الإثنين، آخر مهلة لسداد اشتراكات المحامين حاملي كارنيه 2022    اللواء بحرى أركان حرب أيمن عادل الدالى: هدفنا إعداد مقاتلين قادرين على حماية الوطن بثقة وكفاءة    حماس تعلن العثور على جثمان محتجز إسرائيلي وتسليمه للاحتلال خلال ساعات    عاجل- وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية السابق: حاولنا ربط الإفراج عن شاليط بمروان البرغوثي ولكن إسرائيل رفضت رفضا قاطعا    الدويري: لم يكن هناك طلبا لحماس لدى إسرائيل إلا وأكد الوفد المصري عليه    تعرف على غيابات الزمالك أمام ديكيداها بالكونفدرالية    بيان - وزارة الرياضة تتخذ 4 خطوات لمواجهة التجنيس    مؤتمر فليك: من نشر شائعة تأخير يامال تافه.. ولا أتدخل في حياته    أجواء خريفية.. الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا السبت| صور    محافظ الدقهلية: افتتاح مخبز المحافظة قريبًا لإنتاج الخبز المدعم و"الفينو" لتخفيف الأعباء عن المواطنين    100 صورة لنجوم ريد كاربت فيلم «عيد ميلاد سعيد» بمهرجان الجونة    محمد مندور يكتب: متحف الجامعة العربية.. ابو الغيط والوعي العربي    في ذكرى ميلاده.. سُليمان عيد صانع البهجة والإبداع    مستشار رئيس الجمهورية ومحافظ أسوان يشهدان انطلاق مهرجان تعامد الشمس    من 15 حلقة فقط.. جومانا مراد: بقدم شخصية جديدة ومختلفة في مسلسل 'خلايا رمادية'    مدير الخدمات الطبيه والفنية بالمؤسسة العلاجية يزور دار الولاده "الماترنتيه" بالإسكندرية    مقتل 8 مسلحين في عملية أمنية بإقليم خيبر بختونخوا الباكستاني    وزير الاستثمار يبحث فرص التعاون مع مجموعة IIB Group Holdings    «الوطنية للانتخابات»: قاعدة بيانات محدثة للناخبين لتيسير عملية التصويت    توفير وظائف للشباب وذوي الهمم .. حصاد «العمل» في إسبوع    مصطفى بكري عن سد النهضة: مصر لن تسمح بأي تهديد لمصالحها الوطنية    «أكتوبر العظيم»    الجيش الأمريكي يعتقل ناجين بعد غارة على سفينة بالبحر الكاريبي    الأرصاد الجوية: توقعات سقوط أمطار على بعض المناطق خلال الساعات القادمة    شبكة عالمية: محمد صلاح ضمن أفضل 5 صفقات في تاريخ الدوري الإنجليزي    وزارة النقل تناشد المواطنين للمشاركة في توعية ركاب السكة الحديد من السلوكيات السلبية    ريم أحمد تكشف عن تحديات الأمومة في ستات ستات: ابنتي أقوى مني    ينافس نفسه.. على نور المرشح الوحيد بدائرة حلايب وشلاتين    روسيا: مستعدون لتسهيل التوصل إلى تسوية لقضية البرنامج النووي الإيراني    قبرص: تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومصر والجهات الإقليمية الفاعلة أساسي لتعزيز السلام والأمن الإقليميين    انتخابات مجلس النواب 2025.. خطوات الاستعلام عن اللجنة الانتخابية ورقم الناخب    بنزيما يقود تشكيل الاتحاد ضد الفيحاء في الدوري السعودي    مبابي جاهز لقيادة ريال مدريد أمام خيتافي بعد التعافي من إصابة الكاحل    طريقة طاجن السبانخ باللحمة.. أكلة مصرية بطعم الدفا مع اقتراب أجواء الشتاء (المكونات بالتفصيل)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-10-2025 في محافظة الأقصر    ضبط دجال يروّج للشعوذة على السوشيال ميديا في الإسكندرية    أهم أخبار السعودية اليوم الجمعة 17 أكتوبر 2025.. منصة "نت زيرو" توقع مذكرة تفاهم مع الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة    المؤسسات الرياضية فى مخاطبات رسمية: التجنيس أحد أنواع الهجرة غير الشرعية    لمدة 14 ساعة.. ضعف وانقطاع المياه غدًا السبت عن 3 مناطق بالإسكندرية    الصحة تنظم ورشة عمل تدريب مدربين لمسئولي التثقيف الصحي    الاتصالات والسياحة توقعان بروتوكولين لرقمنة التراث المصري ورفع كفاءة خدمات الاتصالات بالمواقع الأثرية    الأقصر أرض التاريخ المصرى القديم تستضيف 100 مغامر أجنبى من 15 دولة بفعاليات رياضية الباراموتور.. بهجة وفرحة بين الأجانب بالتحليق المظلى فوق معابد ومقابر الملوك وشريط نهر النيل.. ومغامر فلسطينى يشيد بسحر المشهد    عالِم أزهري: «ادفع بالتي هي أحسن» قانون إلهي في تربية النفوس ونشر الخير    مصر تتأهل إلى نصف نهائي كأس العالم للكرة الطائرة جلوس في أمريكا    الإسكندرية تبدأ توسعة طريق الحرية.. مشاريع لتحسين الحركة المرورية لمدة شهر كامل    شركة حدائق: تحويل حديقتي الحيوان والأورمان إلى نموذج عالمي للحدائق الذكية    الصحة: رؤية إنسانية جديدة في المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    كيف تكتشفين أن طفلك متأخر لغويًا من الشهور الأولى؟.. أخصائية تخاطب توضح    اليوم.. إقامة صلاة الاستسقاء بجميع مساجد الإمارات    تعرف على الحالة المرورية اليوم الجمعة 17-10-2025    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تلتقي رئيسة بنك الاستثمار الأوروبي خلال فعاليات الاجتماعات السنوية للبنك الدولي بواشنطن    ننشر أسماء ضحايا ومصابي الحادث المروع بطريق شبرا بنها الحر    العلماء يؤكدون: أحاديث فضل سورة الكهف يوم الجمعة منها الصحيح ومنها الضعيف    أحكام وآداب يوم الجمعة في الإسلام... يوم الطهارة والعبادة والتقوى    شروط قرض الموتوسيكلات من بنك مصر 2025    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة في بورصة الدواجن    «الطفولة والأمومة» ينعي ضحايا حادث أسيوط ويؤكد متابعة الواقعة واتخاذ الإجراءات القانونية    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يخوض المران الختامي اليوم استعدادًا لمباراة «إيجل نوار»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«غرفة أبى» المجدُ للمهزومين وللأب السماوى!
نشر في التحرير يوم 08 - 12 - 2013

يجمع بين كتابة السيرة، والترجمة من لغة إلى أخرى، أنهما لا يمكنهما الإفلات من خيانة ما، فالتطابق بين ما حدث وبين كتابته مستحيل، كما أن ترجمة نص ما لا بد أن تحمل شيئًا من روح المترجم وثقافته، حتى ولو لم يتعمد ذلك، وهذا هو ما نعتبره خيانة مستحبة، تُنجينا من ركاكة لا فكاك منها فى حال جاءت الترجمة حرفية، كتلك التى يتحفنا بها السيد «جوجل» بين الحين والآخر، وهذا فى ذاته أيضًا خيانة، وإن لم تكن مستحبة على الإطلاق.
ما سلف خطر لى قبل أن أسأل نفسى: لمن يكتب عبده وازن، الشاعر والمترجم والروائى والمحرر الثقافى البارز، فى سيرته الذاتية الروائية «غرفة أبى»؟ لأبيه أم لنفسه؟ الأرجح أنه يكتب لنفسه، عن نفسه وما تعتقده فكرًا وعاطفة وعقيدة دينية وأخلاقية ورؤى سياسية واجتماعية، أما سيرته هو وسيرة أبيه والعائلة، فتأتى فى مرتبة تالية فى الأهمية. يذكر الناشر (منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف) على الغلاف الخلفى للكتاب الذى يتألف من 224 صفحة أن عبده وازن «يسرد سيرة مزدوجة، سيرته الذاتية متقاطعة مع سيرة أبيه الذى يكاد يجهله»، ورغم أن العنوان يوحى بأن الأب البيولوجى هو البطل، لكنه إيحاء خادع. فالكتابة عبر رسالة طويلة موجهة إلى الأب الفعلى الذى رحل والسارد كان فى نحو العاشرة من عمره، ليست سوى حيلة فنية أو تقنية مُجربة، تأتى ضمن تقنيات أخرى: المونولوج، التقطيع المشهدى، السرد داخل السرد، وسواها، مما تقتضيه الكتابة الروائية. وعلى أية حال فإن هذا هو ما يؤكده وازن نفسه فى ختام الكتاب/الرواية وهو يخاطب أباه: «هذه ليست رسالة لك، هذه ربما رسالة لى، أكتبها لنفسى لأننى أعلم أنى تأخرتُ فى الكتابة إليك» ص 222، ويعيد تأكيده فى الصفحة التالية، التى هى فى الوقت ذاته آخر صفحات الكتاب: «هذا كل ما بقى منك، بضع صور بالأسود والأبيض تروى لمحات من سيرة شخص يكاد يكون لا أحدا... صورٌ تقول إنك كنتَ، صورٌ تقول أيضا إنك رحلتَ وكأنك لم تكن». هنا تتبدى فى الأخير كأوضح ما يكون قسوة الرغبة فى قتل الأب الميت سلفًا، ربما لكونه يمثل قناعات مغايرة لقناعات الابن الذى تظهره هذه السيرة فى كثير من مواضعها رقيقًا حالمًا رومانسيًّا، بارًا بأهله، خصوصًا أمه، وهى صفات تحلى بها الأب ذاته يومًا ما، كما تظهره ضجرًا متبرمًا، يمجد الهزيمة والمهزومين ويمقت الحرب، التى عاش أبشع فصولها فى بيروت منذ عام 1975 بقدر ما يمقت أحابيل السياسة، وتدليس التاريخ، والاستقواء باسم عائلة عريقة بمقاييس البلدة الصغيرة التى تنتمى إليها (الدكوانة) أو الطقوس الدينية المزيفة للوعى، وتلك أمور، إما أن ذلك الأب لم يهتم بها أصلًا، أو كان سطحيًّا فى تعاطيه مع بعضها.
ولعل ما ينفى تمحور العمل حول ذلك الأب، الذى قرر ابنه بعد أن تجاوز الخمسين من عمره، أن يجلس فى غرفته ليكتب تلك السيرة، الرواية، وسط مجموعة صور ومقتنيات عادية، هو حضورٌ لا غنى عنه تمامًا للأم التى ترملت وهى فى أوج شبابها، وباتت حتى بعدما اقتربت من الثمانين من عمرها، مصدرًا وثيقًا لكثير من المعلومات، سواء عن الأب ذاته ورفاقه وأقاربه، والأهم بعض تفاصيل علاقتها الحميمة مع ذلك الأب الذى كان عاملًا فى مصنع للقرميد، خصوصًا فى «ليلة الدخلة» التى تسيدها وبضع ليال أخرى أعقبتها، عجز جنسى طارئ، بل وحتى تفاصيل علاقة عاطفية عذرية ربطتها بشاعر مغمور قبل أن تتزوج، وكذلك عن الابن ذاته حينما كان طفلًا. ولا يدع السارد ذكرى ذلك العجز الجنسى الطارئ من دون أن يفلسفها، خصوصا أنه هو نفسه مر بمثل ذلك العجز غير مرة: «أقوى ما فى الرجل أن يشعر بضعفه، أن يكون ضعفه هو الدليل على رجولته. هذا النقصان هو الاكتمال نفسه، الاكتمال الذى لا يكتمل، الذى يظل ناقصًا»!
لم يرث السارد عن أبيه فقط اعتلال القلب، لكنه ورث كذك الطيبة «التى هى مرض أيضًا يصعب الشفاء منه»، بتعبيره. لكنه اختلف عن الأب فى أنه جمع النزق والقلق والاضطراب الروحى، مع الطيبة «التى كرهتُها رغما عنى». السارد فى «غرفة أبى» يتحدث فى غير موضع عن إعجاب كامن بنزق عمه وخاله اللذين كانت لكل منهما صولات وجولات مع النساء.. «فهذه النفس التى هى نفسى أمارة بالسوء فعلا والأفكار الشريرة لا تبرح تنتهبها. هكذا أنا أيها الأب يتنازعنى قطبان، الثلج والنار، الشر والنعمة. الدين هاجس لدى والجنس هاجس آخر».
تلك عينة من الأفكار التى تعبر عن قناعات صاحب «حديقة الحواس» و«قلب مفتوح»، الذى خضع لجراحة فى القلب أنجته من مصير أبيه الذى أودى به اعتلال قلبه مبكرًا. تتناثر أفكار السارد فى متن العمل من بدايته إلى نهايته. فهو، مثلا، لا يعتقد فى ألوهية المسيح: «لم أستطع يا أبى أن أفهم المسيح إلا ابنا، أى إنسانًا. إلغاء إنسانية المسيح هو إلغاء لجوهر التجربة التى عاشها»، ص 63. كما أنه وهو المسيحى المارونى يعتقد كذلك أن الله (الأب السماوى بتعبيره) لا يمكن أن يكون أبًا إلا بالمعنى الروحى. ص 103.
على الغلاف يُصنف هذا العمل باعتباره «رواية سيرذاتية»، وفى المدخل قول نوفاليس: «لا يشعر الفتى بالأمان إلا فى غرفة أبيه»، وقول نيتشه: «الصامت فى الأب ناطق فى الابن، ولطالما وجدتُ فى الابن سرًا للأب، مكشوف النقاب». ولا يخفى السارد أن بعض الوارد فى تلك السيرة هو محض خيال أو اختلاق: «لعلنى أخطئ أيها الأب فى التواريخ أو الأسماء، هنا أو هناك، فأنا لا أكتب إلا أضغاث ذكريات، قد تكون حقيقية وقد تكون متوهمة». لكنه مع ذلك يذهب بعيدًا نسبيًّا فى الفضح، على غرار سير ذاتية جريئة، منها مثلا «الخبز الحافى» لمحمد شكرى، فيتحدث عن عمته التى ضاجعها رجل متزوج وأفقدها عذريتها، قبل أن يفر بفعلته، فاحتوتها العائلة، خصوصا الأب الطيب، حتى منحتها جراحة صغيرة فى «الفرج» بكارة مصطنعة، فضها الزوج الذى لم يعرف أصلًا بما حدث.. «وكأن أمرًا لم يحصل» ص 83.
عبدو قيصر وازن، حسب اسم السارد فى الأوراق الرسمية، لم يحب التاريخ يومًا، لكنه يسجل فى تاريخه الشخصى أنه كان فى حوالى العشرين من عمره عندما توجه إلى باريس، على أمل أن يدرس هناك الفلسفة وعلم الجمال، وأمضى فى عاصمة النور نحو عام واحد، لكنه لم يطق العيش فيها، وتوجه إلى كينشاسا حيث عمل ملاحظ عمال وحقق حلمًا يليق بشاعر مرهف الحس: أن يرى، فى الحقيقة، قطارًا كالذى رآه فى بعض أفلام سينما صباه ومقتبل شبابه، ثم سرعان ما عاد إلى بيروت، حيث الحرب الأهلية، التى لم تتوقف حتى الآن، على عكس المُعلن.. بيروت التى لم يعد لها وجود، برأيه، بعدما شوهتها الحرب ونخر الفساد معالمها القديمة التى خبرها فى صباه وشبابه وعبر الصور المحفوظة فى غرفة الأب.
«المهزومون. هؤلاء من أحب، وهؤلاء هم من أنتمى إليهم».. هل يمكن أن نعتبر ذلك الاعتراف الوارد فى «غرفة أبى» مفتاحا لشخصية عبده وازن، المثقف المعادى للحداثة التقنية، من ناحية، ومفتاحًا لهذا العمل الأدبى المتميز، من ناحية أخرى؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.