على مدار ما يزيد على عقد من الزمن، نجح حزب العدالة والتنمية، الذى تعود جذوره إلى جماعة الإخوان المسلمين، فى بناء إمبراطورية سياسية واقتصادية كان يصعب حتى وقت قريب، التكهن بإمكانية سقوطها، لكن سلسلة من الأخطاء والحماقات السياسية وقع فيها أردوغان تضع سحابة من الغموض على مستقبله السياسى فى 2014. وجد نظام أردوغان فى الحركات الاحتجاجية التى اندلعت فى عدد من الدول العربية أبرزها مصر وسوريا وتونس فرصة سانحة لاختبار أحلامه فى إعادة الخلافة العثمانية إلى المنطقة فى ثوب جديد، خصوصا فى ظل صعود جماعات الإسلام السياسى، وعلى رأسها حلفاؤه فى الإخوان المسلمين، فى مصر وتونس. لكن فى عام 2013، تحول الربيع العربى إلى وبال على أردوغان ونظامه، فعلى صعيد السياسة الخارجية، تسبب موقف تركيا-أردوغان من ثورة 30 يونيو فى مصر، ومساندته لجماعة الإخوان، على غير إرادة ملايين المصريين، فى توجيه ضربة قاضية إلى مصداقية هذا الرجل، الذى كان قبل سنوات قليلة يتمتع بشعبية واسعة فى أكبر بلد عربى. بالنسبة إلى سوريا، فقد جعل النظام الإسلامى تركيا معبرا للجهاديين من كل أصقاع الأرض، القادمين لمحاربة النظام الحاكم فى دمشق. ويتخوف مراقبون من أن تركيا قد تدفع ثمنا باهظا لذلك، فى صورة موجات إرهابية، بعد أن يستقر غبار الحرب فى سوريا. أما على الصعيد الداخلى، فقد تلقى النظام عديدا من الضربات القوية، بداية من الصيف الماضى، مع الاحتجاجات القوية فى عدد من أكبر المدن التركية ضد الاستبداد السياسى لأردوغان. ورغم أن الرجل ما زال ينعم بولاء شديد من جانب ناخبين متدينين وصفوة ثرية وهو أمر كاف لبقائه فى السلطة، فإن فضيحة الفساد التى زلزلت أركان حكومته وامتدت إلى أسرته، سيكون لها أثر يصعب علاجه، خصوصا فى أعين أنصاره المحافظين، وهؤلاء لن ينسوا بسهولة اللقطات التليفزيونية لرجال الشرطة وهم يصادرون صناديق أحذية بها مبالغ نقدية من منازل المشتبه بهم وهم أعضاء بحكومته. كما أن الصراع الذى اشتعل، مع حليفه السابق، رجل الدين النافذ فتح الله كولن، يزيد الأمور تعقيدا، فالأخير يقود حركة إسلامية لا تقل شعبية عن حزبه الحاكم.