ما يحدث من عصيان واعتصام من أمناء الشرطة، يؤكد أن الانفلات الأمنى لا يزال قائما.. فلا الوزير منصور عيسوى فعل شيئا عبر 7 أشهر من توليه وزارة الداخلية، لحل الأزمة التى تركتها عصابة النظام المخلوع، ولا حكومة شرف فعلت شيئا أيضا.. حتى المجلس العسكرى يتفرج ولا يفعل شيئا. وقد بدا الأمر لوزارة الداخلية وكأن اعتصام وإضراب أمناء الشرطة مفاجئ، وهو أمر غريب يؤكد الانفلات الأمنى الذى ورثته الوزارة، ولا تزال ترعاه حتى الآن. فخلال الأسبوع الماضى قامت مجموعة ممن يطلقون على أنفسهم «الائتلاف العام لأمناء وأفراد هيئة الشرطة» بتوزيع منشور موجه إلى أمناء وأفراد الشرطة والعاملين المدنيين بالوزارة، يشرحون فيه الحالة التى عليها هؤلاء الآن، ومطالبهم من الوزارة. واختُتم المنشور ب«وليعلم الجميع أن هناك إضرابا عاما وشاملا واعتصاما مفتوحا وعصيانا مدنيا يوم 24/10/2011 على مستوى الجمهورية وانقطاعا عن العمل فى كل مكان، وأن هذه الوقفة إما نكون أو لا نكون، وليعلم الجميع أن الوزارة معتادة على أنها لا تعطى إلا مع لى ذراعها».. وتم وضع 7 أرقام تليفونات فى نهاية المنشور للاستفسار! وطبعا من حق أمناء الشرطة والعاملين المدنيين بالداخلية المطالبة بحقوقهم مثلهم مثل أى فئة، وقد ساعدتهم ثورة 25 يناير على رفع مطالبهم ومظالمهم إلى الوزير والحكومة، وهم الذين كانوا فى الثورة ضد الثوار والمتظاهرين، ومن بينهم من أطلق النار على المتظاهرين السلميين، ومنهم متهمون بالقتل، وبعضهم شارك فى التعذيب بأوامر من قياداته، ومنهم من كان يفرض الإتاوات على المواطنين، ومنهم من يمتلك سيارات ميكروباص ويسيرها. وقد شارك كل هؤلاء الأمناء فى الانفلات الأمنى وانسحبوا جميعا من أماكنهم أيام الثورة ويتباطؤون جميعا فى عودتهم إلى أعمالهم بمعرفة رؤسائهم من الضباط الكبار، الذين لا يزالون حتى الآن يدينون بالولاء والطاعة لوزير الداخلية السابق المسجون حبيب العادلى وأفراد العصابة التى كانت تحكم الداخلية. فحتى الآن لا تعترف وزارة الداخلية بأن هناك ثورة خرج الشعب فيها ضد الظلم والطغيان وضد النظام السابق، الذى كانت أداته عصابة وزارة الداخلية فى قهر المواطنين وتعذيبهم ورعاية الفساد والمفسدين وتزوير الانتخابات مقابل حصول الضباط على الحظوة والثروة والنفوذ. ولا تزال الداخلية تدار بهذه العقلية، فلا أحد يعرف حتى الآن وبعد الثورة مرتبات ومكافآت كبار الضباط التى تصل مع البعض إلى مئات الألوف بل والملايين شهريا، بما فى ذلك الوزير نفسه. الغريب فى اعتصام وعصيان أمناء الشرطة أنهم هاجموا الوزير منصور عيسوى -وهذا شىء طبيعى- وهتفوا باسم اللواء محمود وجدى، وزير الداخلية السابق، وهو الذى جرت موقعة الجمل وإطلاق الحزب الوطنى البلطجية على المتظاهرين فى ميدان التحرير تحت رعايته. لقد صرفوا الوزير منصور عيسوى وأتوا به من المعاش ليكون وزيرا للداخلية فى تلك المرحلة الحرجة، التى طالبت فيها الثورة بإعادة هيكلتها، وتركوه وحده ليلقى مصيره، فالرجل طيب جدا، لكنه ليست لديه استراتيجية لإعادة «الداخلية» مرة أخرى إلى العمل بشكل كامل وإعادة ثقة المواطنين فى ضباطها. ولا الحكومة لديها أى خطة نحو تطوير الوزارة التى هى من أهم الوزارات فى الدولة ومرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين. ولا المجلس العسكرى فعل أى شىء، ولم يستمع إلى اقتراحات الكثيرين لخروج وزارة الداخلية من مأزقها، بل إنه فعل العكس ولم يجد سوى الشرطة العسكرية لتساعد قوات الأمن فى ضرب المتظاهرين، وبدت الشرطة العسكرية أسوأ فى سلوكها مع المواطنين مما تفعله قوات الأمن، ليخسر المجلس العسكرى الكثير. إن هناك تعمدا يشارك فيه الجميع (وزارة الداخلية والحكومة والمجلس العسكرى) أن يظل الموقف الأمنى كما هو.. لصالح مَن يستمر هذا الانفلات الأمنى؟! ولصالح من يستمر الوزير عيسوى فى منصبه؟! ولصالح من تستمر حكومة شرف الضعيفة؟! وإلى متى يظل المجلس العسكرى يدير شؤون البلاد، أقصد يحكم، ولا يفعل شيئا؟! نحن مقبلون على انتخابات برلمانية، وهناك تحذيرات كثيرة من عدم اكتمالها نتيجة الانفلات الأمنى والبلطجية والفلول.. فهل هناك سيناريوهات بديلة؟!