حكى لى صديق عن «رحلة» سافرها وهو مسطول. تخيل فيها أنه يذهب إلى عصور قديمة فى التاريخ الإسلامى، ليس معه سوى لابتوب، و«يو إس بى» علشان الإنترنت. واحد قاعد جنبه قال له: «يا لهوى. دا إحنا كده ندمر التاريخ!». والحقيقة الراجل المسطول التانى اللى قاعد جنب صاحبى المسطول الأولانى أصاب كبد الحقيقة. لأن السلطة المعرفية فى تلك الحالة ستذهب إليهما. وليس مستبعدا إن لم يتعرضا لاغتيال فورى أن يحكما العالم، أو أن يؤلههما الناس. لحظة! قبل أن تستخفى بهذا وتعتبرى أنه كلام مساطيل يثير الضحك ولا يستدعى التفكير، قبل أن تعتبريه مجرد خيال مستحيل، راجعى نفسك، وشوفى دا حاصل فعلا ولا لأ. من ناحيتى بأكد لك إنه حاصل فعلا، إنما، للأسف، بشكل عكسى. فى عصرنا، عصر المعلوماتية، ممكن أوى تلتفتى حواليكى تلاقى شخص جاى من أيام ابن كثير، وشخص جاى من أيام ابن إسحق، أو حتى من أيام الصحابة، وبيحاول يقنعنا إنه المستحق للسلطة المعرفية، وأنه يمتلك إجابات على كل أسئلتنا، وأنه وأنه. طيب بذمتك يا شيخة! مين المسطول؟! بالنسبة لى المسطول اللى حالته أخطر هو المسطول الدائم، «مساطيل الماضى»، اللى تحسيهم جايين من العصور القديمة لكى يحكموا عصرنا، اللى مش بيفوقوا، واللى التريباية «رحلة الانسطال» بتاعتهم مالهاش حدود، يعنى مش هيفوقوا بعد خمس دقايق ولا نص ساعة ونخلص، لأ، دا انسطال دائم. بالإضافة إلى إن تبعات انسطالهم مخيفة، دول ممكن يقتلوكى بفتوى من واحد من عصرهم الأصلى، ابن تيمية ولا ابن كثير.. وعلى جنب كده، علشان تبقى من مجاميعه، انسطالهم يخلو من خفة الدم المعتادة فى جلسات الأنس. بذمتك يا شيخة، لو ابن حجر نفسه، أكتر واحد حافظ أحاديث، جه دلوقتى ووريناه جوجل، هيكون رأيه إيه؟ طيب لو بعد ما فرجناه على عجايب زماننا وإبهاره المعرفى، وعرفناه على القمر والمريخ، ووريناه فيليكس وهو بينط من على حدود الغلاف الجوى، وخليناه يعمل دردشة بالكاميرا مع أشخاص يسكنون أمريكا، خلف «بحر طارق بن زياد». لو بعد ما عملنا كده شاورنا له على الإسلامجية الحاليين، وقلنا له إن دول عايزين يرجعونا لمعارف زمنك، هيكون رد فعله إيه؟! الراجل، للأسف، ما يعرفش انشراح. القضية واضحة. تجيبيها كده واضحة، تجيبيها الناحية التانية واضحة. لو فكرتى فيها خمس دقايق بس، بمعدل ذكاء متوسط، هتلاقيها واضحة. والقضية هى أن العالم فى أى زمن تحكمه السلطة المعرفية. بأى معنى؟! بمعنى أن من يملكون معرفة الصيد كانوا أوفر حظا ممن لا يملكونها فى عصر الصيد. ومن يملكون المعرفة العسكرية التى مكنتهم من صناعة العجلات الحربية تفوقوا بها، ثم من يملكون المعرفة السماوية فى عصور الأنبياء تفوقوا بها. والعصر الذى نعيش فيه يسير على نفس المنوال. المعرفة، العالمانية، بشؤون هذا العالم، من طب وفلك وهندسة وتكنولوجيا وفن وآداب، هى التى تحدد موقع الأمم وموقع الأفراد. أزمة الإسلامجية إذن أنهم لا يدركون، حتى الآن، أن السلطة المعرفية انحرفت بعيدا عن مشايخهم، بعيدا بعيدا، ووقعت فى يد الشيخ جوجل. الشيخ جوجل دا تسأليه عن أى حاجة بيقول لك، وبيجيب لك كل الآراء، وبيجيب لك فيديوهات لو مش حابة تقرأى، وبيترجم لك. بركاتك يا شيخ جوجل!