محمد إمام عن أسماء جلال: نجمة مصر القادمة    الآلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى المبارك في ساحة أبو الحجاج الأقصري    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير    الآلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى داخل ساحات الأندية ومراكز الشباب في المنيا    محافظ بني سويف يشهد ذبح الأضاحي بإجمالي 225 رأساً لتوزيعها على الأولى بالرعاية    محافظ الجيزة يؤدي صلاة عيد الأضحى بساحة مسجد مصطفى محمود    سعر الذهب في أول أيام عيد الأضحى وعيار 21 الآن 16 يونيو 2024    المالية: 17 مليار دولار إجمالي قيمة البضائع المفرج عنها منذ شهر أبريل الماضى وحتى الآن    فصل لربك وانحر.. فرحة عيد الأضحى بمجزر البساتين.. فيديو    أكثر من 23 ألف ماكينة صرف آلي تعمل خلال إجازة عيد الأضحى    للأسر الأولي بالرعاية.. جمعية الأورمان تذبح 10 رؤوس عجول أضاحى    مقتل جنديين إسرائيليين جراء معارك شمال غزة    حاج مبتور القدمين من قطاع غزة يوجه الشكر للملك سلمان: لولا جهوده لما أتيت إلى مكة    40 ألف فلسطيني يؤدون صلاة عيد الأضحى في المسجد الأقصى    لواء إسرائيلي متقاعد: أي قرار لنتنياهو بمهاجمة حزب الله سيجلب محرقة علينا    فصائل فلسطينية: إيقاع قوة إسرائيلية بكمين محكم في الحي السعودي غرب رفح    هولندا تتحدى بولندا في بداية مشوارها ببطولة يورو 2024    برشلونة يتراجع عن التعاقد مع صفقة الموسم    مراكز شباب القليوبية تستقبل الآلاف من المواطنين فى أول أيام عيد الأضحى المبارك    قائمة منتخب السلة استعدادًا لمعسكر التصفيات المؤهلة للأولمبياد    محافظ القليوبية يقدم الهدايا للأيتام والمسنين والأطقم الطبية أول أيام عيد الأضحى    طقس أول أيام عيد الأضحى.. انخفاض نسبي في درجات الحرارة (فيديو)    العثور على جثة شاب طافية بنهر النيل فى العياط    وفاة سيدة من قنا أثناء أداء مناسك الحج.. تمنتها ونالتها    «الأخوين عرفة» فى «الأضحى»    الهضبة يحيي حفلًا أسطوريا بلبنان    الأرقام مفاجأة.. إيرادات فيلم اللعب مع العيال ل محمد عادل إمام ليلة وقفة العيد    التونسيون يحتفلون ب "العيد الكبير" وسط موروثات شعبية تتوارثها الأجيال    فيديو | بالبلالين والحلوى .. الأطفال يستقبلون عيد الأضحى المبارك    محافظ الشرقية يؤدي صلاة عيد الأضحي بمسجد الفتح وسط جموع المواطنين    محافظ كفرالشيخ يزور الأطفال في مركز الأورام الجديد    11 ساحة تشهد صلاة العيد فى شمال سيناء.. وذبح الأضاحى مجانا بالمجاز    ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس عيد الأضحى    الأوقاف الإسلامية بالقدس: 40 ألف فلسطيني أدوا صلاة عيد الأضحى بالمسجد الأقصى    الزمالك يستأنف تدريباته استعداداً للمصري    محاولة أهلاوية أخيرة لإنقاذ صفقة الجزائري «بلعيد» من الفشل    بن غفير: من قرر تطبيق هدنة في رفح لا يجب أن يبقى في منصبه    أحمد العوضي يذبح الأضحية بنفسه في أول يوم العيد.. سيلفي مع أهالي عين شمس    أسرع قطارات السكة الحديد.. تعرف على أسعار قطار تالجو    بالدف والإنشاد.. آلاف المواطنين يحتفلوا بعيد الأضحى في الأقصر    ما هي السنن التي يستحب فعلها قبل صلاة العيد؟.. الإفتاء تُجيب    لماذا أول أيام عيد الأضحى أفضل وقت للنحر؟.. اغتنم الفرصة    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد بدر.. صور    توافد المصلين لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك بساحات الجيزة.. صور    محافظ جنوب سيناء يشارك مواطني مدينة الطور فرحتهم بليلة عيد الأضحى    العليا للحج: جواز عدم المبيت في منى لكبار السن والمرضى دون فداء    أنغام تحيي أضخم حفلات عيد الأضحى بالكويت وتوجه تهنئة للجمهور    الجمعية المصرية للحساسية والمناعة: مرضى الربو الأكثر تأثرا بالاحترار العالمي    تمنتها ونالتها.. وفاة سيدة قناوية أثناء أداء فريضة الحج    ريهام سعيد: محمد هنيدي تقدم للزواج مني لكن ماما رفضت    متلازمة الصدمة السامة، ارتفاع مصابي بكتيريا آكلة اللحم في اليابان إلى 977 حالة    دعاء لأمي المتوفاة في عيد الأضحى.. اللهم ارحم فقيدة قلبي وآنس وحشتها    93 دولة تدعم المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة جرائم إسرائيل    «الموجة الحارة».. شوارع خالية من المارة وهروب جماعى ل«الشواطئ»    أسماء كبيرة جدًا.. كولر يخطر لجنة التخطيط برحيل رباعي الأهلي (تفاصيل)    مش هينفع أشتغل لراحة الأهلي فقط، عامر حسين يرد على انتقادات عدلي القيعي (فيديو)    للكشف والعلاج مجانا.. عيادة طبية متنقلة للتأمين الطبي بميدان الساعة في دمياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل التجربة التركية تلقى بظلالها على الديمقراطية المصرية الوليدة
نشر في المصريون يوم 09 - 07 - 2012

الدولة العميقة، وصف يطلق على الدولة التى لا يراها الناس، متمثلة فى الجيش والقضاء والخارجية والجهاز الإدارى والبيروقراطى للدولة والذى يبلغ ستة ملايين مواطن، وهذه المؤسسات تدير الدولة بقطع النظر عن الرئيس أو الحزب الحاكم، وحال كشرت هذه المؤسسات عن أنيابها فإنها تكون كفيلة بإجهاض دور الرئيس أو الحكومات أو الأحزاب فى إحداث أى تغيير أو تحول حقيقى؛ لأنه غالبًا ما يكون ضد الديمقراطية وخصوصًا إذا كان لديه أيديولوجية معينة، كما كان الحال فى تركيا قبل وصول حزب الحرية والعدالة للسلطة، وقد تداول هذا المصطلح فى مصر بعد صعود الإخوان فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ثم فوز الرئيس محمد مرسى الذى كان رئيسًا لحزب الحرية والعدالة، والآن طرح السؤال نفسه عن طبيعة العلاقة بين الإخوان والدولة العميقة، وأيهما لديه القدرة على ترويض الآخر وتطويعه؟!
قد يكون من الوارد عقد نوع من المقارنة بين نشأة الجمهورية المصرية بنظيرتها التركية فى بعض الجوانب، فالقوات المسلحة فى كلا البلدين قامت بتأسيس الجمهورية، كما أن الجيش يحظى باحترام شديد لدوره ووطنيته فى كلتا الدولتين، كذلك يُنظر لكل من الرئيسين جمال عبد الناصر، وكمال أتاتورك على أنهما بطلا التحرر الوطنى، كما أن كلاهما أسس نظامًا سياسيًا واحدًا لا يعرف التعددية الحزبية، استمر فى كلتا الدولتين حوالى 22 عامًا، وذلك قبل التحول إلى نظام التعددية المقيدة، الذى استمر فى تركيا حتى انقلاب الجيش عام 1980، وبعده بدأت فى الانتقال نحو الديمقراطية الكاملة، وشهدت حكومات متعددة، حاولت بوسائل متباينة دعم أركان الديمقراطية، إلا أن الحال فى مصر سار فى اتجاه آخر؛ حيث توقفت المياه راكدة فى مكانها، فبقى نفس الرئيس يحكم بنفس السياسات طوال نفس الفترة من الزمن.
والحق أن هناك خبرة تركية طويلة وعريضة فى مجال التحول فى العلاقة بين الجيش والسياسة، تتمثل أبرز جوانبها فى إعلاء دولة القانون، وقد نجحت التجربة التركية ببراعة فى أن تفرض على كل أطراف الساحة السياسية بما فى ذلك الجيش احترام سيادة القانون بقطع النظر عن رأيهم فيه، فمن المعروف أن تركيا أسست نموذجًًَا علمانيًا متطرفًا فى بعض جوانبه، لكنه بقى فى النهاية محكومًا بالقانون، وهو ما ألقى بظلاله على كل التيارات السياسية المتباينة، وخاصة الإسلامية منها، من حيث تفهمها لقواعد اللعبة واحترامها، حتى ولو اختلفت مع بعض جوانبها، كما فعلت حكومة العدالة والتنمية، حيث تمكنت من التغيير من الداخل، على عكس ما فعلت حكومة أربكان، حيث لم تدرك سقف الرفض، وحاولت هدم قواعد اللعبة، مما أدى إلى محاصرتها واستبعادها.
د.الصفصافى: النموذج التركى قابل للتحقق فى مصر بسبب تشابه الظروف
أوضح الدكتور الصفصافى أحمد رئيس وحدة الدراسات التركية بمركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس أنه منذ إعلان الجمهورية عام 1923، وصدور أول دستور تركى فى عهد الجمهورية عام 1924، جعل كمال أتاتورك الجيش هو الحارس على المبادئ الستة للجمهورية التركية التى أعلنت فى تلك الفترة، وظل الجيش التركى هو المهيمن على الحياة السياسية إلى أن توفى كمال أتاتورك عام 1938، ثم جاء بعده عصمت أنينو فأعطى للجيش نفس السلطة، وظل الجيش هو الحامى للمبادئ الجمهورية، وبخاصة مبدأ العلمانية الذى كان يحارب التيار الدينى حربًا شعواء وقاسية جدًا، وبعد الحرب العالمية الثانية التى هزمت فيها الدول ذات الحزب الواحد، ففهم عصمت أنينو هذه الإشارة وفتح تعدد الآراء، لكن كان ذلك داخل حزب الشعب الجمهورى الذى كان يرأسه أنينو بعد أتاتورك، وبالتالى سُمح بتشكيل الحزب الديمقراطى، واستطاع الحزب الديمقراطى اعتمادًا على الدعاية ومداعبة الشعور الدينى لدى الشعب التركى، أن يصل إلى الحكم على مدى مرحلتين متتاليتين، واتجه الحزب فى مرحلته الثانية إلى رجال الأعمال والصناعة وأهمل الطبقات الدنيا وكان منهم صغار الضباط، فقام الجيش فى مايو 1960 بانقلاب على الحياة الديمقراطية، وألغى الدستور، لكن بعد عامين سمح مرة أخرى بتشكيل الأحزاب السياسية، لكن كان الجيش صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، كذلك مرت تركيا بمرحلة الحكومات الائتلافية من عام 1970 : 1980 زاد فيها العنف والعنف المضاد بين اليسار واليمين، الشيوعيين والاشتراكيين، وانتشر الإرهاب مما أفقد تركيا فى هذه السنوات العشر أضعاف من فقدتهم أثناء حرب الاستقلال التى كانت ضد الحلفاء فى الحرب العالمية الأولى، مما أدى بالجيش إلى التدخل والقيام بانقلاب للمرة الثانية فى سبتمبر 1980، وجاء كنعان إيفرين قائد الانقلاب ليكون رئيس جمهورية، وكان الدستور يشترط أن يكون رئيس الجمهورية من كبار جنرالات الجيش، وبالتالى كان الجيش إلى جانب النواحى العسكرية، يسيطر على السلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس الجمهورية، وبالتالى كانت تدخلاتهم فى الحياة السياسية سافرة جدًا، فى تلك الفترة بدأت الأحزاب السياسية تعمل فى العلن بزعامة نجم الدين أربكان، لكنهم كانوا يقفون له بالمرصاد ووجهوا له أكثر من إنذار، ونفى ومنع من ممارسة الحياة السياسية لمدة عشر سنوات، بعد انقضاء هذه المدة، عاد لممارسة الحياة مرة أخرى، وتتلمذ على يديه أردوغان، وعبد الله جول وغيرهما، وتمثلت مشكلة أربكان فى أنه كان صداميًا، ولم يدرك أن الجيش هو المؤسسة الأقوى، التى تتدخل فى كل صغيرة وكبيرة وتتحين الفرص لضرب التيار الإسلامى من كل نواحيه، الجيل الثانى فى حزب الرفاه، وحزب الفضيلة من بعده الذين تزعمهما أردوغان وجول وبابا جان الذين كانوا يمثلون الصف الثانى أوالجناح الشبابى فى حزب الفضيلة الذى كان يتزعمه أربكان، أدركوا بذكائهم وخبرتهم، وممارستهم السياسية فى المحليات على وجه الخصوص، فأى واحد منهم قضى على الأقل عشر سنوات فى المحليات، وبالتالى تمرسوا فى العمل السياسى، لكنهم وجدوا أن الجيش مازال هو القوة الضاربة والمسيطرة، فاستخدموا ذكاءهم عندما انفصلوا عن أربكان وكونوا حزب العدالة والتنمية، كانت تركيا ما زالت تسعى للدخول إلى الاتحاد الأوروبى، فاعتمدوا بذكائهم على هذه النقطة أن الاتحاد الأوروبى ليس للجيش فيه دور سياسى، وإنما الجيش يكون فقط فى المعسكرات، ولكى ندخل الاتحاد الأوروبى على الجيش أن تخف وطأته على الحياة السياسية، وينسحب منها إلى معسكراته، وحينما جاءت حرب العراق كان الجيش التركى يريد أن يعطى تسهيلات للولايات المتحدة الأمريكية2003، إلا أن مجلس الشعب التركى أخذ قرارًا بعدم دخول الحرب، وعدم السماح للطيران الأمريكى بالتحليق فى السماء التركية، ومن هنا بدأت الهيئة السياسية لحزب العدالة والتنمية فى الضغط على الجيش فى العودة إلى ثكناته ليسهل مهمة الدخول للاتحاد الأوربى، كما كان للجيش التركى مشروعات ضخمة مع حلف الناتو، وكان الجيش يمارسها بشكل مباشر، وكأن الدولة غير موجودة، فبدأ أيضًا اللجوء إلى مجلس الأمة الجديد، وبالاستفتاءات الشعبية بدأ يسحب هذه الأشياء من الجيش رويدًا رويدًا، وبدأ الاتفاق على أن أى مشروع يتم مع حلف الناتو، لابد من موافقة الحكومة عليه قبل أن يبدى الجيش رأيه النهائى فى هذا الأمر، مما أدى إلى أقلمة الجيش مع الوضع الجديد، كما حدث صدام آخر بسبب حجاب زوجتى جول وأردوغان، فكان الجيش يرفض حضور الحفلات التى توجد فيها زوجتهما، ولا يحيهم التحية العسكرية، فاتخذ مجلس الشعب قرارًا أنه على الجيش أن يخضع للسلطة الأعلى منه وهى سلطة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء الذين يديرون البلاد، وعلى الجيش أن يكون طوعًا لهما، كان مجلس الأمن القومى أغلبيته من العسكريين، فتدخل بعد أن تمكن حزب العدالة والتنمية فى المرحلة الثانية، بدأ يحد من نفوذ الجيش فى السيطرة على مجلس الأمن القومى، وبدأ رئيس الوزراء التدخل فى تعيين رئيس هيئة الأركان، بعدما كان قواد الأفرع بالجيش هم الذين يختارون من بينهم القائد العام، ورئيس هيئة الأركان، ونحج أردوغان ورفاقه بعد أن أصبحت الأغلبية مدنية فى تعيين المناصب العليا فى الجيش، كما ألغى قرار حظر ترقى الضباط المعروفين بالميول الإسلامية، وأصبح من حق أى ضابط بغض النظر عن ميوله أن يصل إلى أعلى المناصب.
كما كان الجيش معتمدًا على المحكمة الدستورية العليا التى كانت مضادة للتيار الإسلامى، وتساند الجيش، نجحوا أيضًا اعتمادًا على الأغلبية التى حققوها فى المرحلة الثانية، بأن يكون لهم الرأى فى تعيين رئيس المحكمة الدستورية، وبالتالى نجحوا فى أن يأتوا بمن يؤيدهم، وبالتالى ضمنوا ألا تصدر عن المحكمة الدستورية العليا قرارات بحل الأحزاب، كما نجح حزب العدالة والتنمية فى انتزاع حق إلغاء الأحزاب من المؤسسة العسكرية ومن المحكمة الدستورية العليا، وأصبح الذى له حق حل الأحزاب هو النظام الحاكم أو انسحاب أعضاء مجلس الشعب بأغلبية الثلثين، أو أن تكون هناك قضايا كبيرة يحكم فيها من المحاكم العادية، ثم جاءت قضية شبه انقلاب من الجيش من مجموعة جنرالات قدامى ثبت أنهم كانوا يعملون على انقلاب عسكرى ضد التيار الإسلامى، فقبض عليهم وتم التحقيق معهم، وأدينوا وحكم عليهم، ثم اتجهوا أيضًا إلى جهاز آخر كان يؤيد الجيش وهو جهاز المخابرات، وكان رئيس جهاز المخابرات لا يقدم تقاريره إلى رئيس الوزراء، وإنما إلى رئيس الجمهورية، أو القائد العام للقوات المسلحة، تغير ذلك وأصبح يقدم تقاريره إلى رئيس الوزراء باعتباره رئيس السلطة التنفيذية، وبالتالى عملوا على ألا يكون الجيش والمخابرات فى جبهة واحدة، أيضًا مؤخرًا نجحوا فى أن يجعلوا المؤسسات ذات التأثير فى القضاء لا تسقط القضايا القديمة، بعد أن كانت القضايا السياسية تسقط بالتقادم بعد انتهاء فترة زمنية معينة، ومن هنا بدأوا فى إعادة محاكمة الذين قاموا بالانقلابات العسكرية، واستطاعوا أن يحجموا الدور الذى كان يلعبه الجيش فى شتى المجالات، وأصبح الجيش الآن طوعًا ومتوائمًا مع رغبة الدولة، وخاصة أن حزب العدالة والتنمية يحقق من الطفرات فى الإدارة المحلية، والاقتصاد والدخل القومى، ما جعل الشعب يؤيده فى كل خطواته التى يقدم عليه، كما بدأ الشعب يقف إلى جانب الحكومة إذا ما أنذر الجيش الحزب الحاكم بالإلغاء، فهم أخذوا العملية بالتدريج، ولم يكن هناك صدام مع الجيش، ولا مع حلف الناتو، وحاولوا أن يصلوا لمناصب متقدمة فى حلف الناتو، وعارضوا تعيين سكرتير عام الناتو الهولندى لمواقفه المعارضة ضد الإسلاميين، نجحوا أن يكون نائب سكرتير حلف الناتو تركيًا، فلم يتعجلوا الصدام مع المؤسسة العسكرية، بل أخذ الأمر رويدًا رويدًا، وبدأ يقتنع القادة الكبار أن المكان الطبيعى للجيش هو الثكنات العسكرية وحماية حدود الدولة.
د. سيف عبد الفتاح: المعركة فرضت نفسها علينا دون أن نختار الزمان ولا الميدان.. والمعركة مع رأس السلطة ليست كافية والحل فى التعجل بالانتخابات المحلية
كشف الدكتور سيف عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن النظام التركى ممثلاً فى التنمية والعدالة، لا نستطيع بأى حال أن نقيس التجربة المصرية على التجربة التركية، لكن يقينًا هناك خبرات متعددة يمكن الاستفادة من آلياتها وأدواتها، ويظل أن النموذج التركى كان نموذجًا يتعلق بتحول ديمقراطى نابع عن انتخابات متتالية استطاع فيها حزب العدالة والتنمية أن يحقق مثل هذه الأمور على التراخى، أما الأمر بالنسبة للثورة المصرية، فهو أمر يتعلق بانتخابات بعد الثورة، ومن ثم الثورة هنا متغير غاية فى الأهمية يؤكد أن النموذج التركى اختار التوقيت الذى يواجه فيه الدولة العميقة، وكان ذلك عاملاً مهمًا فى اختيار التوقيت واختيار الميدان الذى يلتقى فيه، أما فى حال النموذج المصرى فهذه معركة فرضت علينا، لأنه فى هذه المسألة لا تستطيع مطلقًا أن تقول إن الدولة العميقة بكل مفاصلها أتت دفعة واحدة فى الحالة المصرية، وتراصت فى المرحلة الانتقالية، فى محاولة لعمل معارك بشكل مباشر مع الثورة المصرية، ودولتها المنشودة، من أجل ذلك يجب أن نفرق ما بين حال الثورة، وحال التحول الديمقراطى بعد الانتخابات، يأتى بعد ذلك الأمر المتعلق بأن التجربة التركية أفرزت قائدا على مستوى عالٍ وهو أردوغان الذى استطاع من خلال تدربه فى أمور تتعلق بأجهزة الدولة أيضًا، وإن كان ذلك فى المحليات والبلديات، وخاصة بلدية اسطنبول، حيث كان ذلك بمثابة تدريب له ومعرفة ببعض أمعاء الدولة العميقة، والتعرف على هذه الدولة عيانًا، ومن ثم أرى أن الدولة العميقة لم تفكك هكذا فى إطار مواجهات فى رأس السلطة، ولكن الأصل فى مواجهة الدولة العميقة أن تواجه كل الأعمدة التى ترتكز عليها هذه الدولة العميقة على الأرض من القاعدة، أنا أظن أنه أصبح واجب الوقت الآن هو أن تجرى انتخابات محلية على جناح السرعة؛ لأن الانتخابات المحلية سوف تمثل القاعدة السياسية والتنموية لأى عمل يمكن أن تقوم به، حتى تستطيع من خلالها أن يكون لك اليد الطولى والقرار فى مثل هذه المناطق المحلية على مستوى جغرافيا مصر كلها، يصب عليك خوض المعركة فى أعلى السلطة، لأن المعركة فى أعلى السلطة ليست كافية، لأنه المطلوب هو مواجهة الدولة العميقة بمفاصلها الأساسية التى ترتكز إليها.
أيضًا من هذه الأشياء التى تتعلق بالبيروقراطية المصرية ولابد أن تكون هناك إستراتيجية لإصلاح هذه البيروقراطية، خاصة أننا لدينا بيروقراطية عتيقة، نشأت مع الدولة الفرعونية التى كانت وأدت إلى حالة شديدة من حالات المركزية والولاء للفرعون وهذه الأمور ليست وليدة اللحظة، فالبيروقراطية التركية تعتبر تلميذًا على البيروقراطية المصرية، كذلك الأمر الذى يتعلق بحكم العسكر لمدة ستين عامًا، هذا كله أعطى للدولة العميقة زخمًا كبيرًا لأنها ملكت القوة كما ملكت عناصر غاية فى الخطورة تعبر عن تشكيل هذه الدولة، وبالتالى يجب ممارسة إصلاح الجهاز الإدارى والبيروقراطى فى إطار التدرج، ولا نستعجل فى استنفار قوى هذا الجهاز بشكل من الأشكال، خاصة أن الإدارة العليا تابعة للفرعون، وبالتالى تحتاج إلى ثقافة الإصلاح تبث داخل هذا الجهاز، ويكون ذلك بعدة مسارات: منها ما يسمى بالنموذج ويعنى التجربة الرائدة أو تجربة القدوة فى إدارة بعض مناطق بعينها، وبالتالى نحفز الآخرين على اقتفاء أثر هذه النماذج المضيئة، كذلك إعداد كوادر جديدة تدخل به على بعض المصالح الحكومية والإدارية من دون أن تشعرهم أنك تقوم بصنع تغيير، وأيضًا استقطاب الصالح من الموجود فمصر لا تخلو إطلاقًا من الشرفاء، والمهنيين القادرين على العمل بجد واجتهاد فى عملية إصلاح حقيقية، مؤكدًا على ضرورة تكامل هذه المسارات لإصلاح الجهاز الإدارى للدولة، ثم يأتى بعد ذلك ما يمكن تسميته بثقافة الدولة العميقة، لافتًا إلى أن هذه مسألة تربوية، ونحن لدينا الكثير من النظم والعقول التى لها باع فى المسائل التربوية، وبالتالى نحن نتحدث عن ما يمكن تسميته بالتربية المضادة للدولة العميقة، والتربية المواتية لدولة الثورة، لأن ذلك يصنع نوعًا من الثقافة الممتدة والثقافة القادرة على إعادة الثقافة المجتمعية فى عملية إصلاح حقيقى، كذلك يأتى مع مسألة الثقافة فى هذا المثلث الإعلام والتعليم، لابد أن تكون هناك مناهج تبصر الناس بالمفاصل التى تتعلق بالفساد والاستبداد، وقدرة الشعوب الذاتية على تحصين نفسها ضد الفساد والاستبداد من خلال اكتساب المناعة الذاتية، لأن أى جهاز يوضع فى مواجهة الدولة العميقة لابد أن يتمتع بثلاث خصائص على الأقل وهى المناعة الذاتية، والمراجعة الذاتية والنقد الذاتى، والتجدد الذاتى، والقدرة على إحداث التجدد الذاتى من خلال المتابعة وحسن التدريب، والارتقاء بالمهارات.
د. عمرو الشوبكى: عملية الإصلاح تتم بشكل متدرج وغير انتقامى، وخطاب الرئيس ينبغى أن يتمحور حول الدفاع عن الدولة الديمقراطية الحديثة
أكد الدكتور عمرو الشوبكى، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن أى تيار سياسى جديد قادم من خارج المشهد الذى اعتادت عليه الدولة العميقة، لن ينجح إلا إذا قدم طمأنة حقيقية لهذه الدولة، واعتبر أن عملية إصلاحها تكون أحد أهدافه، لافتًا إلى أن ذلك لابد أن يتم بشكل متدرج غير انتقامى، وغير إقصائى، عندها فقط يمكن تحقيق الديمقراطية والتى تعنى أيضًا بناء الدولة العميقة على أسس جديدة عصرية ديمقراطية... وأوضح الشوبكى أن الديمقراطية فى تركيا، كانت حتى فترة قريبة جدًا ملازمة لصفة العسكرية، بمعنى أن الانتخابات النيابية تتم بصورة طبيعية، وتتألف الحكومة من الأكثرية البرلمانية، وكذلك ينتخب الرئيس من البرلمان ضمن منافسة طبيعية، لكن ما كان يشوه النظام الديمقراطى ويجعله صوريًا، أن القرار السياسى لم يكن مصدره الوحيد البرلمان أو الحكومة؛ بل كانت هذه المؤسسات واجهة لقرارات تطبخ فيما يسمى بالدولة العميقة المكونة من مؤسسات غير منتخبة، بل معينة من قبل الحكومة، أو رئيس الدولة، وذلك فضلاً عن أن الدستور السارى- وإن دخلت عليه بعض التعديلات- نتيجة انقلاب 1980، وهو ما يمكن المحكمة الدستورية من أن تحظر أحزابًا، وتزج بزعاماتها السياسية فى السجن، وهو ما كان ممكنًا معه أيضًا أن يقوم الجيش بانقلابات عسكرية منذ عام 1960، ويدلى برأيه فى كل شاردة وواردة من الحياة السياسية، وذلك وفقًا للدستور الذى يحدد وظيفة الجيش بحماية وصيانة الوطن التركى فى الداخل والخارج وفقًا لما حدده الدستور.
وأضاف الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أنه للمرة الأولى تتعرض النصوص الدستورية والقانونية للتعديل مع وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة عام 2002، ثم يحقق الإنجاز الأهم على الصعيد الأوروبى، ببدء مفاوضات العضوية مع الاتحاد الأوروبى، وهو المشروع الغربى الحداثى بالأساس، وليس مشروعًا مشرقيًا ولا إسلاميًا؛ مما أسقط بيد القوى المتشددة من العلمانيين، ولم تستطع إيقاف عملية الإصلاح، وإن حاولت تعطيلها بشتى الطرق... وبدأ دور العسكر يتقلص فى الدستور والقوانين والمؤسسات، ولم يتفرغ حزب العدالة والتنمية لتصفية حساباته مع العسكر، فالقضية ليست مس هيبة العسكر، بل إعادة تعريف مهمة العسكر وهى الدفاع عن الوطن ضد الأخطار الخارجية، وما يمكن أن تطلبه منه السلطة السياسية، أى الحكومة فى الداخل، وهو أمر تقدره الحكومة فى الداخل، والمؤسسات المنتخبة شعبيًا، كما أن السياسة الانفتاحية لحكومة حزب العدالة والتنمية حولت تركيا من بلد محاط بالأعداء إلى بلد محاط بالأصدقاء، وهو ما خفف من الأعباء الملقاة على عاتق الجيش.
وتابع الشوبكى: أنه من المؤكد أن الدولة العميقة فى تركيا كانت مؤسسات أيديولوجية وخاصة المؤسسة العسكرية والقضاء، فكان موقفها محددًا وهو الدفاع عن العلمانية، أما المؤسسات المصرية ليست أيديولوجية أو عقائدية، فلا يمكن وصف الجيش المصرى بنظيره التركى، فهو جيش يشبه المجتمع فى محافظته وتدينه ومدنيته، كما لم يعرف الجهاز البيروقراطى فى مصر أى توجهات عقائدية، وإنما فيه من الديمقراطية والاعتدال والوسطية المصرية الكثير، بعيدًا عن المؤسسات الأمنية، كما أن الدولة العميقة فى مصر منذ أيام الرئيس عبد الناصر، كما أن بيروقراطية الدولة لديها قدرة على أن تخفف من حدة أى مشروع أيديولوجى، فاستطاعت أن تحول اشتراكية عبد الناصر إلى أيديولوجية ناعمة، بالمقارنة بالأيديولوجيات الاشتراكية فى هذا الوقت التى كممت كل شىء، وكانت فى غاية القسوة، نفس المسألة واردة أن تحدث مع الرئيس مرسى، إن مؤسسات الدولة تهذب مشروعه الإسلامى وتخرجه بطريقة أكثر نعومة، وأكثر انسجامًا مع الحالة المصرية، ومن ثم فالجهاز الإدارى للدولة اعتمادًا على خبرتهم فى التعامل مع التجربة الاشتراكية السابقة، ليس لهم توجه معين، ومن الممكن تحولهم وقبولهم لمشروع الرئيس الجديد، وجعل مشروعه السياسى والأيديولوجى يمر عبر مصفاة مؤسسات الدولة، مما يخفف من وطأته العقائدية ويخرجه بطريقة ناعمة، ومتسقة مع الوضع المصرى، ومن ثم يصعب فكرة أخونة مؤسسات الدولة.
وأشار الشوبكى إلى أن هناك العديد من الرسائل التى قدمتها الخبرة التركية للعالم العربى: منها التحول فى العلاقة بين الجيش والسياسة وتمثلت فى أهمية وقيمة دولة القانون، فقد نجحت التجربة التركية فى أن تفرض على كل الأطراف السياسية بما فى ذلك الجيش احترام القانون، كذلك قدرة التيارات الإسلامية فى تركيا على التعلم والتطور، والاندماج فى أى نظام ديمقراطى، والقيام بالإصلاحات المطلوبة بصرف النظر عن ديمقراطية النظام، أيضًا أهم ما قام به أردوغان هو بناء حزب جديد يختلف فى رؤيته الفكرية والسياسية عن تلك الرؤى التى قامت عليها الأحزاب الإسلامية الأخرى فى تركيا والعالم العربى، ويؤسس لمرحلة جديدة لكسر الصدام بين العلمانية والإسلام فى تركيا الحديثة، فصنف نفسه على أنه حزب محافظ ديمقراطى، وليس إسلاميًا ديمقراطيًا، وطالب بأن تكون العلمانية على الطريق الأوروبية التى تفصل بين الدين والدولة، بحيث لا تتدخل الثانية فى أمور الأولى كما تفعل العلمانية التركية، وربط القيم الإسلامية بالمحلية التركية، وأصبح الحديث عن الثقافة والخصوصية التركية مرادفًا للحديث عن القيم الإسلامية، دون أن يتبنى تطبيق الشريعة الإسلامية.
د. كمال حبيب: هناك مشاعر ثورية جارفة تضغط على الرئيس، والنجاح الاقتصادى يعطيه تفويضًا شعبيًا لاستكمال صلاحياته فى مواجهة العسكر وغيرهم
الدكتور كمال حبيب، أستاذ العلوم السياسية، والخبير بالشأن التركى، قال: مصر يتشكل فيها النظام السياسى الآن بعد ثورة، وبالتالى هناك مشاعر ثورية جارفة تضغط على شخص الرئيس والوضع السياسى العام، أما فى تركيا العدالة والتنمية نجح فى الانتخابات عام 2002، وبدأ يعمل على التغيير من داخل الدولة نفسها؛ لأن قيادات الحزب كانت لهم تجارب سابقة فى البلديات، وبالتالى كانت لديهم خبرة سابقة فى التعامل مع الجماهير، وقريبون من السلطة، ومن ثم يفهمون معنى الدولة والسلطة، مشيرًا إلى أن الوضع فى مصر مختلف، من حيث إن الكوادر الموجودة على الساحة السياسية معظمها كانت ملاحقة من النظام السابق، وآتية من خارج الدولة وليست لديها خبرة التعامل مع الدولة، كما استطاع حزب العدالة والتنمية أن يكسر المفهومات السائدة داخل الحالة الإسلامية، خاصة فى علاقته بأربكان، ورأوا أن أسلوب الصدام مع العسكر لن يقود بلدهم إلى تحقيق مشروعهم الذى يتبنونه، وكانت النتيجة انسحابهم من هذا المشروع وتأسيس مشروع جديد، جمع بين الجذور الإسلامية لهم وبين الحفاظ على أوضاع الدولة القانونية والدستورية، لافتًا إلى أنه يوجد فى مصر جماعة قوية هى جماعة الإخوان المسلمين، هى التى أتت بالرئيس محمد مرسى إلى السلطة، ومرسى عاطفيًا غير قادر على أن يفصل بينه وبين الإخوان المسلمين، صحيح هو يحتاج الإخوان المسلمين فى دعمه فى الشارع، لكنهم فى ذات الوقت من الممكن أن يمثلوا عبئًا عليه فى مسألة إدارته للدولة، لأنه سيكون مكبلاً برؤى إخوانية تجعله غير قادر على اتخاذ قرارات سريعة وناجزة، كما أن حزب العدالة والتنمية ركز على المشكلة الاقتصادية على وجه الخصوص، واستطاعوا أن ينجزوا فيها نقلات واضحة، وهى التى حولت تركيا من دولة متخلفة إلى دولة رقم 15 على مستوى العالم، والخامس على المستوى الأوروبى، وتخطط لسنة 2020 أن يبلغ حجم صادراتها 500 مليار دولار، فالإنجاز الاقتصادى الذى نقل تركيا هذه النقلة هو الذى أعطى حزب العدالة والتنمية تفويضًا شعبيًا، ونجح عدة مرات فى الوصول للسلطة، وتوجد نفس الإشكالية الاقتصادية والاجتماعية فى مصر، وقدرة الرئيس على أن ينجز فى هذا الملف هى الأساس، التى من الممكن على أساسها أن يلتف الشعب حوله، ويعطيه تفويضًا لاستكمال صلاحياته فى مواجهة العسكر وغيرهم، كذلك استخدم حزب العدالة والتنمية المعايير الأوروبية لدخول الاتحاد الأوروبى، وهى المعايير التى تخفف من قبضة العسكر على الحياة السياسية والتخلص من العسكر تدريجيًا، فى مصر الآن نحتاج رئيس وزراء يكون قادرًا على التخاطب مع العالم الخارجى، بحيث يعطيه جسرًا من الثقة فى إمكانية تحول ديمقراطى ناجز وسليم وآمن، حتى يكون ذلك جزءًا من إقناع العسكر بأنهم يتخلوا عن دورهم السياسى اعتمادًا على قوة الوضع الخارجى، كما تبنى خطاب العدالة والتنمية مفاهيم العدالة الاجتماعية، والحرية، وبالتالى استطاع أن يجتذب قطاعات واسعة من الاشتراكيين والليبراليين، واستطاع أن يكون مظلة لكل القوى السياسية الموجودة فى تركيا، والدليل على ذلك أنه استطاع أن يحقق كل مرة نسبة أعلى فى الانتخابات البرلمانية، وبالتالى فكرة استخدام الدعم الشعبى، والاتحاد الأوروبى، أى مخاطبة العالم الخارجى، للضغط على العسكر فى تخفيف عسكرة الدولة، كذلك استخدام القوة الناعمة كما طرحت تركيا نفسها كوسيط لدى أطراف متعددة، من أول حماس والجهاد وتبنى القضية الفلسطينية، وإعادة بناء العلاقات وتصفير المشكلات، لأنها تغيرت بعد الثورات العربية، حيث استطاعت أن تصنع من نفسها وسيطًا محترمًا، وسوقت نفسها من جانب القوى الناعمة كقوة لها تراث وتاريخ، كذلك الوضع فى مصر ينبغى استخدام قوتها الناعمة من خلال التأثير فى المحيط الإقليمى والدولى المتمثلة فى العقول المصرية والجامعات والفن والإبداع.
مما يصعب تطبيق التجربة التركية فى مصر أنها ما تزال ديمقراطية وليدة، تركيا كان لديها تقاليد ديمقراطية تمثلت فى أنه من 1954 وحتى 1960، كان لديها ديمقراطية حقيقية، كما أن لديها تواصلاً قويًا مع العالم الخارجى، على اعتبار أنها جزء من أوروبا وتاريخها جزء من أوروبا، كما أن حجم فساد الدولة العميقة القديم كان محدودًا فى تركيا، فى مصر كان كل شىء منتهكًا، واستخدمت شرعية الدولة بوقاحة من أجل تحقيق مصالح شخصية، لدينا طبقة سياسية مناكفة من شأنها أن تعوق القرارات والخطوات إلى الأمام، كما لا يوجد لدينا تراث أو ثوابت فى تأسيس وضع جديد أو جمهورية جديدة يمكن الاستناد إليها.
د. جمال زهران: الوضع مختلف فى مصر ويحتاج إلى اتباع سياسة النفس الطويل
الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، قال إن الأتراك اتبعوا سياسة النفس الطويل، فبعد سنوات طويلة ومراحل متعددة استطاعوا الوصول إلى حزب العدالة والتنمية، والذى سبقه العديد من الأحزاب التى وقعت فى صدامات مع الجيش وتم إلغاؤها، لافتًا إلى أن الوضع مختلف على الصعيد المصرى؛ حيث إنه لم تقم ثورة فى تركيا، لكن لو أردنا الاستفادة من التجربة فى صراعها مع الدولة العميقة بكل مفاصلها، فلابد من اتباع سياسة النفس الطويل والتدرج للوصول إلى السلطة، وامتلاك ناصية الحكم، ثم البدء فى تغييرات الدستور اعتمادًا على الأغلبية، يتبعها عزل تدريجى للعسكر، حيث تم إخضاع العسكر للإرادة الشعبية، وانقلب الحال بأن أصبح حزب العدالة والتنمية مهيمنًا على الحياة السياسية، وبالتالى لا يوجد للعسكريين أى وجود فى الحياة السياسية، المشكلة فى مصر أن الإخوان المسلمين على خلفية الثورة تصوروا أنهم امتلكوا ناصية الحكم، لم يدركوا ما نسميه أجهزة الدولة العتيقة البيروقراطية، التى تقف حائلاً دون أى تغيير جذرى، واعتبروا أن هذا نهاية النفس الطويل بالنسبة لهم كإخوان بدأوا العمل منذ 1928، وليس كمرحلة من مراحل عملية الوصول للسلطة.
د. سعيد اللاوندى: مرسى تجربة رائدة تختلف عن كل التجارب السابقة، واتفق مع أردوغان فى اقترابه من المواطن البسيط
الدكتور سعيد اللاوندى، خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، كل دولة لها ظروفها الخاصة، ولا يمكن أن تكون تركيا مثل مصر، ولا مصر مثل تركيا، لأننا نذكر جيدًا أن أردوغان جاء وكنا نتصور أنه سيوافق الإخوان المسلمين على كلامهم وهو أن تركيا كدولة إسلامية فإذا به بعد عدة أيام فى مصر يتركونه وحده، لأنه أكد أن تركيا علمانية، إن الرئيس محمد مرسى له رصيد كبير فى كونه رئيس جمهورية مصر، لأنه أول رئيس مدنى مصرى منذ آلاف السنين، كما كان عضوًا فى برلمان 2005، وقد كان نشيطًا جدًا، كما أن رصيده كخطيب مفوه، وكإنسان يشعر بغالبية الناس تحت خط الفقر، ويعرف البسطاء، مما أعطاه رصيدًا لدى الشارع المصرى.
وأكد أنه سعيد بهذه التجربة، وتخلى عن كونه عضوًا فى جماعة الإخوان المسلمين، ورئيسًا لحزب الحرية والعدالة، ويؤكد أنه رئيس لكل المصريين، وهذه تجربة رائدة، فلم يتخل الرئيس الفرنسى أولاند عن حزبه الاشتراكى، لكن مرسى فعلها وتخلى عن رئاسة حزبه، واصفًا ذلك بأنه نوع جديد من الديمقراطية حاول مرسى أن يرسيه بعيدًا عن فرنسا من ناحية، وبعيدًا عن تركيا من ناحية أخرى، أرسى دعائم كاريزما جديدة تمامًا غير الكاريزما التى كنا نعرفها عن عبد الناصر أو عمرو موسى انتهت إلى الأبد، حيث أصبح هناك كاريزما من نوع خاص أرسى دعائمها من خلال خطاباته التى ألقاها فى التحرير أو جامعة القاهرة، أو الهايكستب، كل هذه الأشياء تجعل محمد مرسى يختلف اختلافًا بينًا عن تجربة تركيا، وعن الإخوان المسلمين، وعن تجربة فرنسا بل وعن كل التجارب، فلا نستطيع أن نربط دولة بأخرى إلا إذا راعينا أن آليات العمل هناك مختلفة، منبهًا أن اقتراب مرسى من أردوغان يتمثل فى الاقتراب من المواطن العادى، فكما اقترب أردوغان من المواطن التركى عندما كان رئيس بلدية أسطنبول، كذلك اقترب مرسى من المواطن المصرى من خلال عمله بالبرلمان، أسطورة تشويه الإخوان المسلمين انتهت إلى الأبد، فهى التى أفرزت حزب الحرية والعدالة الذى كان رئيسه محمد مرسى، كما أنه أكد عدم أخونة الدولة، وأن الأمة مصدر السلطات، وهذا المبدأ كان شعار ثورة1919 مثلما كان شعار ثورة 25 يناير، الحرية، والعيش والعدالة الاجتماعية، فقد كان حريصًا أن يقول أنه امتداد للثورات السابقة، كما تكلم عن دور مصر العربى والأفريقى والإسلامى، وهى الدوائر الثلاث التى ذكرها عبد الناصر فى ميثاقه الشهير، وكأنه يقول إن ثورة 25 يناير امتداد للثورات السابقة فى مصر، وبالتالى فالشعب المصرى واصل حلقات التاريخ التى أفرزت لنا إنسانًا مدنيًا رئيسًا للجمهورية، وهو غير مسبوق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.