«السؤال الأكثر إلحاحًا فى الأوساط الأمريكية: هل السيسى هو رئيس مصر القادم؟ إلى أين تتجه مصر سواء كانت تسير ملتزمة بخارطة الطريق السياسية أو بدونها؟ هذا هو الأمر المطروح بشدة وبإلحاح فى العاصمة الأمريكية، كانت وما زالت وستظل، خصوصا مع استمرار الاضطراب السياسى والتوتر الأمنى فى مصر ومواصلة حملة مطاردة النشطاء المعارضين غير الإسلاميين أيضا ومحاصرة نشاط المنظمات الحقوقية وتراكم الاتهامات الموجهة للرئيس المعزول محمد مرسى ومستشاريه وإخوانه. وقد يكون صناع القرار بالإدارة والكونجرس فى إجازة هذه الأيام إلا أن هذا لا يمنع من متابعة ومراقبة ما يحدث فى مصر، بقلق وتخوف وتحفظ وأيضا بانزعاج. وبالطبع تابعت الصحف الأمريكية الكبرى أمس الأحكام الصادرة ضد كل من أحمد ماهر ومحمد عادل وأحمد دومة، حسب قانون التظاهر الجديد، وقالت «واشنطن بوست»: «إن مصر ترسل ثلاثة من النشطاء الداعين للديمقراطية إلى السجن» ذاكرة «أن الحكم الصادر ضدهم يبدو أنه يؤكد المخاوف بأن السلطات المؤقتة توسع من حملتها ضد كل المعارضين لتشمل أيضا مجموعات معارضة غير إسلامية». أما «نيويورك تايم» فقد ذكرت أن قرار المحكمة بالسجن لنشطاء بارزين بسبب قيامهم بتظاهرات تم تنظيمها يوميا على مدى السنوات الثلاث الماضية لهو تذكير قوى باستمرار الدولة الأمنية بمصر وبعودة نظامها القديم. فى حين وصفت «وول ستريت جورنال» ما حدث مع «النشطاء العلمانيين» وتحت قانون التظاهر الجديد، بأنه تراجع للخلف والأخذ بالطريق العكسى للمكتسبات الديمقراطية التى تم الحصول عليها بصعوبة. أما صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» فقد تناولت ما حدث وما يحدث فى مصر بتقرير اختارت عنوانا له «مصرالثورة» تأكل شبابها! ولا شك أن الدستور الجديد والاستفتاء عليه ينال اهتمام الإدارة مع تأكيدها المستمر بأن القرار فى نهاية الأمر هو شأن مصرى أولا وأخيرًا. وهذا ما أكده مسؤول بالخارجية ل«التحرير» فى تصريحات خاصة أدلى بها مؤخرا وقال: «نحن قلنا باستمرار بأننا نبحث عن دستور يحمى الحريات والحقوق الأساسية لكل المصريين. ولكن فى نهاية المطاف الشعب المصرى هو الذى سيتخذ قراره بخصوص الدستور فى استفتاء وطنى» وأضاف المسؤول الذى فضل عدم ذكر اسمه «نحن نتطلع إلى أن تقوم الحكومة المصرية بتوفير مناخ مفتوح يخوض فيه المصريون حملاتهم بحرية سواء لصالح الدستور أو ضده، أو مقاطعة العملية برمتها إذا اختاروا أن يفعلوا ذلك. وأن كل الذين يعبرون عن آرائهم عليهم أن يفعلوا ذلك سلميا». وأشار المسؤول الأمريكى أيضا فى تصريحاته ل«التحرير» إلى «أن المجموعات المحلية والدولية التى ستراقب هذه العملية والتصويت يجب أن تتاح لهم التسهيلات الكاملة لتحقيق ذلك. وحسب فهمنا فإن الحكومة منحت الإذن لكل من المراقبين الدوليين والمحليين». وأكمل المسؤول الأمريكى قائلا «نحن نريد أن نرى عملية انتقالية وسوف نقوم بدعمها. عملية تقود إلى حكومة مدنية تضم الكل وتم اختيارها من خلال انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. وحكومة مدنية تعمل وفقا لحكم القانون وتحترم حقوق الإنسان والمحاسبة وأيضا إيجاد اقتصاد منفتح وتنافسى». صحيفة «نيويورك تايمز» فى افتتاحية لها أمس قالت: «يبدو أن الديكتاتوريين العسكريين فى مصر غير راغبين فى وقف حملتهم الضاربة حتى يتم إسكات كل المعارضة». وفى تلك الافتتاحية التى اختارت لها عنوان «أيام مظلمة فى مصر» سردت «نيويورك تايمز» ما جرى فى مصر خلال الأيام الأخيرة من إجراءات وخطوات من جانب السلطات القائمة. كما انتقدت الافتتاحية قرار الكونجرس الأخير بشأن استمرار المساعدات من جديد ذاكرة «أن الجنرالات من المؤكد أنهم سيفسرون هذا القرار، كأنه تأييد لأساليبهم الاستبدادية». وكانت الخارجية الأمريكية قد أعربت منذ أيام عن قلقها العميق تجاه ما سمته ب«المناخ الحالى لحرية التعبير والتعبير السلمى فى مصر». هذا ما قالته المتحدثة باسمها مارى هارف للصحفيين واصفة الأخبار الآتية من مصر حول حملة مداهمة منظمات حقوقية واعتقال نشطاء سياسيين بأنها «تقارير مزعجة». وأن التهم الجديدة الموجهة لمرسى وبعض من مستشاريه السابقين تثير كالعادة أسئلة حقيقية حول الدوافع السياسية فى العملية القضائية. فى حين حرص تشاك هاجل وزير الدفاع الأمريكى بعد أن تكلم مع نظيره المصرى الفريق أول عبد الفتاح السيسى هاتفيا أن يذكر فى مؤتمر صحفى بأن «ما قلت له وما أقول له باستمرار هو أن كل مرة يحدث فيه أى شىء جديد فى مصر العالم يراه. ونحن نراه. ونحن فى الولاياتالمتحدة وأنا أعتقد أغلب الشعوب فى أغلب دول العالم يريدون مصر التى ستكون مستقرة وآمنة وحرة وديمقراطية. وأغلب الدول تريد أن تساعدها للوصول بها إلى هناك». وأمام كل حدث فى مصر أو حديث عن مصر، فالسؤال المتكرر هو «هل هذه خطوة للأمام أم خطوة للخلف؟» ومن هذا المنطلق أيضا نجد السؤال الملح أين مصر على خارطة الطريق السياسية؟ أو إلى أين ستأخذها أو تصل بها خارطة الطريق السياسية المعلنة حتى الآن؟ وبالطبع يبقى السؤال الأساسى مطروحا بإلحاح فى الأوساط الأمريكية: هل السيسى هو رئيس مصر القادم؟ وهذا السؤال يتكرر طرحه أكثر من السؤال المعتاد فى مراحل انتقالية مشابهة: من رئيس مصر القادم؟ كما أنه لا شك أن الأمر اللافت للانتباه والاهتمام فى الدوائر المعنية بالشأن المصرى هنا هو أن المواجهات الأمنية والتى تتصف غالبا بالإفراط فى العنف تضع علامات استفهام عما تغير أو ما يجب أن يتغير فى المشهد المصرى وأيضا فى العلاقة «المرتبكة» أو «المشوهة» بين المواطن من جهة والسلطات الأمنية فى مصر من جهة أخرى،خصوصا أن طبيعة هذه العلاقة بتفاصيلها المزعجة والمقلقة وضرورة إعادة النظر فيها وتصحيحها كانت مطلبا أوليا وحيويا وملحا فى ثورة 25 يناير. مع التأكيد الدائم على أهمية احترام كرامة المواطن وعدم انتهاك حقوقه الأساسية.