وجاءت المواجهة وأتت بما كانت لا تريده وتحذر منه واشنطن. وقد أدانت الإدارة الأمريكية بشدة فض الاعتصامات بالقوة وطالبت من جديد ب«ضبط النفس»، كما أعربت عن معارضتها لإعلان حالة الطوارئ، مطالبة بإنهائها فى أقرب وقت ممكن. وأعلنت أنها مستمرة فى مراجعة أمر المساعدات لمصر. إلا أن الإدارة نفسها لم تظهر أى بادرة بأنها ستتخذ أى خطوات حادة فى الوقت الحالى كرد فعل على ما حدث مثل قطع المساعدات العسكرية. الخارجية الأمريكية على لسان المتحدثة باسمها قالت إن أى قرار يتم اتخاذه «ليس ردا على يوم واحد»، كما أنها رفضت توصيف وتسمية ما يحدث فى مصر «حربا أهلية» أعلن الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلغاء المناورة العسكرية المشتركة «النجم الساطع» المقرر إجراؤها الشهر القادم. وقال أوباما بعد أن أدان بشدة الخطوات التى تم اتخاذها من جانب الحكومة المؤقتة بفض الاعتصام بأن تعاوننا التقليدى لا يمكن أن يستمر كالمعتاد عندما يتم قتل مدنيين، وطالب أوباما بإنهاء حالة الطوارئ التى تم إعلانها. وشدد على أن مستقبل مصر يحدده فقط المصريون. وقال: «نحن نريد أن تنجح مصر». وكان جون كيرى، وزير الخارجية، هو «وجه وصوت» كبار مسؤولى الإدارة الأمريكية، وهو يقرأ بنفسه بيانا فى الخارجية الأمريكية. أما البيت الأبيض فقد أصدر بيانا من المكتب الصحفى وقام جون إيرنست، متحدثا باسم البيت الأبيض، بالرد على أسئلة الصحفيين. وقال إيرنست: «إن المواجهة العنيفة تتعارض مع التعهدات من جانب الحكومة المؤقتة بإجراء مصالحة». كما أشار إلى أن العنف الذى رأيناه «خطوة فى الاتجاه الخطأ» و«مؤشر على أنهم الآن لا يتبعون ما وعدوا به من انتقال وعودة إلى حكومية مدنية منتخبة وأنهم غير ملتزمين بعملية لا إقصاء فيها»، وحرص كيرى فى بيانه على القول «أن وعد ثورة 2011 لم يتحقق بالكامل بعد. كما أن الناتج النهائى لتلك الثورة لم يتحدد بعد. وأنه سوف يتشكل فى الساعات والأيام المقبلة. وسوف يتشكل بالقرارات التى سيتخذها كل القيادات السياسية فى مصر اليوم وفى الأيام المقبلة». ولاحظ المراقبون أن الكلمات المستخدمة من جانب الإدارة فى التنديد بما حدث وتفادى استخدام كلمة «انقلاب» لما حدث فى مصر يوم 3 يوليو يبين وربما يؤكد أن أوباما ومستشاريه لم يعد لديهم أى أفكار أو «وصفات» جديدة فى ما يخص إيجاد سبل للضغط ولو بسيط للتأثير على الأحداث فى مصر. وأن الأحداث المتلاحقة والمواقف الواردة من مصر «تفرض نفسها ولها منطقها الخاص بها»، ولم يتردد الكثير من المسؤولين السابقين والمعلقين السياسيين فى التذكير ب«محدودية» التأثير الأمريكى (أو انعدامه غالبا) فى محاولة الضغط أو التوسط لدى الأطراف وأصحاب القرار فى المشهد المصرى. وحول اتصالات كيرى مع نظراء له حول الشأن المصرى ذكرت جين ساكى، المتحدثة باسم الخارجية، أن كيرى اتصل بالبرادعى ونبيل فهمى، كما أنه اتصل بآشتون وأيضا بنظرائه فى الإمارات وقطر وتركيا. المتحدثة باسم الخارجية لم تعلق ولم تبد رأيا فى ما يتعلق بمطلب أردوجان، رئيس الوزراء التركى، برفع أمر ما يحدث فى مصر إلى مجلس الأمن. وبينما كان الجنرال مارتن ديمبسى، رئيس الأركان الأمريكى، فى زيارة إلى الأردن أول من أمس الأربعاء، اكتفى بالقول للصحفيين إنه لم يتحدث بعد مع نظرائه المصريين. ونقلت «نيويورك تايمز» عن مسؤولين فى البنتاجون أن السلطات المصرية لم تخبرهم رسميا بأن عملية فض الاعتصام كانت على وشك التنفيذ. وعندما سُئل الجنرال ديمبسى ماذا كان ينوى أن يقوله لجنرالات مصر قال: «إنها الرسالة ذاتها، وهى أن الطريق إلى الأمام بالنسبة إلى مصر والذى سيسمح لنا باستمرار علاقتنا العسكرية الوثيقة معهم ويسمح لهم بتحقيق أهدافهم هو الالتزام بخارطة طريق وخفض مستوى العنف بقدر المستطاع»، مضيفا «وهذا يعد تحديا بالتأكيد». أما الوزير هيجل الذى يعد «نقطة الاتصال الأساسية» بين الإدارة والفريق أول عبد الفتاح السيسى، وزير الدفاع، فهو فى إجازة، إلا أنه على اتصال بمساعديه الذين لم يستبعدوا تواصلا عاجلا بينه وبين السيسى. وقد ذكر فى هذا الصدد أن هيجل أجرى 15 مكالمة تليفونية مع السيسى منذ 3 يوليو الماضى. وبما إن السناتور جون ماكين كان له موقفه وتحذيره المعلن من قبل، فقد كتب تويتة قال فيها: «كما توقعنا وتخوفنا.. فوضى فى القاهرة»، مضيفا «امتداح الوزير كيرى لتولى الجيش السلطة لم يساعد». وكان ماكين يشير إلى ما قاله كيرى فى حديث تليفزيونى فى باكستان بأن الجيش المصرى كان «يستعيد الديمقراطية» بعد أن أطاح بمرسى. كما نقلت «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أمريكيين أن الجهود قد كُثفت خلال الأسبوع الماضى من أجل تفادى المأزق السياسى وعدم اللجوء إلى العنف، الا أنها كما يبدو باءت بالفشل. سقوط عشرات القتلى ومشاهد إراقة الدماء تحتل الصفحات الأولى لكبريات الصحف الأمريكية الصادرة أمس. وما حدث فى مصر كان الخبر الأول فى أغلب النشرات التليفزيونية والإذاعية طوال يوم الأربعاء. ويبقى السؤال الأكثر تكرارا وإلحاحا.. فى التعليقات الأمريكية: إلى أين تسير مصر؟ ولم يخف أحد عجزه عن فهم كل ما يحدث فى بر مصر، وإن كان لا يخفى أيضا قلقه البالغ تجاه تدهور الأوضاع وتفاقم حدة المواجهة واللجوء إلى العنف. نعم كانت ليلة لم تنم فيها واشنطن، و14 أغسطس كان يوما طويلا وعصيبا من التشاورات الدبلوماسية والمتابعات الصحفية أكدت أن الأوضاع فى مصر تزداد تعقيدا وتشتد استقطابا وتنذر بالكثير من المواجهات والمصادمات.. وإراقة الدماء.