فى نفس اليوم الذى بدأت فيه لجنة الخمسين التصويت النهائى على مواد الدستور، كانت أجهزة الأمن تلقى القبض على قيادة «الإخوان» المحلية لمدينة الإسكندرية وفى حوزتها المخططات الكاملة لعمليات التخريب خلال الشهور القادمة بهدف تعطيل الاستفتاء على الدستور وقطع الطريق على تنفيذ خريطة المستقبل. ليس فى الأمر مفاجأة. وما ضُبط فى الإسكندرية موجود لدى باقى قيادات الإخوان فى كل محافظات مصر. والهدف معلَن والمخططات جاهزة لمحاولة تعطيل الحياة وإثارة الاضطرابات وإشعال الموقف فى الجامعات، والتأثير السلبى على الإنتاج والسياحة، وتعطيل المرافق العامة وإثارة الذعر بين الناس، ومحاولة تشتيت انتباه الدولة حتى لا تمضى قدمًا فى سحق الإرهاب والقضاء على فصائله المختلفة فى سيناء وداخل الوادى. فشل هذه المخططات حتمىّ، لأن الشعب هو الذى يواجهها ويتصدى لها بعد أن كشف حقيقة «الإخوان» وجرب مأساة حكمهم، ودفع ثمن تحالفهم مع باقى عصابات الإرهاب، وتفريطهم فى مصالح الوطن. لكن.. علينا الانتباه جيدًا إلى ضرورة الحفاظ على تحالف الثورة الذى أسقط حكم الإخوان الفاشى فى يونيو، وعلينا أن لا نفتح الثغرات فى صفوفنا بقرارات خاطئة، أو بتناسى الحقيقة الأساسية وهى أننا فى حالة حرب حقيقية، وأن ما بدأناه معًا بالثورة لا بد أن نكمله ببناء الدولة التى نحلم بها، رغم مقاومة تحالف الإرهاب وخيانتهم للوطن وللثورة. فى هذا الإطار ينبغى أن ننظر إلى معركة الدستور باعتبارها جزءًا من هذه الحرب، وأن ندرك أنه إذا كان تحالف الإرهاب بقيادة الإخوان سيحاول تعطيل مسيرتنا بكل الطرق، فإن علينا أن نزداد تصميمًا على المضىّ قدمًا فى تنفيذ خططنا لإنهاء المرحلة الانتقالية بسرعة، والأهم من ذلك أن تكون خطواتنا -بما فيها الدستور الجديد- عاملاً لتحقيق التوافق وتوحيد الصفوف والحفاظ على تحالف 30 يونيو الذى استعاد الثورة وأنقذ الدولة من الفاشية والانهيار. منذ البداية كان لى رأى يفضل مسارًا دستوريا مختلفًا. الآن علينا جميعًا أن نتوجه إلى المستقبل وأن نقدم كل العون لنجتاز هذه المرحلة ونمضى للأمام. الجزء الأول من مسودة الدستور مرَّ بتوافق كبير، واحتوى على إنجازات كبيرة فى مجال الحريات. الاختلافات فى الرأى ستكون أكبر حول ما يتعلق بنظام الحكم والانتخابات. الأمر طبيعى لأننا نضع الدستور فى فترة مضطربة، وبعد ثورة أسقطت نظامين فى ثلاث سنوات، وفى ظل الخشية من عودة الاستبداد أو سيادة الفوضى! لهذا اختارت لجنة الخمسين طريقًا وسطًا بين النظام الرئاسى والنظام البرلمانى، بينما يرى الكثيرون أننا فى حاجة إلى رئاسة قوية تستطيع مواجهة التحديات الهائلة فى هذه المرحلة. واختارت اللجنة طريقًا وسطًا بين الانتخابات بالقائمة والانتخابات الفردية على أمل الجمع بين مزايا النظامين، بينما يرى الكثيرون أن الاحتمال الأكبر أن يتم الجمع بين مساوئ النظامين، خصوصا بعد تجارب سابقة لم تنجح أو لم تستمر بحكم القضاء. والأمر هنا لا يعنى المواءمة بقدر ما يعنى تأجيل الحسم، وهو ما يعنى أن على الجميع أن يتصرف بمنطق أن هذا ليس نهاية العالم، بل نحن أمام مشروع دستور نعبر به هذه المرحلة الصعبة ونؤسس للدولة الجديدة، وبعدها نستطيع التفكير بهدوء وتعديل ما نراه بعد ذلك. إذا كان الأمر كذلك فإن القضية الأجدر بالنظر إليها من هذا المنظور، هى قضية تمثيل العمال والفلاحين. التى لا ينبغى التعامل معها بما تقوله الكتب، بل بما يقوله الواقع وتفرضه المصلحة الوطنية. نريد -قبل كل شىء- أن نحافظ على تحالف الثورة، وأن تحتشد الملايين التى خرجت فى 30 يونيو مرة أخرى فى يوم الاستفتاء لتجدد الحكم بإنهاء الفاشية، ولتؤكد وحدتها فى مواجهة الإرهاب، وفى بناء الدولة المدنية الحديثة، وفى ترسيخ استقلال الإرادة الوطنية وإصرارها على تحقيق أهداف الثورة. دستورنا ينبغى أن يكون خطوة لحماية الثورة. وحدتنا هى الدستور الأعظم، والباقى كله تفاصيل!