد الكبار ذلك. وبعد الكشف عن تلك الفضائح لم يفكر الرجل في الاستقالة. مطلوب تطهير الجهاز المركزي للمحاسبات.