فى الدستور المصرى الحالى تقدُّم عن الدستور السابق، ولا سيما فى باب الحريات والمساواة، وفى مجال حصر الحقوق والحريات، وفى الاعتراف بالحقوق الثقافية. شكرًا لشباب السياسيين وممثلى سيناء والنوبة على مجهوداتهم. وفى الدستور الحالى قنابل موقوتة. شكرًا للبيروقراطية السياسية وفروخها، فقد شغلوا الرأى العام بأولوياتهم الإعلامية، شغلونا عن بنود أكثر أهمية. شغلوا الرأى العام بمهم، ولكن مساحة الحركة فيه ضئيلة، عن بنود أهم، كان يمكن بقليل من النقاش وتسليط الأضواء عليها أن تتحسن. وربما تحسن قليلا حياة سائقى التاكسى والمواطنين الآخرين الذين لا يعملون موظفين فى الحكومة. حظنا العسِر أن تلك البنود لا تحقق الشو الإعلامى الذى يغرى النشطاء بالتدخل. أشرت فى مقال سابق إلى بعض هذه البنود مثل بند تنظيم العلاقة بين الرئيس والحكومة، وقلت إنه سيتسبب فى تصعيب مهمة تشكيل الحكومة، وسير عملها. هناك بنود أخرى لا يصح أن تكون فى دستور، مثل التزام الدولة بالضرائب التصاعدية. وهناك بنود أخرى تبدو تقدمية، وحلوة، لكنها أيضا يجب أن لا تكون فى الدستور، كتحديد ميزانيات قطاعات معينة، على الأقل فى الوضع الاقتصادى الحالى. فالدستور لا يكتب ميزانيات، بل يترك هذا للبرامج الحزبية. الميزانية المصرية مكبلة بالأساس بأعباء مرتبات الموظفين والدعم وخدمة الدين، والباقى منها لم يكن يتحمل سياسيا أن تتحكم فيه مواد دستورية. هذا يجعله دستورا للتهليل الإعلامى وليس للإنجاز السياسى. ويجعله مستحقا لأكبر لا ممكن أن تقال لدستور. وحين نأخذ فى الاعتبار أنه أيضا لا يزال محتفظا بمرجعية الشريعة الإسلامية المنتمية إلى تشريعات القرن السابع الميلادى والقرنين اللذين تلياه، فلا مجال لمدحه أو انتظار خير من ورائه. ليس هذا دستورا لدولة حديثة. بل دستور يجعل مصر مثل «البيت الوقف». لا هو منطلق، ولا هو متمتع بكفالة أحد. هل هذا كل شىء؟ يا ريت. كنت أخدت شنطة هدومى ورحت أبات قدام لجنة علشان أقول لأ. كنت حسمت أمرى وريحت دماغى. كيف سيفسر التصويت بلا، أو ارتفاع نسبته؟ الإجابة معروفة. إنما هذا لا يعنى بالنسبة لى أننى يجب أن أصوت بنعم. فهذه الأمة يجب أن تنضج، وأن تفهم أن الاختيارات مركبة، وليست شيكات على بياض. إنما ما يعنينى أكثر أسئلة أخرى. لو صوتنا بلا، هل سنحصل على دستور أفضل؟ لا أظن. فى ظل الوضع السياسى الحالى لن نحصل عليه. لكننا سنتعلم أن نكتب الدساتير بعناية. أن نجعلها نوافذ مفتوحة لأفق أحسن، وليست مغلقة، لتحديد الرؤية. لو صوتنا بلا، هل سيتضرر الوضع السياسى؟ هل ستتضرر الفئات الأخرى غير الموظفين الحكوميين؟ والإجابة نعم. بسبب عدم الاستقرار. لكنها قد تتضرر أيضا لو أن هذا الدستور أقر بسبب عدم القدرة على تشكيل حكومة مستقرة. وسيتضرر أكثر بسبب كل هذه المواد التى حملها الدستور والتى ستجعل الخيارات السياسية القادمة عوراء، ليس أمامها إلا اتجاه واحد، وليته اتجاه مبشر، كنا بلعناه. أنا محتار.