المملكة تعرب عن «استيائها» من مواقف واشنطن «المترددة» و«المتقلبة» فى تعاملها مع مصر الجدل حول تعليق المساعدات العسكرية لمصر أو «إرجائها لحين» ما زال مثارا وموضعا للانتقاد فى أوساط العاصمة الأمريكية. البعض يرى أن هذه الخطوة الأمريكية «خطأ فى حسابات الإدارة قد تندم عليه فى ما بعد، وكان من الممكن تفاديه أو تجنبه». والبعض الآخر يرى «أن هذا القرار بعد طول انتظار وترقب جاء ناقصا وضعيفا، كما أنه لا يضغط ولا يعاقب على ما قام ويقوم به جنرالات مصر!!». والإدارة من جانبها ودون أن ترد مباشرة على كلا الانتقادين تقول وتردد «إنها تعمل مع الحكومة المؤقتة فى المرحلة الانتقالية»، و«إن علاقات التعاون والتشاور حولها مستمرة». كما أن جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى وخلال لقائه مع نظيره السعودى سعود الفيصل فى باريس من المرجح أن يناقش الشأن المصرى وتبعات القرار الأمريكى الخاص بالمساعدات الأمريكية و«تطمين» الجانب السعودى على أن التعاون مع مصر قائم والشراكة الاستراتيجية مستمرة. والخارجية الأمريكية وردا على سؤال عن رد فعلها على وجود دعوات فى الصحف المصرية، تطالب بقطع أو رفض قبول المعونات الأمريكية لمصر أكدت استمرار التعاون بين البلدين. وتفادت مارى هارف، نائبة المتحدثة باسم الخارجية، التعليق عما قيل، واكتفت بالقول: «كما قلت فإن الوزير هيجل أجرى محادثة جيدة جدا مع الجنرال السيسى عندما ناقشا محصلة مراجعتنا للسياسة (الخاصة بالمساعدات لمصر). ونحن اتفقنا على أنه مهم بالنسبة إلى البلدين الاستمرار فى العمل معا. ولهذا نحن مستمرون فى علاقتنا، ونحن نركز على هذا فى الوقت الحالى، العمل معهم من أجل هذا تحديدا». وعندما سئلت عن أى مكالمة تليفونية تمت من جانب الوزير كيرى لمسؤول مصرى قالت هارف: «لا.. حسب علمى، لا». والوزير كيرى فى جولته الحالية، وبعد زيارة لكابول (أفغانستان) من المنتظر أن يزور باريس ويلتقى سعود الفيصل وزير الخارجية السعودى لمناقشة قضايا تهم البلدين.. وقد أثارت قلقا فى الفترة الأخيرة: إيران وسوريا ومصر. وكانت السعودية قد أعربت عن «استيائها» أو فلنقل «عدم رضاها» فى الأسبوعين الأخيرين تجاه مواقف واشنطن «المترددة» و«المتذبذبة» و«المتقلبة» فى تعاملها مع إيران وسوريا وأيضا مع مصر، خصوصا بعد القرار الأخير الخاص بالمساعدات العسكرية لمصر. وأن تلك المساعدات حسب وجهة نظر السعودية (ومعها فى ذلك الإمارات.. وأيضا إسرائيل) كانت يجب أن تستمر كما هى دون المساس بها أو التلويح بتقليصها أو تجميدها فى هذا التوقيت بالذات. وسلطت مجلة «أطلنطيك» بعض الأضواء على علاقة تشاك هيجل وزير الدفاع الأمريكى ومكالماته الهاتفية مع نظيره المصرى الفريق أول عبد الفتاح السيسى وعما يراه هيجل بالنسبة إلى مصر. وذلك من خلال حوار أجراه معه الكاتب السياسى ستيف كليمونس. هيجل الذى أصبح وزيرا للدفاع قبل سبعة أشهر ذكر أنه قابل السيسى وأمضى يوما فى القاهرة و«ما زلت أتحدث معه.. ما زلت»، وهنا تساءل المحاور: «لقد قرأت مضمون تلك المكالمات. هل يستمع هو إليك؟»، فقال هيجل «حسنا..»، فقاطعه المحاور قائلا وضاحكا «ألم تحصل على قراءته لتلك المكالمات؟»، ثم قال الوزير «لقد أرسلت إليه كتابا بالمناسبة فى الأسبوع الماضى (الحوار أجرى يوم 27 سبتمبر الماضى) كتابا عن واشنطن من تأليف رون تشيرنو»، مضيفا «نعم عن جورج واشنطن»، ثم استكمل هيجل قائلا: «إن الفصل المحدد الذى ركزت عليه فى حديثى مع الجنرال السيسى. وقد كان لدينا معا الكثير من المكالمات والحوارات. هل ستصبح جورج واشنطن أم ستصبح مبارك مصر؟ وبالتالى أشرت للكتاب وقلت له بأن أحد الفصول الأخيرة يتحدث عن كيف أن واشنطن ابتعد عن السلطة. وبالتالى نحن سنرى كيف أن هذا سيؤثر عليه وكيف ستسير الأمور؟». والكتاب المذكور «جورج واشنطن: حياة» صدر فى أكتوبر 2010 ويبلغ عدد صفحاته 904 صفحات. ثم أكمل هيجل حديثه قائلا: «على أى حال أنا أعتقد كما تعلم أن الأمم لها مصالحها. وأن العلاقات الشخصية لن تقوم بتغيير تلك المصالح أو تزيحها جانبا»، ذاكرا أن ما تفعله العلاقات الشخصية أنها تمنح تسهيلا وتمريرا للعلاقات بشكل عام وبأن لولاها لكان التعامل مع بعضنا البعض مجرد أرقام وحقائق. هيجل ذكر أيضا بأن كم المشكلات التى تواجهها كل دولة على حدة، وأيضا فى المنطقة برمتها، فإنه لا يعتقد «بأن حلها سيتم فى عام أو عامين». ثم استطرد فى الحديث عن المتغيرات السريعة التى تشهدها المنطقة قائلا: «ومصر كمثال لهذا. كان هناك مبارك ثم انتخابات ثم مرسى والآن ذهب مرسى. والآن هناك حكومة مؤقتة. وهم يتحركون نحو دستور جديد وانتخابات. سوف تكون هناك تقلبات ومنعطفات. وإلى أين ستأخذنا كل هذه الأشياء؟ أنا لا أعرف». من جهة أخرى انتقدت صحيفة «نيويورك تايمز» فى افتتاحية لها بعنوان «تحذير لجنرالات مصر» قرار الإدارة بالوقف الجزئى للمساعدات، متسائلة عما إذا كانت هذه الخطوة تحذيرا كافيا للجنرالات، خصوصا أن مسؤولين كبارا قالوا إن القرار ليس نهائيا. وطالبت الصحيفة أوباما «إذا أصر الجيش على الاستمرار فى طريقه القمعى» (حسبما قالت الصحيفة) بأن يفعل أوباما أكثر مما فعله. وقالت أيضا إن التعاون الأمنى بذاته لا يكفى لضمان الأمن فى مصر أو فى المنطقة. و«أن السيد أوباما لا يجب أن يرتكب الخطأ نفسه مع الجنرالات، فقمعهم وعدم تسامحهم سيجلب عدم استقرار أكثر. بينما يتم تدمير أهداف الديمقراطية والحرية وفرص العمل والتعليم التى ألهمت الثورة فى عام 2011»، كما قالت الصحيفة فى افتتاحيتها. وخلال الأيام الماضية ومع صدور القرار الأمريكى ما لاحظه المراقبون وأيضا الصحفيون فى ردود المسؤولين الأمريكيين على أسئلة الصحفيين أنهم تفادوا تماما الحديث صراحة أو تلميحا عن «الانقلاب» حتى لو أصر بعض الصحفيين على ذكر هذه الكلمة «الانقلاب» فى أسئلتهم. وهذا على أساس أن الحديث عن ضرورة مراجعة سياسة أمريكا تجاه مصر فى ما يخص المساعدات العسكرية نشأ وسط الجدل عما إذا كان ما حدث يوم 3 يوليو كان «انقلابا» أم لا؟ كما أن المسؤولين فى ردودهم على أسئلة الصحفيين تفادوا الوقوع فى «فخ» أسئلة حاولت توصيف الإجراءات الأمريكية وعما إذا كانت «عقابا» أم «لفت نظر» أو ما شابه ذلك؟ كما أنهم تفادوا الحديث عن «توقيت» صدور القرار كمحصلة لمراجعة السياسة وربطه بأحداث العنف والإعلان عن محاكمة مرسى واستمرار القبض على قيادات إخوانية. وواشنطن كما وصف البعض «تلعب على كل الحبال» أو «ترقص عليها» أو «تحاول هذا وذاك». كما أنها تحاول أن «تمسك العصا من النصف» أو «إرضاء الكل وربما إزعاج الكل أيضا». ويرى البعض أن هذا هو أوباما كما كان دائما.. وهكذا كانت أغلب القرارات التى اتخذها الرئيس أوباما فى ولايته الأولى، وهذا هو أسلوبه فى التعامل مع القضايا. وكما قيل من قبل «الكل يخرج من المواجهة ويشعر بأنه المنتصر ولكن ليس النصر المكتسح وأيضا يشعر بأنه المنهزم ولكن ليس الهزيمة النكراء». فلننتظر لعلنا نرى الأمور بشكل أوضح وأشمل.. لعلنا!!