طيب يا سيادة الدكتور، مش حضرتك عملت نفسك عباس الضو وقلت "لأ" ساعة موضوع محاكمة المدنيين عسكريا. ولو سلّمنا بحسن النية السياسية فإن ده معناه إنك كنت عايز نفس الموقف يتاخد من عدد كافٍ لتعطيل المادة. مش ده كان معناه غالبا انهيار عملية كتابة الدستور؟ مش ده كان معناه غالبا تعطيل سيرها؟ ليه بأه بتتحجج بموضوع خوفك من التعطيل لو خدت قرار بالوقوف أمام تغيير نص المسودة إلى «حكومتها مدنية» بدلا من «حكمها مدنى»؟ هه. ليه؟ أقولك ليه. لأن «عالمانية الدولة»، ثم الدرجة السُفلى، الحد الأدنى منها، اللى مسمينها «مدنية الدولة»، مش فى دايرة اهتمامك، ولا فى دايرة اهتمام مانحى صكوك المجد من النشطاء السياسيين. هتقولى إزاى: دول همّ اللى بيطلعوا يهتفوا «يسقط يسقط حكم العسكر»؟ هاقول لك ما ده المفتاح. يسقط حكم العسكر هتاف ضد سلطة المؤسسة العسكرية، لكنه ليس مع «مدنية الدولة». إزاى؟ لأن مدنية الدولة تعنى فى الفكر السياسى «مواطنية الدولة»، «دولة مواطنين»، أى دولة معنية بما يعنى المواطن وليس ما يعنى السماء. فهى كلمة موجهة بالأساس نحو إدخال الدين فى السياسة. ده فى الأساس. ثم تمتد لتمنع أى فئة -سواء من العسكريين أو الأطباء أو المهندسين- من الاستئثار بالحكم وجوبا. علشان كده تلاقى دولة مدنية زى فرنسا يحكمها الجنرال ديجول، ومافيش مانع فى أمريكا إن كولن باول يترشح للرئاسة لو أراد، مع إنهم عسكريين. إنما الفارق إنه بيحكم ليس بصفته عسكريا ينتمى إلى المؤسسة العسكرية. إنما بصفته مواطنا. وبالتالى لا يكون انتقاده «خروجا» على الوطنية. وممكن يتمسح بيه الأرض عادى، والناس تهتف بسقوطه عادى، من غير ما حد يتهمهم بمحاربة «البطل اللى ضحى»، لأنهم فى هذه الحالة بيعارضوا «الرئيس اللى حكم». ومش ده المفهوم اللى بيروج له بتوع «يسقط حكم العسكر» حاليا. اللى بيروجوا للشعار ده حاليا بيخدعونا بالإيحاء بإنهم «مدافعون عن مدنية الدولة». منين جبت الادعاء ده؟ من تهاونهم الرهيب مع الإسلامجية. ما هوّ لو حضرتك فاكره عمر دول ما خرجوا فى مظاهرة ضد الأحزاب ذات الأساس الدينى، ولا ضد البنود الدستورية التى تدخل الدين فى الحكم، وبالتالى تسمح ل«رجال الدين» بصفتهم رجال دين أن يكونوا جزءا من مؤسسة الحكم وأصحاب رأى فصل فى خيارات سياسية، ولا ضد واحدة من أكثر بنود الدستور قتلا لمدنية الدولة، البند اللى بيخلى الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، وبيفتح الباب للتمييز ضد مواطنين مصريين، سواء بسبب الدين أو حتى الجنس. بتوع «يسقط حكم العسكر» دول نفسهم همّ اللى صوت منهم كتير للإخوان فى الانتخابات البرلمانية السابقة، ودلوقتى بينتقوا من شعارات «حقوق الإنسان» ما يخدم الإخوان علشان يرفعوه، أما ما يحفظ أمن المواطنة العادية، ويحفظ حق المواطنة المختلفة عقائديا، مش بيفتحوا بؤهم عليه، ولا بيطلعوا مرة فى حياتهم مظاهرة علشانه. بل وادعى أن كثيرا منهم ينشطون فى «يسقط حكم العسكر»، أكثر وأكثر وأكثر، حين يكون الشعار خدمة للإخوان. ويسكتون حين لا. وأذكرك بمواقفهم من التعديلات الدستورية فى 19 مارس 2011. ارجعى إلى مقالاتهم وشوفى رأيهم كان إيه. مش بأقول إن كل اللى قال نعم وقتها كان ده غرضه. إنما باتكلم عن دول بالذات. لأن دول لديهم من البجاحة ما يجعلهم يزايدون على الآخرين. وينسون مواقفهم حين «قالت الصناديق للإسلام نعم» وقالوا هم أيضا نعم. الحقيقة أن اليسار ليس معنيا ب«مدنية الدولة»، لأنه لو كان معنيا حقيقة كان سحب شوية كهربا مع عالمانية الدولة، وطلع له كام مظاهرة. لكن ده هيزعل أصحابهم الإسلامجية. هيزعلهم فعلا، مش كده وكده زى الخلافات المؤقتة اللى بتحصل من وقت للتانى. دول نصهم كانوا حلفاء لأبو الفتوح. ونصهم التانى كانوا عاملا أساسيا ومحوريا فى إنجاح محمد مرسى وتوصيل الإخوان إلى الحكم. وتقولى لى مدنية الدولة!! نقطة أخيرة. بس محمد أبو الغار بيقول على نفسه، وحزبه، ليبرالى، إنت ليه بتتكلم عن اليسار؟ ما هو علشان كده اعتبرت إن مقال النهارده رقم 1، علشان يكون فيه 2. دى خدعة اليسار التانية.