هذه إشارات سريعة عن أردوغان وما يحدث له الآن من أزمة تهدد حكمه، كما لم يحدث من قبل. الإشارات تخص الطريق الذى قاد الساحر التركى إلى أزمته الحالية/ والتى هى أكبر من قضية فساد مالى زلزلت حكومته/ أو ذهاب سحر ما عرف فى السنوات العشر الأخيرة ب«التجربة التركية». وتأمل معى هذه الإشارات: 1- قضية الفساد ليست سوى فصل من فصول ضياع إمبراطورية أردوغان الافتراضية أمام عينه. 2- وبعد كان نجم الموسم الإسلامى فى المنطقة. والمبشر بالموديل المعجزة (الإسلام + الديمقراطية) أصبح شيطانا تضيق المسافة الافتراضية بينه وبين أممية الجهاد الإسلامى. 3- على الأرض أربك الانفلات الأردوغانى منذ سقوط المرسى التوازنات التى كانت ستقوم عليها الترتيبات الجديدة فى المنطقة. 4- انفلاته كشف افتقاره لمهارة كبيرة فى إخفاء «الانتماء التنظيمى» «الجمود العقائدى» فى لحظة تختار الأكثر خفة وقدرة على تجاوز الحدود الضيقة. 5- وتحول أردوغان بذلك إلى لاعب بمهارة فاقدة الفاعلية. ومعها حسابات خلطته السحرية بين مناوشات الهوية (هو الإسلامى الذى يحكم دولة علمانية) والعلاقة مع الغرب (هو المستقل عن أمريكا والعضو الفاعل للناتو) وتوازنات المنطقة (خطاب ناقد وذكى ضد إسرائيل ومعها والسير الحذر بجوار تايكونات النفط فى الخليج). 6- تركيا/ أردوغان كانت أكثر خفة من إيران فى إقامة جسورها مع العالم العربى، خصوصا مصر، ليس فقط بسبب غياب عنصر المذهب، ولا ميراث الخوف من تصدير ثورة الإمام الخمينى، ولكن لأن تركيا تتحرك بعرباتها التجارية وتضع عليها أعلام الحرية، والأهم أنها كانت موديلا قريبا (مسلمون/ لهم تاريخ قريب/ وغارق فى التوفيقات). 7- لكن بعد استقبال الورود فى أبريل 2012 وضعت مصر أردوغان/ بعد خروجه عن حدود العلاقة بين دولتين/ على رأس سجل شياطينها.. وكان هذا منعطفا هاما فى ذهاب السحر التركى. 8- بعدها خسر أردوغان يوم سقطت أوراقه السياسية. افتقر لمهارات اللاعب السياسى/ الساحر المنتظر. وأصبح أميرًا أيديولوجيا يدافع عن تنظيم/ أممية ويحول إستنبول إلى قبلة الهاربين من نخب الإخوان. 9- الارتباك أفقد أردوغان براجماتيته. وكشف أيضا عن هشاشة موديله الديمقراطى، خصوصا عندما قاد بحماس الترويج لضربة الناتو لسوريا.. والتى لم تتم، لكنها كشفت أن الرجل الطيب القادم من حزب إسلامى فى تكوينه جنرالا أكثر من الجنرالات. 10- ورغم هذا الموقف الهستيرى المؤيد لخيارات أمريكية فإن فقدانه المهارات تباعًا أضاع منه حلم تسلم مفتاح سوريا أدراك أن العالم/ حتى الإمبريالى/ يراجع نفسه وربما سيتردد فى تكرار تاريخه فى العراق وليبيا. 11- وبالتدريج تلاشت المسافة بين أردوغان والإخوان إلى درجة حوّلت تركيا إلى منصة التنظيم الدولى، مما أفقد أردوغان ميزة تفرد «التجربة التركية» أو كونها «الموديل الجديد» لديمقراطية إسلامية حديثة/ فقد كان احتضان القيادات الهاربة من الإخوان هو إعادة استخدام لسلاح «احتضان المعارضة» الذى شهدنا ازدهاره فى مشاحنات الأنظمة العربية مع السادات بعد توقيع اتفاقيات فض الاشتباك الأول بين مصر وإسرائيل لإنهاء حرب أكتوبر 1973. (وهذا سلاح مدمر كما رأيناه فى نسخة «جبهة الصمود والتصدى» مثلا. حيث كانت سلطويتها عائقا أمام تأسيس المعارضة. أو حتى تقوية ودعم جبهات الحرب مع إسرائيل فى نفس الوقت...). 12- هكذا فقد أردوغان سلاح ربط التجارة بالأيديولوجية، حزمة أنيقة، لأن سقوط الإخوان فى القاهرة واهتزازهم فى تونس دفعه إلى اختيار الانحياز إلى الأيديولوجيا متصورا أن تعقد الأزمات من حوله سيجعل القوى الدولية تحتاج إليه باعتباره المرشح الوحيد/ ولم يكن يدرى أن التفاهمات بين أمريكاوإيران ستقلل من هذا الاحتياج وتدفعه إلى اختيارات داخلية أكثر إرباكًا. 13- بمعنى ما لم يعد أردوغان فاعلا فى أزمات المنطقة، وهذا أثقله وزاد من خسارته بعد أن بدا أنه قريب من بناء إمبراطورية الموديل التركى. لكن الأمور تعقدت إلى حد أصبح معه حلم الإمبراطورية جزءًا من «خلاط» أكبر لا أحد مسيطرٌ على إدارته. وتبدو شراكة الأطرف فيه بأوزان تاريخية، لكنها ليست كافية للحسم. فلا القوى العظمى يدها تحرك العالم كله وتفعل ما بدا لها كما كانت أيام بوش/ ولا السعودية وحلفها البترولى/ خارج الخليج وداخله/ تتحرك بنفس الأريحية السابقة على ظهور قطر كمنافس فى تربيط شبكة علاقات مع أطراف متناقضة/ ولا الدول القديمة مثل مصر لها ثقل المغناطيس الجاذب/ ولا حتى الجماهير التى يعول عليها فى العادة أصبحت تعرف أين تقف وفى أى اتجاه؟