أمر طبيعى أن تختلف وجهات النظر داخل لجنة الخمسين وهى تضع الدستور الجديد.. لكن المزعج حقًّا أن يتوه الهدف أو تختفى الرؤية العامة أو تتحكم المصالح الفئوية الضيقة على حساب المصلحة العامة! كنا نفضّل مسارًا آخر يكون فيه لدينا دستور مؤقت حتى نتوافق على دستور جديد يعكس أهداف الثورة، ونأخذ الوقت الكافى لإعداده، لكن ضغط الأحداث فرض هذا الطريق الذى لا بد أن نكمله بأفضل طريقة ممكنة، وبإدراك حقيقى أن معركة الدستور ستكون فاصلة فى مصير الثورة ومستقبل الدولة الحديثة التى نسعى لبنائها. لماذا القلق؟! لأن ما يحدث فى لجنة الخمسين يعكس ما يدور فى حياتنا السياسية.. البعض يكرر نفس الأخطاء التى وقعنا فيها بعد ثورة يناير ودفعنا ثمنها غاليًا، حين تصورنا أن الأمر انتهى بسقوط مبارك، وتفرقت صفوف الثوار ليتمكن الإخوان من سرقة الثورة! الآن وبعد أن استعدنا الثورة والدولة فى 30 يونيو، يتكرر نفس الخطأ.. وفى الوقت الذى يخوض فيه حربًا شرسة ضد فصائل الإرهاب بقيادة الإخوان، وضد قوى إقليمية ودولية لا تريد لمصر أن تنهض ولا لثورتها أن تستكمل انتصارها.. فى هذا الوقت الذى يستلزم حشد كل الجهود، والحفاظ على التحالف الذى أنقذ مصر فى 30 يونيو، نجد من يختلق المعارك ويحاول شَقّ الصف، ونجد المراهقة السياسية تأخذ البعض من مكانه الطبيعى فى صفوف الثورة ليكون عبئًا عليها وعونًا لأعدائها! نعود للدستور وما نتابعه فى لجنة الخمسين. نحن يا سادة لا نكتب درسًا فى الأخلاق الحميدة، بل نُقِيم بناء دستوريًّا يضمن الحريات ويحاول أن يصل إلى أفضل نظام حكم ممكن يصلح لمصر فى هذه الظروف، ونحن يا سادة لا نوزّع المزايا على فئات المجتمع، بل نسعى للتفاهم على ما يحقق مصلحة المجتمع، ونحن يا سادة لا نتنازع على الاختصاصات ولا نسعى للمنافع الخاصة، بل نحاول زيادة المساحة المشتركة التى نعمل فيها جميعًا صفًّا واحدًا كبناء الدولة وحماية الثورة، وفى هذا الإطار فإن المواءمات مطلوبة والحلول الوسط ضرورية.. ما دام الهدف واضحًا والمصلحة العامة هى الأساس. معركة الدستور هى حجر الأساس فى تنفيذ خريطة الطريق وإنهاء الوضع الانتقالى الحالى، ولهذا يخوض أعداؤنا حربًا لا هوادة فيها لتفجير الموقف وتعطيل الدستور وخلق مناخ من الإرهاب لقطع الطريق على الاستفتاء الذى يعرفون أنه سيكون كلمة الثورة ضد فاشية الإخوان وإرهاب تحالفهم الذى يريد نشر الخراب فى أنحاء الوطن. بعض ما تابعناه فى لجنة الخمسين كان لا يليق أن يحدث؛ خناقة الهيئات القضائية حول الاختصاصات! وبعض الخلافات ما زالت محل تشاور نرجو أن ينتهى على خير مثل الخلاف حول الديباجة، لكن الأخطر هو ما تقرر بالفعل وما ينبغى مراجعته فى القراءة النهائية للدستور مثل محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وإلغاء نسبة العمال والفلاحين التى لا يمكن لعقل سياسى أن يستوعبها وهو يعرف أنها تمثل ضربة قاصمة للتحالف الذى أنجز «30 يونيو»، والذى لا بد من الحفاظ عليه ونحن نخوض الحرب ضد الإرهاب ونقاتل لحماية الثورة من أعدائها فى الداخل والخارج. دستور الثورة ينبغى أن يحمى تحالف الثورة وأن يجسّد إرادة الملايين التى خرجت فى يناير ثم انتفضت فى 30 يونيو، والتى ستخرج فى يوم الاستفتاء لتقول كلمتها الحاسمة.. هل تعى لجنة الخمسين هذه المسؤولية قبل فوات الأوان؟!