كنت أتمنى أن يكون احتفالنا بثورة يناير هذا العام أكثر التصاقًا بالمستقبل، وأكثر اهتمامًا بهموم المواطن العادى، كنت أتمنى -على سبيل المثال- أن نطلق فى هذه المناسبة مبادرة جديدة لإقامة مشروع صناعى كبير فى كل محافظة، تتكفل الدولة بنصف تكاليفه، وتفتح باب الاكتتاب لمواطنى المحافظة للإسهام بالنصف الباقى. أعرف أن جهودًا كثيرة تُبذَل فى هذا المجال، ولكن مثل هذه المبادرة -فى تصوُّرى- ستكون رسالة مختصَرة بأننا قد تركنا الماضى وراءنا وأننا قد بدأنا بالفعل فى بناء المستقبل، وأننا نريد أن نبنيه على أسس جديدة يستعيد فيها المواطن إحساسه بأنه صاحب هذا البلد، وتشعر فيه مصر -بكل محافظاتها- بأن قطار التنمية سيصل إليها، ويدرك العالم كله أن مرحلة إسقاط النظام القديم قد انتهت مع الاستفتاء على الدستور، وأن مرحلة بناء النظام الجديد قد بدأت، وأن مصر تحشد كل جهودها الآن من أجل البناء. كنت أتمنَّى أن نعلن أن هذه هى الخطوة الأولى فى مشروع يستهدف خلق مليونَى فرصة عمل جديدة نحتاج إليها بشدة لمواجهة خطر البطالة الذى تفاقم فى ظلّ الظروف التى سادت فى السنوات الأخيرة مع توقف السياحة وتعطُّل الكثير من المصانع، وأن نعلن أن فرص العمل الجديدة لن تكون عبئًا على ميزانية الدولة، كما حدث من قبل، ولكنها ستكون مرتبطة بالتوسُّع فى الإنتاج وبعودة الحركة الاقتصادية وزيادة معدلات التنمية وضخّ الاستثمارات الجديدة. وكنت أتمنى أن يتوافق مع ذلك الإعلان عن رؤية لمرحلة إصلاح سريع تبثّ الأمل عند المواطن العادى فى أن حياته ستتحسَّن يومًا بعد يوم، وتشرح له المصاعب الموجودة وكيف سنتخطاها، والجهود المطلوبة من كل الأطراف بعد أن تخطينا أصعب المراحل، وبعد أن أسقطنا فاشية الإخوان وبدأنا السير فى الطريق الصحيح لبناء مصر على أسس ثابتة. خطاب الأمل المطلوب لا يعنى الابتعاد عن الواقع، بل ينطلق منه ويبنى على أساسه، من الناحية الاقتصادية نحن نملك كل إمكانيات التقدم؛ من الناحية السياسية أنجزنا دستورًا يليق بمصر الثورة ونستكمل باقى البرنامج السياسى بانتخابات الرئاسة والبرلمان. من الناحية الأمنية ضربنا كل مخططات الإرهاب ونحن الآن فى طريق التصفية النهائية له، وهزمنا كل مخططات استنزاف الدولة وتعطيل خارطة المستقبل، ثم جمعنا كل ذلك فى المشهد الرائع للملايين وهى تخرج فى يوم الاستفتاء لتكتب شهادة وفاة التنظيم الإخوانى الفاشى، ولتؤكِّد أن الماضى لن يعود، وأن الشعب الذى استردَّ فى 30 يونيو ثورته التى اختُطفت، لن يفرِّط مرة أخرى فى الثورة، ولن يسمح للفساد أو الاستبداد أو الفاشية بأن تتحكم فى مصيره مرة أخرى. خطاب الأمل المطلوب وخطوات تنفيذه على الأرض، هى أبسط ترجمة لخروج الملايين فى يوم الاستفتاء، هذا الخروج لا يعنى إلا أن هذا الشعب العظيم يعطينا درسًا جديدًا فى أن ثقته بالنصر على كل أعداء الوطن بلا حدود، وأن إيمانه بأن الحق سينتصر وأن الوطن الذى نحلم به سيتحقق لم ينقطع يومًا.. فما هذا الخبل الذى نراه فى التعامى عن كل ذلك، والتعامل مع الموقف كأننا ما زلنا معًا فى مرحلة ما قبل الاستفتاء.. بل وأحيانًا ما قبل 30 يونيو؟! زمن الإخوان مضى، حكم الشعب على التنظيم الإرهابى وكتب نهايته، يهددون هم وحلفاؤهم من باقى العصابات الإرهابية بالانتقام، وربما ينجحون فى ارتكاب جريمة هنا أو هناك، ولكن هذا لا يبرر إثارة الفزع أو تعطيل المسيرة، فلنتذكر أنهم كانوا فى الحكم، وكان معهم دعم بعض القُوى الكبرى السياسى والمالى، ومع ذلك سقطوا بلا رجعة حين تَوَحَّدَت إرادة الشعب وانحاز الجيش لهذه الإرادة. زمن الإخوان مضى، لم يبقَ منهم إلا «المطاريد» الذين يحاولون تعطيل مسيرتنا ولن ينجحوا، وإلا عصابات إرهاب سنستأصلها من جذورها، وإلا محاولات التخريب والتدمير التى يتصدى لها الأمن بشجاعة، وإلا محاولة استجداء التدخُّل الأجنبى التى لا يفعلها إلا الخونة فى كل العصور والتى لن تنجح أمام شعب كل تاريخه يقول إنه يعرف كيف يسحق الخيانة وكيف يحافظ على طهارة أرضه. فلنكُن جميعًا على مستوى المسؤولية، خروج الملايين فى يوم الاستفتاء يعطينا ثقة تكفى لكى نزيح كل ما تبقى من مخلفات الماضى، ولكى نواجه كل المؤامرات، ولكى نترك «إخوان الإرهاب» وحلفاءهم ينتحرون، بينما تمضى مصر على طريق البناء، اتركوهم يموتوا بغيظهم وبإرهابهم.. بينما مصر تفتح كل أبواب الأمل بإرادة شعب لا يعرف المستحيل.