نائب يطالب الحكومة بسرعة إنهاء رفع الحراسة عن نقابة الصيادلة    منافسة علمية داخل جامعة بني سويف الأهلية    وظائف خالية اليوم.. برواتب تصل إلى 6500 ريال فرصة عمل لعمال مصريين بالسعودية    أسعار الذهب تتراجع 3% بعد اتفاق أمريكا والصين على خفض الرسوم الجمركية    وكالة تابعة لحزب العمال الكردستاني: الجماعة قررت حل نفسها وإنهاء الصراع المسلح مع تركيا    سلاح الجو الأوكراني: روسيا أطلقت 108 طائرات مسيّرة خلال الليل    الداخلية تكشف تفاصيل ضبط قضية غسيل أموال ب150 مليون جنيه    ضبط 50 طن قمح بمخزن حبوب غير مرخص بالباجور    اليوم العالمي للتمريض.. «الرعاية الصحية»: لدينا 13 ألف كادر تمريضي بمحافظات التأمين الشامل    5 أسباب تدفع مرضى القلب لشرب الزنجبيل    هدية "القصر الطائر" من قطر لترامب تثير جدلًا دستوريًا في أمريكا    رسميًا.. أورلاندو بايرتس يعلن رحيل خوسيه ريفيرو من تدريب الفريق    إعلان الجوائز.. ختام مهرجان الفنون المسرحية لطلاب جامعة الإسكندرية- صور    سهير رمزي: بوسي شلبي جالها عرسان ورفضت بسبب محمود عبدالعزيز    هل يجوز للحامل والمرضع أداء فريضة الحج؟    هل هناك حياة أخرى بعد الموت والحساب؟.. أمين الفتوى يُجيب    الاتحاد ينتظر الحسم.. جدول ترتيب الدوري السعودي قبل مباراة الهلال والعروبة    «وزير الخارجية» يُجري اتصالين هاتفيين مع نظيريه العماني والإيراني    جامعة المنيا: الكشف على 570 مواطنًا بالقافلة المتكاملة فى قرية بني خيار    إنبي: ننتظر نهاية الموسم لحساب نسبة مشاركة حمدي مع الزمالك.. وتواصل غير رسمي من الأهلي    التخطيط القومي يعقد برنامجا تدريبيا للإعلاميين حول مهارات قراءة وتحليل التقارير    تغير المناخ يهدد زراعة الموز في العديد من البلدان    تأجيل محاكمة المتهم بقتل والده في مشاجرة بطوخ لجلسة أغسطس المقبل    مدير مزرعة يشرع في قتل عامل بالشيخ زايد    براتب يصل ل 500 دينار.. 45 فرصة عمل بالأردن في شركات زراعية وغذائية وصناعات خشبية (قدم الآن)    وزير الإسكان: تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع «جنة» للفائزين بمدينة القاهرة الجديدة    عرض ومناقشة فيلم "سماء أكتوبر" في مكتبة المستقبل    هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤول: إسرائيل ستوفر ممرا آمنا لإطلاق سراح عيدان    مسرح 23 يوليو بالمحلة يشهد ختام العرض المسرحي «الطائر الأزرق»    محافظ أسيوط: توفير 706 فرصة عمل لشباب الخريجين بمراكز المحافظة    رئيس مياه القناة: حملة مكثفة لأعمال تطهير وصيانة بيارات المحطات وشبكات الصرف الصحي    لماذا يرتدي الحجاج "إزار ورداء" ولا يلبسون المخيط؟.. د. أحمد الرخ يجيب    سوريون يضرمون النار بمواد غذائية وزعتها قوات إسرائيلية    شون وصوامع المنيا تستقبل 266 ألف طن من القمح ضمن موسم توريد 2025    استقرار أسعار الحديد والأسمنت في الأسواق المصرية خلال تعاملات الإثنين 12 مايو 2025    جنوب سيناء.. فريق الحوكمة والمراجعة الداخلية يرصد مخالفات بمستشفى دهب    إصابة 4 أشخاص بطلقات نارية في مشاجرة بدار السلام بسوهاج    ما حكم الأضحية إذا تبين حملها؟.. الأزهر يوضح    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    عمرو سلامة يعلق على تصنيفه من المخرجين المثيرين للجدل    تعويض 2000 جنيه.. البترول تعلن خلال ساعات آلية تقديم أوراق المتضررين من البنزين.. فيديو    استمرار الموجة جديدة الحرارة بالأقصر.. والعظمى 42    «قصر العيني» يحصل على اعتماد الجمعية الأوربية لأمراض القلب    قرار عاجل من الأهلي بشأن عماد النحاس.. مدحت شلبي يكشفه    رئيس «دي إتش إل» يتوقع استفادة من التوترات التجارية بين واشنطن وبكين    إصابة طالب بحروق إثر حادث غامض في البراجيل    السعودية تواجه الأردن وديًا استعدادًا لمواجهتي البحرين وأستراليا    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    المجلس الوطني الفلسطيني: قرار الاحتلال استئناف تسوية الأراضي في الضفة يرسخ الاستعمار    يارا السكري ترد على شائعة زواجها من أحمد العوضي (فيديو)    تزامنا مع زيارة ترامب.. تركيب الأعلام السعودية والأمريكية بشوارع الرياض    مدير الشباب والرياضة بالقليوبية يهنئ الفائزين بانتخابات برلمان طلائع مصر 2025    تبدأ في هذا الموعد.. جدول امتحانات الصف الأول الثانوي بمحافظة أسوان 2025 (رسميًا)    3 أبراج «مكفيين نفسهم».. منظمون يجيدون التخطيط و«بيصرفوا بعقل»    عاد إلى إفريقيا.. الوداد يحسم مشاركته في الكونفدرالية بفوز في الجولة الأخيرة    رياضة ½ الليل| انتصار الطلائع.. عودة عواد.. البارسا يطيح بالريال.. وتطور أزمة زيزو    «انخفاض مفاجئ».. بيان عاجل بشأن حالة الطقس: كتلة هوائية قادمة من شرق أوروبا    منافسة رونالدو وبنزيما.. جدول ترتيب هدافي الدوري السعودي "روشن"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



2,5 مليون دولار سنوياً ينفقها العرب علي الجوائز الأدبية
نشر في أخبار الأدب يوم 04 - 07 - 2015

المحكمون فى جوائز الدولة المصرية تخلو سير الشعراء والأدباء حتي نهاية التسعينيات من الجوائز المالية الكبري. كانت الجوائز الأدبية ذات قيمة معنوية في المقام الأول، وتمنح غالباً من قبل هيئات ومؤسسات بسيطة الميزانية في هذا الوقت كنادي القصة أو اتحاد الكتاب. وحتي العام 1998 كانت قيمة جائزة الدولة التشجيعية تبلغ ألف جنيه، بينما التقديرية تبلغ خمسة آلاف جنيه. عربياً كانت هناك جائزة العويس وتبلغ 120 ألف دولار تمنح في خمسة مجالات: الشعر، والرواية والقصة، والدراسات الأدبية والنقدية، والدراسات الإنسانية، والإنجاز الثقافي. إلي جانب جائزة البابطين المخصصة للشعر الفصيح الموزون غالباً.
كانت الجوائز الخليجية مقصورة في ذلك الوقت علي المثقفين الكبار وتمنح كل سنتين لا كل سنة كما حال الجوائز الأدبية الآن، وأبرزها في التسعينيات كانت جائز العويس، البابطين، وجائزة الملك فيصل العالمية. لم يتغير إيقاع دورات تلك الجوائز، لكن تضاعف الإنفاق الخليجي علي الجوائز الأدبية،وتضاعفت قيمة الجوائز المادية لمئات الآلاف من الدولارات ليصل إجمالي ما ينفق عربياً بشكل سنوي علي الجوائز الأدبية المقدمة من الدول أو المؤسسات الأهلية إلي أكثر من 2مليون و500 ألف دولار أمريكي.
اسم الرئيس
لكي نفهم أسباب ظهور العديد من الجوائز الأدبية وتضخم انفاق الدول والمؤسسات الأهلية علي الجوائز الأدبية، فالحكاية كما الكثير من الحسنات والكوارث في المشهد الأدبي في ربع القرن الأخير تبدأ من عند جابر عصفور.
دخل جابر عصفور وزارة الثقافة المصرية عام 1993 أميناً للمجلس الأعلي للثقافة ولم يخرج منها بشكل نهائي إلا في 2015. ربع قرن ،بدأها عصفور بخطة طموح ونشطة لتطوير عمل المجلس الأعلي للثقافة. ضمن هذه الخطة سعي عصفور في 1998 لاستصدار مشروع قانون من مجلس الشعب برفع قيمة جوائز الدولة من بضعة آلاف لعشرات الآلاف. وفي مقاله المنشور في الأهرام بتاريخ 27 يونيو 2011 يروي جابر عصفور كيف جرت مناقشات الجائزة داخل مجلسي الشعب والشوري حيث يقول: "أوكل لي الصديق فاروق حسني أن أكون نائبا عنه في مجلس الشعب، وتأجل عرض المشروع أكثر من مرة في جلسة واحدة، إلي أن بدأ عرضه قبيل الساعة الثانية عشرة ليلا، ولم تحدث معارضة كبيرة، فقد كان الدكتور فتحي سرور متعاطفا مع المشروع الذي في مصلحة زملاء وتلامذة له وأذكر عند قراءة الجزء الخاص بجائزة التفوق أن طلب النائب محمد أبو العينين الكلمة فأذن له رئيس المجلس; فذكر أبو العينين أعضاء المجلس بأنه قد مضت دقائق علي انتصاف الليل، وأنه يقترح تسمية الجائزة الجديدة التفوق باسم الرئيس السابق مبارك، فقد دخلنا يوم عيد ميلاده ولم يجرؤ أحد علي الاعتراض، بل لقي الأمر الترحيب، ولكن حنكة الدكتور فتحي سرور دفعته إلي تذكير الجميع بالإرهاق الذي لابد أن يكون نالهم،وأنه من الأفضل تأجيل التصويت علي الموافقة إلي جلسة الغد الصباحية وأعلن انفضاض الجلسة،وتأجيلها إلي صباح الغد وخرجنا من القاعة.
ووجدت نفسي محاطا بزكريا عزمي وفتحي سرور وكمال الشاذلي في طريقنا إلي مكتب فتحي سرور وقال كمال الشاذلي، ونحن في الممر، مخاطبا محمد أبو العينين ولكن اسم الرئيس أكبر من قيمة جائزة قدرها خمسة وعشرون ألف جنيه،لابد من وجود جائزة كبيرة، وكنا وصلنا مكتب الدكتور فتحي سرور،ونظر لي زكريا عزمي سائلا لماذا لا توجد جائزة كبري في المشروع المقدم؟
قلت لأني لم أكن واثقا من موافقة لجان المجلس علي جوائز أكبر وعلي كل حال، هناك في المجلس مشروع جائزة باسم جائزة النيل قدرها مائة ألف جنيه وتمنح للمصريين والعرب جميعا ويمكن توسيع الصياغة لتتضمن جائزة النيل، فقال كمال الشاذلي وأنا أقترح إطلاق اسم جائزة مبارك بدل جائزة النيل ووافق الجميع علي هذا الاقتراح دون حتي طلب رأيي،فأنا لم أكن وزيرا،وإنما مجرد ممثل لوزارة الثقافة،ولست أملك إزاء رأيهم فيما بدا من سلوكهم وحديثهم إلا الطاعة والموافقة علي ما قرروا وقال لي فتحي سرور إذن نلتقي في مكتبي في الثامنة والنصف من صباح الغد،ومعك التعديل المطلوب للنص، وقضيت وقتا طويلا من الليل في إعداد التعديل،بعد أن أخبرت فاروق حسني،وحملت في الصباح التعديل الذي راجعه سامي مهران أمين المجلس،بعد أن استدعوه،ووافق فتحي سرور علي الصياغة بعد شطب اسم جائزة النيل،وجعلها جائزة مبارك وبقيت موافقة الرئيس السابق،فأوكلوا المهمة إلي كمال الشاذلي الذي طلب الرئيس علي الخط المباشر، وعرض عليه الأمر، وحصل علي موافقته."
إذن مفتاح السر في رفع قيمة الجائزة لم يكن تقدير المبدعين من المجالات المختلفة أو الأدباء والشعراء وإن كانت هذه نية عصفور وصديقه المثقف الأكاديمي فتحي سرور، ولم يكن تأسيس جائزة تحمل اسم مصر وتكون نقطة جاذبية وريادة للبلد في المشهد العربي هو الدافع لاتخاذ هذا القرار سياسياً، بل اسم الرئيس وشرف اسم الرئيس الذي لا يصح أن يوضع علي 25 ألف جنيه، ولا يمكن أن ينزل السوق بأقل من مائة ألف جنيه مصري.
رفع قيمة الجوائز ألغي مشروع جائزة النيل والتي كان من المفترض ألا يقتصر منحها علي المبدعين المصريين بل تشمل العرب. وفي التعديل الجديد حينما أصبحت تحمل اسم مبارك، أصبحت الجائزة مقصورة علي المصريين فقط وهو الخطأ الذي سيحصر تأثير الجوائز المصرية علي مصر فقط، بينما ستفتح الجوائز الخليجية أبوابها للمبدعين العرب من كافة الجنسيات مما يرفع من قيمتها المعنوية وأثرها في المشهد الإبداعي العربي. سيظل جابر عصفور يحاول التحايل علي هذا الأمر ويسعي لتخصيص جائزة من الحكومة المصرية تمنح للمبدعين العرب إلي أن ينجح في تأسيس جائزة ملتقي الرواية العربية التي ستمنح بالتناوب مع كل دورة من دورات الملتقي دورة لكاتب مصري ودورة لكاتب عربي، وإن كانت ستظل مقصورة علي الكتاب الكبار وتمنح تقديراً لمجمل مشروعهم الإبداعي، لا لعمل إبداعي علي عكس الجوائز الخليجية التي تمنح لأعمال إبداعية من مختلف الدول العربية مما جعل الجوائز الخليجية تتحول لسلطة تقييم في المشهد الأدبي عربياً وتأثيرها يتجاوز تأثير الجوائز المصرية.حكاية جابر عصفور ومغامراته مع ديناصورات نظام مبارك مليئة بالدلالات التي يمكن أن تجيب لنا عن سؤال لماذا حدث هذا التدافع الغريب في رفع قيمة الجوائز الأدبية المختلفة؟
الجائزة تعبر عن "أنا" الحاكم أو رجل الأعمال. وهذه الذوات المتضخمة بفعل السلطة والمال تحتاج إلي إرضاء بأوهام الخلود والريادة ورعاية الفنون، وتفتح الجوائز الباب لهذه الأسماء في الخلود.يسعي صاحب الجائزة إلي منح اسمه الخلود بالالتصاق بالفن الذي خاطبه محمود درويش في جداريته "هزمتك يا موت الفنون جميعها"، طبعاً مع فارق أن الجائزة حينما يمنحها رجل أعمال فهو يدفع من ماله الخاص، بينما الحاكم والديكتاتور يدفع من مال الشعب. ويحاول الكتاب والمثقفون استغلال خطيئة الغرور لتحقيق إضافة في مشهد أدبي يفتقد إلي المؤسساتية ويعتمد بشكل أساسي علي تبرع الكتاب بوقتهم وجهدهم وأعمالهم الأدبية دون عائدات مجزية من عمليات النشر والبيع.
جابر عصفور بعد ذلك سيصبح بطلاً لجائزة أخري، فعلي الجانب الآخر مهووس بالعظمة كالقذافي سيؤسس لجائزة منحها لقب العالمية، ليفوز بها عصفور عام 2009، وحينما تنفجر الثورة الليبية وتحت الضغط الشعبي سيعلن عصفور عن تنازله المعنوي عن الجائزة لأنها تحمل اسم القذافي، مع احتفاظه بقيمتها المادية. لكن سيحتفظ عصفور بالريادة في إطلاق صفارة البداية في السباق العربي نحو الجوائز الأدبية، وسيشجع تنافس الدول علي إطلاق الجوائز الأدبية بعض رجال الأعمال الساعين لممارسة دور رعاة الفن والإبداع كما في حالة محمد أبو العينين في حكاية عصفور.
الأدب والتسويق
بعد 2011 وعواصف الربيع العربي ستتغير مسميات جوائز مبارك لتعود لاسم جائزة النيل، وستختفي جائزة القذافي مع دخول ليبيا لمرحلة الحرب الأهلية دون أن تحمي صاحبها من السحل في الشوارع والإعدام علي يد شعبه. لكن قبل ذلك بسنوات سينتبهون في الخليج لخطورة وضع أسماء الحكام علي الجوائز، كما سيطورون من أساليب الدعاية وصناعة البروبجندا حول الجائزة الأدبية. ففي 2007 ستنطلق الجائزة العالمية للرواية العربية بشراكة بين مؤسسة جائزة "بوكر" البريطانية في لندن وبدعم من هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة في الإمارات العربية المتحدة.
لا تلعب هنا الجائزة دور الدعاية والتصفيق للحاكم، بل لأبوظبي ولوضعها علي خريطة المشهد الثقافي العربي والعالمي. لن تقتصر الجائزة علي الكتاب الاماراتيين أو الخليجيين بل ستشمل الكتاب العرب. والمدهش أن اقتراح الجائزة في البداية تقدم به الناشر إبراهيم المعلم من دار الشروق ورئيس اتحاد الناشرين العرب، والناشر البريطاني جورج وايدنفلد. حيث يمكننا الربط بين تزايد الجوائز الأدبية العربية وصناعة تقاليد وقوانين جديدة لسوق الكتاب في العالم العربي، حيث سعي المعلم خلال تلك الفترة إلي تعزيز دور قوانين الملكية الفكرية واستيراد قواعد صناعة الكتاب الدولية وترسيخها في السوق العربي. ذات الفترة التي شهدت تأسيس البوكر شهدت توسع دار الشروق برئاسة المعلم في نشر الأعمال الأدبية المعاصرة طبعاً مع ملاحظة أن الشروق كانت صاحبة النصيب الأكبر في الروايات الفائزة في البوكر.
أدخلت جائزة البوكر العربية تقاليد جديدة للجوائز الأدبية العربية، فأولاً جعلت التقدم للجائزة يتم عبر دور الناشر لا عبر الكتاب علي أن يتقدم كل ناشر بثلاث روايات بحد أقصي، وذلك في محاولة لترسيخ تقاليد مؤسساتية جديدة في المشهد الأدبي بحيث تتحول دور النشر من مكاتب للطباعة إلي أن تقود بدورها في الدعاية ودعم الكتاب ودعم أعمالهم. وهو الهدف الذي لم يتحقق بل أدي إلي تزايد عدد دور النشر، وظهور دور نشر تعمل فقط علي نشر روايات والتقدم بها للبوكر، بل إن بعض الكتاب أسسوا دور نشر خاصة بهم للتقدم لجائزة البوكر هرباً من تحكم الناشرين.
نجحت البوكر في ترسيخ تقليد آخر وهو القوائم الطويلة ثم القوائم القصيرة والتي تفوز كل رواية فيها بعشرة آلاف دولار. بتحويلها حدث إعلان الفائزين إلي سلسلة متباعدة من الإعلانات تبدأ بالقائمة الطويلة ثم القصيرة ثم الفائز النهائي، ضمنت البوكر دعاية في وسائل الإعلام المختلفة لمدة أطول. كما فتحت الباب للتخمين والنميمة. الأمر الذي حول الجائزة إلي حدث أدبي يتابعه الجميع وينتظرها القراء. لهذا ففي التحقيق الذي أجرته عائشة المراغي في عدد 7 يونيو من أخبار الأدب بعد إعلان أسماء الفائزين بجائزة "كتارا" الأعلي من حيث القيمة المادية، أكد أصحاب مكتبات القاهرة كيف أن جائزة البوكر تظل هي الجائزة الأولي التي يأتي القراء ليسألوا ويشتروا الروايات التي يتم إعلان اسمائها في قوائمها، بينما لا تجذب الروايات التي تفوز في جوائز أخري ذات الاهتمام.
من يصنع كعكة الجوائز الأدبية؟
استخدمت الإمارات الجوائز الأدبية ووظفتها ضمن إطار خطتها الثقافية العامة لرسم صورة معاصرة عن الإمارات، وهو الأمر الذي جعل دولا أخري تلفتت لأهمية الجوائز الأدبية والدور الذي تلعبه كقوة ناعمة في يد تلك الدول. يبدو هذا واضحاً مع جائزة "كتارا" التي أطلقتها المؤسسة القطرية العامة للحي الثقافي كتارا في بداية العام 2014، حيث يحصل الفائزون في القائمة القصيرة للجائزة علي 60 ألف دولار وهو ما يساوي قيمة الجائزة النهائية في مسابقة البوكر العربية.
يبلغ إجمالي جوائز "كتارا" سنوياً 825 ألف دولار أمريكي مقسمة إلي خمس فئات، الفئة الأولي الروايات المنشورة وتشمل قائمة خمس روايات منشورة تحصل كل واحدة منها علي 60 ألف دولار، الفئة الثانية الروايات غير المنشورة وتشمل خمس روايات كل رواية 30 ألف دولار. والفئة الثالثة الدراسات والنقد الروائي وتقدم لخمس دراسات بموجب 15 ألف دولار لكل دراسة، والفئة الرابعة أفضل رواية قابلة للتحويل لعمل درامي من الروايات المنشورة وقيمتها 200 ألف دولار، والفئة الخامسة أفضل رواية قابلة للتحويل إلي عمل درامي من الروايات غير المنشورة وتبلغ 100 ألف دولار.
تحتل قطر المركز الثاني عربياً من حيث قيمة ما يتم انفاقه علي الجوائز الأدبية، بينما تأتي الإمارات في المرتبة الأولي، حيث تنفق سنوياً حوالي مليون دولار علي الجوائز الأدبية. تتوزع جوائز الإمارات بين جوائز تمنحها هيئات تابعة لدولة الإمارات ومجلات ومؤسسات أهلية وتشتمل تلك الجوائز علي جائزة العويس الثقافية والتي تبلغ قيمتها 600 ألف دولار وتمنح كل عامين حيث تتوزع علي خمسة فروع إبداعية، الشعر، القصة والرواية، الدراسات الأدبية والنقدية، الدراسات الإنسانية والمستقبلية، وجائزة الإنجاز الثقافي بموجب 120 ألف دولار لكل فرع.
تتميز جوائز الإمارات بتنوعها فهي لا تقتصر علي جوائز كبري مخصصة لكبار الكتاب، ولا تقتصر علي الرواية بل تمتد لتشمل مختلف فروع الابداع الأدبي. وإلي جانب جائزة العويس فهناك جائزة البوكر التي تبلغ قيمتها الإجمالية 100 ألف دولار. وجائزة الشارقة للإبداع العربي وتبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 60 ألف دولار موزعة علي فروع الإبداع الأدبي، فرع للرواية، فرع للقصة، فرع للمسرح، وفرع للشعر. إلي جانب جائزة الشيخ زايد التي تبلغ قيمتها الإجمالية 200 ألف دولار. تشارك المؤسسات الأهلية والإعلامية بنصيب من حصة الإمارات في الجوائز الأدبية. فمجلة دبي الثقافية تقدم سنوياً عدة جوائز أدبية تبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 50 ألف دولار مقسمة إلي جائزة للرواية، وجائزة للشعر الفصيح، جائزة للقصة القصيرة. بموجب 15 ألف دولار لكل فرع إلي جانب جائزة أفضل كتاب ومؤلف إماراتي وتبلغ 4 آلاف دولار.
أما الكويت فأشهر جوائزها هي جائزة البابطين الشعرية، وتبلغ إجمالياً 120 ألف دولار مقسمة إلي 50ألف دولار جائزة تكريمية، 40 ألفا للنقد الشعري، 20 ألفا دولار لأفضل ديوان شعري، و 10آلاف دولار لأفضل قصيدة. وتمنح للشعر الموزون أو الحر. في حين تشارك السعودية في الجوائز الأدبية بجائزة الملك فيصل العالمية والتي تمنح أحد فروعها إلي اللغة العربية وآدابها وتبلغ قيمتها 200 ألف دولار أمريكي وتمنح في العادة إلي كبار أساتذة اللغة العربية الأكاديميين الذين يعملون بشكل أساسي علي المسائل التراثية ومن أبرز الفائزين بها د.عبد السلام هارون، ود.عبد القادر القط.
تأتي مصر في المرتبة الثالثة من حيث القيمة المادية للجوائز الأدبية التي تقدمها. وتبلغ القيمة الإجمالية للجوائز الأدبية التي تقدمها الدولة والمؤسسات الأهلية في مصر حوالي 325 ألف دولار سنوياً. أبرزها جائزة ساويرس للإبداع الروائي والقصصي وتبلغ قيمتها الإجمالية 550ألف جنيه مصري بالإضافة إلي مائة ألف جنيه قيمة جائزة أحمد فؤاد نجم المخصصة لشعر العامية. وهناك جوائز الساقية التي حققت شهرة وأهمية نسبية في أوساط شباب الكتاب ويبلغ مجموع قيمتها المادية 8 آلاف جنيه مصري، وجائزة نجيب محفوظ التي تقدمها الجامعة الأمريكية وتبلغ ألف دولار أمريكي. أما الجوائز الأدبية التي تقدمها الدولة فتضم جوائز متنوعة بشكل سنوي. أهمها جوائز الدولة والتي تشمل الجائزة التشجيعية، التفوق، التقديرية، وجائزة النيل وتبلغ حصيلة الجوائز الأدبية من جوائز الدولة منها مليون و800 ألف جنيه مصري. وهناك جوائز هيئة قصور الثقافة التي تقدم في فروع الرواية، القصة، الشعر، وتبلغ قيمتها الاجمالية 87 ألف جنيه مصري. وجوائز معرض القاهرة الدولي للكتاب التي تمنح في مجال الرواية، القصة، والشعر بإجمالي 30 ألف جنيه مصري.
بالطبع الأرقام السابقة تقريبية وحاولنا جمعها اعتماداً علي أبرز الجوائز في المشهد الأدبي، ويضاف إليها عشرات الجوائز الأدبية المحلية التي تقام علي نطاقات ضيقة، والجوائز التي لا تقام بشكل سنوي منتظم. لكنها تعطينا مؤشرات واضحة حول التنافسية الشديدة بين الدول العربية في مجال الجوائز الأدبية والتي يضاف إليها المزيد من الجوائز كل يوم، فلحظة كتابة هذه السطور أعلنت مؤسسة "كتارا" عن إطلاق جائزة جديدة وهي جائزة "حب الرسول" المقامة تحت شعار "تجمل الشعر في مدح خير البشر" وتبلغ قيمتها الإجمالية 650 ألف دولار أمريكي، كما تتردد أنباء داخل أروقة وزارة الثقافة عن توجه لمضاعفة قيمة جوائز الدولة الحالية.
كيف توزع الكعكة؟
يذهب الجزء الأكبر من الجوائز الأدبية في صيغة جوائز تكريمية لكبار الكتاب، حيث تمنح الجوائز عن مجمل أعمالهم وتكريماً لدورهم أو عن مجمل أعمالهم الأدبية كما الحال في معظم جوائز الدولة باستثناء الجائزة التشجيعية، جائزة العويس وزايد وجائزة الملك فيصل كذلك. في بعض الجوائز كجائزة ساويرس يوضع حد فاصل بين كبار وشباب الكتاب علي أساس السن وذلك بالرغم من أن الجائزة تمنح للأعمال الإبداعية في النهاية لكن مجلس أمناء الجائزة يري أن هناك اختلافات جذرية بين رواية كتبها كاتب في الثانية والأربعين من عمره وأخري كتبها كاتب في الثامنة والثلاثين.
تحتل الرواية المرتبة الأولي من حيث القيمة المادية للجوائز المخصصة لها كنوع أدبي، حيث تبلغ قيمة الجوائز الأدبية المخصصة للرواية سنوياً حوالي مليون ومائة ألف دولار أمريكي، تليها القصة القصيرة التي تبلغ حصتها سنوياً 185 ألف دولار. وتأتي الجوائز المخصصة للنقد الأدبي والثقافي في المرتبة الثالثة حيث تبلغ حصتها السنوية حوالي 168ألف دولار. ثم الشعر الفصيح والموزون وتبلغ حصته سنوياً 121 ألف دولار سنوياً. أما شعر العامية فنصيبه 23 ألف دولار أمريكي هي قيمة جائزة أحمد فؤاد نجم الحديثة، وجائزة الدولة التشجيعية لشعر العامية.
أما النوع الأدبي اليتيم وسط بقية الأنواع فهو قصيدة النثر، فهذا الفن منبوذ تماماً لا توجد ولا جائزة مخصصة باسم قصيدة النثر. والجوائز الخليجية الشعرية لديها موقف حاسم من قصيدة النثر حيث دائماً ما تحتوي علي شرط يؤكد ضرورة أن تكون القصائد عمودية موزونة أو من شعر التفعيلة الحر. بينما في مصر هناك بعض التسامح خصوصاً في جوائز الدولة حيث لا تضع تمييزا بين قصيدة النثر والشعر العمودي أو الشعر الموزون. رغم هذا النبذ من جنة الجوائز الأدبية لقصيدة النثر إلا أن كبار شعراء قصيدة النثر يحصدون الكثير من الجوائز الأدبية التي تمنح لشخصهم تقديراً لدورهم الإبداعي ومجمل أعمالهم. وهو وضع كاشف لسياسات الجوائز الأدبية ففي الخليج العربي يظل دعم الجوائز موجهاً للشعر العمودي الموزون ونلمح كيف في أهداف تلك الجوائز تتكرر عبارات تشدد علي أهمية الحفاظ علي تراث الشعر العربي والهوية العربية، لكن في ذات الوقت تحتاج إلي أسماء الشعراء الكبار لمنح اسم الجائزة قدرا من الشهرة والمصداقية، وهم بطبيعة الحال يكونون من زوار أرض قصيدة النثر إن لم يكونوا من كتابها.
الآثار الحقيقية لأموال الجوائز لم تظهر كاملة بعد. فرقم 2.5 مليون دولار ليس بالرقم القليل ومرشح للزيادة، وهو كفيل بنشأة عالم أدبي كامل مخصص لأدب الجوائز. تمنح الجوائز الحياة لأنواع أدبية لا نجد لها تمثيلاً في المشهد الأدبي الآن. فمن النادر علي سبيل المثال إذا دخلنا مكتبة أن نجد دواوين شعر عمودي لشعراء معاصرين، لكن ينمو ويترعرع هذا الشكل الأدبي في ظل الإنفاق الخليجي عليه وعلي جوائزه. المؤكد في ظل هذا المشهد أن مال الجوائز أصبح يلعب دورا رئيسيا في المشهد الأدبي العربي، بل وقادر علي فرض مركزية وسطوة لتيارات أدبية بعينها بشكل سيظهر أثره بشكل أوضح في المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.