لا شك أن وزير الداخلية اللواء منصور العيسوي رجل طيب ومهذب. لكن يبدو أن هذه الطيبة لا تجعله يستطيع أن يدير جهاز الشرطة بكفاءة بعد ثورة 25 يناير العظيمة. فقد أتوا بالرجل من المعاش، وطالما يحمل رتبة لواء فربما يستطيع إدارة هذا الجهاز الذي احتقر المواطنين وأهدر كرامتهم على يد النظام السابق، ووزير داخليته اللواء حبيب العادلي «المسجون»، وتطهيره من الفساد والفاسدين. ولأن الرجل شارك في الثورة حتى ولو وكان بمشاهدته لها من شرفة شقته، حيث رأى الثوار في الشارع الذي يسكن فيه يهتفون «الشعب يريد إسقاط النظام» تحت وابل من القنابل المسيلة للدموع منتهية الصلاحية، والرصاص الخرطوش في محاولتهم الوصول إلى ميدان التحرير في جمعة الغضب يوم 28 يناير، فربما ذلك يجعله على معرفة بمطالب الشعب في الحرية والكرامة، إلا أنه لم يخيب ظن قيادات وزارة الداخلية، سواء المسجونين أو الذين لا يزالون يمارسون القهر والإذلال من مكاتبهم في لاظوغلي، أو في مديريات الأمن وأقسام الشرطة في إدارة أمور الجهاز بالعقلية نفسها التي كانت تدار بها في العهود السابقة. فمنذ تولي اللواء منصور العيسوي رأس وزارة الداخلية في حكومة الدكتور عصام شرف، وهو لم يفعل شيئا في رفع الظلم والقهر عن المواطنين، ولم يحاسب أحدا على أفعالهم الشنيعة في حق الشعب. فقد صرفوا له الوزارة، وقالوا له: اذهب أنت ودبر شؤون أجهزتها بعد انهيارها على يد لواءات العهد السابق، فاكتفى الرجل بالحفاظ على من أهدروها وأهدروا دماء الشهداء في ميادين الوطن. لم يفكر الرجل في فتح تحقيق داخلي عن أسباب انهيار الداخلية يوم 28 يناير والانفلات الأمني الذي عم الوطن. لم يفكر الرجل في فتح تحقيق داخلي عمن قاموا بقتل الثوار في محافظات مصر المختلفة. لم يفكر الرجل في فتح تحقيق داخلي عن إحراق الشرطة مقرات مباحث أمن الدولة. ولم يجر تحقيقا عن فتح السجون، وسرقة الأسلحة، وإطلاق المساجين الجنائيين لترويع المواطنين أيام الثورة. نعم.. إنه قام بنقل بعض من شاركوا في قتل الثوار والمتظاهرين، الذين تجرى محاكمتهم، من أماكنهم إلى أماكن أخرى، ليبقي عليهم، بل إنه رقى البعض منهم وقربهم منه، ودافع عنهم، لعلهم يساعدونه في إدارة الوزارة! وحافظ على قيادات جهاز أمن الدولة «المنحل» في مسماه الجديد «الأمن الوطني» لعلهم أيضا يساعدونه في إدارة الوزارة.. فالرجل بلغ من الكبر عتيا، وترك العمل الأمني منذ سنوات طويلة، وربما لم يعد يعرف دهاليز أجهزة الوزارة وأذرعها الطويلة التي كانت ممتدة إلى جميع المؤسسات المختلفة من وزارات أخرى وأحزاب ونقابات وغيرها. وعلى الرغم من كل ذلك لم يستطع الرجل استعادة الأمن وانضباط ضباطه، فغاب البعض عن أعمالهم، وإن ذهبوا إلى عملهم ذهبوا كسالى، أو ضاربين عرض الحائط بما قام به الشعب في ثورته من أجل الحرية والكرامة، فاستمروا في أفعالهم من قهر المواطنين وتعذيبهم في أقسام الشرطة تحت حجة استعادة «الهيبة»، هيبة الضابط التي تعلموها من قياداتهم في إهدار كرامة الناس والعباد. لقد كشف ما حدث يومي الثلاثاء والأربعاء 28 و29 يونيو الماضي الفشل الذريع للشرطة في تعاملها مع المواطنين. فلا يعقل أن تستمر سياسة القمع والقهر كما كانت في العهد البائد. لقد خرجت قوات الشرطة مساء يوم الثلاثاء من وزارة الداخلية بلاظوغلي إلى ميدان التحرير بمدرعاتها وبأمنها المركزي، وبلطجيتها لضرب الثوار وأسر الشهداء، والغريب أن اللواء منصور عيسوي أعلن أنه أمر بسحب القوات فجر الأربعاء إلى وزارة الداخلية بعد أن حققت انتصارا على المتظاهرين، وإصابة ما يزيد على ألف منهم، وقد حدث هذا بالفعل. عادت القوات مرة أخرى في الصباح مصحوبة بمزيد من البلطجية وضابط يحمل سيفا يرقص به ويهدد به المتظاهرين في حركات غريبة وشائنة، كأن السيد اللواء لم يصدر أمرا بسحبهم، أو قل إنه لم يكن يدير تلك الغزوة على المتظاهرين! فمن يدير الوزارة ويصدر أوامر مخالفة لإعلان الوزير؟! إنه أمر غريب فعلا، لكنه يؤكد أن هناك من يدير الوزارة غير الوزير. فيا أيها الوزير اللواء منصور عيسوي، الشعب يريد تطهير الشرطة، فإن لم تستطع فاستقل يرحمك ويرحمنا الله