خلص الدستور والاستفتاء عليه، لكن قراءة نتائجه مغرية كثيرًا، وربما تمثل فواتح شهية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة. الكل تقريبًا وافق على الدستور، لكن ما أكثر المحافظات التى صوّتت بنعم؟ الغربيةوالمنوفيةوالدقهلية، بنسبة 98.7%، المحافظتان الأوليان، غالبية ناخبيهما صوّتوا ب«لا» على الدستور الذى أنجزه الإخوان عام 2012، ففى الغربية مَن صوّت ب«نعم» فى هذا الوقت 47.7%، أما المنوفية فوصلت إلى 48.8%، فى حين أن الدقهلية وصلت فيها نسبة الموافقة على دستور الإخوان 54.8%، وهى نسبة على الحركرك كما تلاحظ، لكن ذلك يعنى أن مزاج المحافظات الثلاث لم يتغير بحدة، وإنما يسير بشكل طبيعى، المحافظات الدلتاوية الثلاث رغم أنها كانت تضم كتلا إخوانية، أغلب الظن أن هذا أمر أصبح تاريخا إلا قليلا، فإنها كانت مناهضة لحكم الإخوان، دعك من أن ارتفاع نسبة المشاركة فى الدستور الحالى مقارنة بدستور الإخوان من 33.9% إلى 52.1% فى الغربية، ومن 34% إلى 53.4% فى المنوفية، ومن 31.5% إلى 49.5% فى الدقهلية «وهو ارتفاع كبير ويقدر بعشرات الآلاف من البشر» يعنى بوضوح أن مقولة «الإخوان يسيطرون ويحشدون فى وجه بحرى»، أسطورة يمكن أن نقرأها فى الكتب الخيالية لا على أرض الواقع. لكن ماذا على الجانب الآخر؟ الأرقام تجيب بأن أقل المحافظات مشاركة فى الاستفتاء هى على الترتيب: مَرسى مطروح 16.2% ثم الفيوم 23.7% ثم سوهاج 23.8% فمحافظة قنا 23.9% ثم أسيوط 24.3% وتليها المنيا 26.2%، وكل هذه المحافظات باستثناء قنا، شهدت مشاركة أكبر من ذلك فى الاستفتاء على دستور الإخوان، وبنسب تفاوتت ما بين 2% وحتى 20% كاملة مثلما حدث فى مطروح. وكل هذه المحافظات باستثناء مطروح أيضا، موجودة فى الصعيد، وجميعها صوّت بأغلبية تتجاوز 60% لدستور الإخوان، فماذا يعنى ذلك؟ مطروح ستظل هكذا إلى أن تذهب الدولة أو العلم أو الأحزاب المدنية «ربنا يديك طولة العمر والأمل» إلى هناك، هى محافظة رجحت كفة مرسى فى جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية البائسة قبل عام ونصف العام، ودعمت عبد المنعم أبو الفتوح فى الجولة الأولى من الانتخابات ذاتها، وكسب فيها السلفيون مقاعدها الفردية كاملة فى انتخابات مجلس الشعب التى لا تقل بؤسًا وجرت فى زمن المجلس العسكرى، ثم هاهى تشارك بنسبة محدودة فى الاستفتاء على الدستور الذى لم يستفرد به الإخوان وحدهم. لاحظ أن تدنى نسبة المشاركة فى مطروح يعنى أن حزب النور لا يملك السيطرة على كل كوادره «وهذه أسطورة تتلاشى عمليا أيضا»، ونحن أصلًا لم نكن بحاجة إلى الذهاب إلى مطروح لمعرفته، وقد ظهر ذلك بوضوح فى المحافظات الأخرى. أما محافظات الصعيد التى خاصم بعضها الاستفتاء بنسب متفاوتة، فالشاهد أن ذلك لا يعكس هوى إخوانى لدى أهل الجنوب، أكثر مما يعكس حالة من حالات «الاستغناء عن الدولة» بكل تفاصيلها، إذ إن الصعيد لم يظفر ب«طيب أو برضا» منذ ثورة 25 يناير قبل ثلاث سنوات، فلا المجلس العسكرى فى فترته الانتقالية المضطربة كان قادرًا على ضبط الأمور فى القاهرة حتى يضبطها على بُعد آلاف الكيلومترات فى الجنوب، ولا مرسى كان مهتما بالأساس بتطوير نمط الحياة فى أى حتة فيك مصر، بينما الشهور المتوترة التى لحقت عزله، كان الصعيد فيها بؤرة أساسية فى خريطة الدم التى سعى الإخوان لنشرها وتزكية نارها على أسس طائفية.. فعلى أى أساس عاوزين الصعيد يطلع ويحتفل ويزغرد أهله ويرقص بالدستور؟ بدخول الفريق السيسى المتوقع إلى الانتخابات الرئاسية، قد لا تتغير النِّسب والأرقام ذاتها، إذ إن المشاركين فى الاستفتاء، كانوا يصوتون على ترشيح السيسى فى ذات البطاقة تقريبا، كما أن ترشحه، سيجعل مسألة المنافسة فى الانتخابات أمرًا غير متوقع، ما لم تحدث مفاجأة، لا يوجد لها أى بشائر الآن، ليكون التحدى الأكبر فى تغير مزاج المشاركة التصويتية فى الانتخابات البرلمانية، خصوصا إذا تمسك الإخوان بدور «المضطهدين»، وتجنبوا خوض الانتخابات، خوفًا من هزيمة تقضى على آخر ما تبقى لهم من أساطير، فمن إذن مستعد ليحشد؟ هذا هو السؤال الصعب.