كتب- أحمد الدعدر: فى عام 2014 أطلقت المؤسسة العامة للحى الثقافى «كتارا» جائزة كتارا للرواية العربية، بهدف تشجيع الروائيين العرب على الإبداع، إضافة إلى ترجمة الأعمال الفائزة إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية، ونشر وتسويق الروايات غير المنشورة.. وفى عام 2015 قال د. جابر عصفور، وزير الثقافة السابق، عن الجائزة، «إن قطر تأمل بجائزة كتارا أن تتشبه بجاراتها، خاصة الإمارات، وأنا شخصيًا أرى مشروع كتارا (غير برىء)، لكن لا ألزم غيرى بموقفى، وعلينا أن نكون ديمقراطيين، فهذه (الدويلة) تحاول جذب الأدباء لها بالأموال، مثلما فعلوا مع عزمى بشارة وغيره، كجزء من الدعاية السياسية لها».. وبالأمس القريب قطعت ست دول عربية علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، صاحبة الجائزة، فتخلى د. عصفور عن «ديمقراطية 2015» وطالب الروائيين بالمقاطعة، قائلًا، «لا يعقل مطلقًا أن يتقدم كاتب مصرى ليفوز ويحصل على أموال من دولة تريد تدمير بلده. الآن، لا بد أن يسير الأدب خلف السياسة، ويتبنى وجهة نظرها لأن المسألة باتت حياة أو موت».. قرار مقاطعة الدول العربية، إضافة إلى تصريحات الدكتور عصفور، بصفته قامة ثقافية، تضع الجائزة فى «أزمة»، وتطرح عدة تساؤلات إجاباتها ربما تكشف عن مصير الجائزة المجهول: هل تسير «الثقافة» خلف «السياسة»؟.. ما موقف الأدباء والمحكمين المشاركين فى الجائزة من البلدان الست التى قطعت علاقاتها؟ وماذا لو حصل عليها أدباء من الدول الستة المقاطعة، الذين تقدموا للجائزة قبل قطع العلاقات؟... أسئلة عديدة تحاول «التحرير» الإجابة عنها... ياسر ثابت: الجوائز الثقافية تتغلب على السياسة.. واسألوا جائزتى «صدام» و«القذافى» يقول الروائى د. ياسر ثابت: «السياسة تسبق وتؤثر، إلا فى حال الجوائز الثقافية فى بلادنا على الأقل! وستستمر جائزة كتارا القطرية، وستواصل منح جوائزها، وأتوقع أن لا يتأثر عدد المتقدمين للجائزة بالظروف والخلافات السياسية». وأضاف ثابت، صاحب رواية «ذنب»، «يمكننى القول بوضوح إن عدد المتقدمين المصريين لنيل الجائزة سيظل الأكبر فى الدورة المقبلة، وذلك لاعتبارات عدة، أولها هو تلك المسافة الفاصلة بين الثقافة والسياسة، ورغبة كثيرين فى الإبقاء على تلك المسافة بعيدًا عن حساسيات السياسة التى عادة ما تكون مؤقتة. وثانيًا، لأن إغراء القيمة المادية للجائزة له رونقه عند أهل الثقافة، والروائيين، وبعضهم يتطلع إلى الجائزة أو يحلم بها، أملًا فى أن توفر له فرصة لتحسين أوضاعه المالية، ولأن الجائزة عربية وتُمنح لعدد من المبدعين والروائيين العرب، فإنها ستحاول الإبقاء على هذه الصيغة، وبالتالى سيكون هناك كما هو متوقع نصيب للمصريين وباقى العرب من الترشح للجائزة والفوز بأحد فروعها على حدٍ سواء. ولا ننسى هنا أن الجائزة تُمنح عادة للمتقدمين بأعمالهم برغبتهم وإرادتهم، ما يعنى أنهم يتطلعون للفوز وليس من الوارد أن يعلنوا مقاطعتهم لها فى حال فازوا بها». واختتم ثابت حديثه، «الجوائز الثقافية تتغلب على السياسة فى معظم الأحيان، واسألوا جائزة صدام للأدب والإبداع، وجائزة القذافى، وقد حصل على كل منهما مثقفون ومبدعون مصريون وعرب، من بينهم د. يوسف إدريس، د. جابر عصفور، وآخرون.. ولم يتراجع أحدهم عن الجائزة.. ولا قيمتها». عبدالوهاب داود: الجائزة ستمنح على طريقة «الكيد».. والمثقف الحقيقى يشكل الوعى السياسى يقول الروائى عبد الوهاب داود، «أظن أن جائزة كتارا للرواية سوف تواجه مشكلة هذا العام فى لجان التحكيم، لا فى عدد الروايات المقدمة من مصر أو السعودية أو الإمارات أو باقى الدول العربية، فقد تواجه باعتذارات من محكمين أو ما شابه، وربما تصل إلى إعلان فائزين بالجوائز عن رفضها، وهذا أمر متوقع بنسبة كبيرة، خصوصًا أن الجهة المانحة هى فى تصورى (جهة كيَّادة) باللفظ المصرى المشتق من كلمة (كيد) أو عبارة (كيد النسا)، وقد تتعمد منحها لمصريين وسعوديين». وأضاف صاحب رواية «المهزوم»، «فى تصورى أن جوائز الأدب فى الوطن العربى كله تعانى من هيمنة السياسة عليها، سواء فى وجود توتر فى العلاقات أو فى عدم وجوده، ومن يدّعى أنه يكتب أدبًا ولا دخل له بتصريفات السياسة واهم، أو لا يدرك طبيعة ما تتنج يداه»، مشيرًا إلى أنه «لا يمكن بحال من الأحوال عزل المنتج الأدبى عن محيطه السياسى، فالأديب يكتب وفق تصوراته عن الحياة، وأحلامه لها، يكتب عن رؤيته للوجود، وللعلاقات، وتأثير الأحداث على البشر، والرواية لا بد أن تتماس مع السياسة، سواء فى بلده، أو العالم من حوله، ف(نوبل) لم تسلم من السياسة، ولم تنج من تصريفات السياسة، وتداخلاتها، فما بالك بجائزة تتحكم فيها دولة مثل قطر». وعن سير الثقافة خلف السياسة أو العكس قال داود، «المثقف الحقيقى هو من يدعو المثقفين إلى تشكيل الوعى السياسى، لا السير خلف قرارات السلطات، وهناك فارق بين أن تقود وتشكل الوعى، وأن تصبح مجرد أداة فى يد السلطة، وصراحة أنا مع الاعتذار عن المشاركة فى لجان تحكيم وسحب المشاركات أيضًا، ولكن ليس كتابع لقرار الحكومة، بل كجزء من الضمير المصرى أو العربى». نفيسة عبدالفتاح: الثقافة لا تسير خلف السياسة.. ونراهن على الوقت تقول الروائية نفيسة عبد الفتاح، إحدى المتقدمات للجائزة فى دورتها الحالية، «طوال الفترة الماضية لم تسر الثقافة خلف السياسة، بدليل أن الجائزة حصل عليها مصريون فى السنتين الأخريين، بفرعيها المنشور وغير المنشور». وأضافت صاحبة رواية «تراب أحمر»، «المؤكد أن الوضع معقد، والمتقدمون فى مأزق حقيقى بعد المقاطعة، لكن ربما يكون الوقت دواءً لتلك الأزمة، فالجائزة ستعلن فى أكتوبر، أى أن هناك خمسة أشهر تفصلنا عن إعلانها، وربما يتغير الحال». وعن موقف من سيحصد الجائزة قالت عبد الفتاح: «سيقع على من سيحصد الجائزة عبء نفسى كبير، إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، وهذا العبء النفسى أعيشه أنا حاليًا، بصفتى متقدمة لتلك الجائزة، وأشعر بحيرة، وأعتقد أن كل مبدع تقدم لهذه الجائزة يراهن على الوقت، ويؤجل قراره لرؤية ما تسفر عنه الأحداث، فالقرار سيكون فى وقته». واختتمت حديثها قائلة: «لا نشارك فى الجوائز من أجل المكسب فقط، بل بدافع المنافسة، ومواقف حاصدى الجوائز تكون فردية لا يجب تعميمها، يتخذها أصحابها ويتحملون نتائجها، فقرار يوسف إدريس فى جائزة صدام حسين، وقرار جابر عصفور فى جائزة القذافى، ربما لا يكون قرار ناصر عراق مثلًا أو إبراهيم عبد المجيد لو أنهما فى هذا الموقف». أيمن عامر: «الثقافة» تتراجع لحساب «السياسة».. وأتوقع اعتذارات خوفًا من تهمة «الخيانة» يقول القاص أيمن عامر، «مع الأسف الثقافة والفنون تتراجع لحساب ما هو سياسى، سواء على مستوى الاهتمام العام أو على مستوى التبعية، أى أن السياسى يبتلع أو يحاول أن يبتلع الثقافى ويهيمن عليه ويوجهه، ومن ثم يستغله لخدمة أغراضه وتبييض وجهه الذى لا يكون نظيفًا فى الأغلب». وأضاف صاحب «ماكينة الأحلام»، «صحيح أن السياسى والثقافى يتنازعان السيادة على مر التاريخ، لكن السياسى منتصر بوضوح هذه الأيام، وقد طغى ذلك وشاع وتجلى بوضوح فى أيام الحرب الباردة. اقرأ إن شئت كتاب (من الذى دفع للزمار.. الحرب الباردة الثقافية)، وفى منطقتنا العربية الأمر تجاوز حدود سبق أحدهما للآخر ووصل للتبعية والاستخدام والسحق ظنًا من السياسى أن الثقافى يعطله أو يقف فى وجه طموحاته أو يهدد عرشه، بحيث لم يعد للثقافى مكان تقريبًا إلا باعتباره خادمًا لأيديولوجيا موضوعة سلفاً أو حتى خادمًا لتصرفات حكم وأساليب إدارة ولو كانت فاشلة. هذا إضافة إلى تفتت الثقافى وتشرذمه نتيجة عوامل أخرى». وعن الجائزة وموقف المبدعين والأزمة السياسية الراهنة قال عامر، «الكتَّاب يكتبون للأدب والفن أى للكتابة وفقط، أو هكذا ينبغى أن يكون.. ومع ذلك فالموقف حرج بلا شك والكتاب والمحكمون معذورون، وأظن أن منهم من سيرفض المشاركة أو الاستمرار كى لا يُتهم بالخيانة أو التعاون مع دولة داعمة للإرهاب أو تجنبًا لأى تشويش أو وجع دماغ. ورغم أنه ينبغى أن تكون هناك مسافة بين القرارات الدبلوماسية بين الدول من جهة، وما يتعلق بالأفراد المواطنين من جهة أخرى، فإن التنظير شىء والواقع شىء مختلف، لا سيما فى بلادنا التى قد تعتمد سياسات المكايدة أو الانتقام، ولهذا ليس بمستبعد أن يعتذر البعض وربما الكثيرون عن عدم قبول الجوائز دفعًا للحرج ومن باب الاحتياط».