صدمة كبيرة لنا أن نعرف أن هناك عددا ليس بالقليل من الشباب المصرى الذى وصل بفكره إلى الإلحاد.. ووجدنا الصفحات التى تتناول ذلك الموضوع فى ازدياد فى زمن الدعوه لتطبيق الشريعة. لا بد أن هناك خطأً ما.. نحن مجتمع لا يتقبل نفسيا من يصل به فكره إلى الإلحاد.. الصدام سيحتدم مؤكَّدًا والخاسر ليس جيلَ المستقبل فقط، وإنما مصر كلها.. إذن لا بد من وقفه مع النفس.. نحلل.. نتناقش.. نصل إلى الأسباب ونعالجها. كان يوم 11 فبراير 2011، يوم التنحى، يومًا فارقًا فى حياة المصريين.. ومنذ ذلك اليوم ونحن نعيش كل التناقضات التى يمكن أن يعيشها إنسان، والتى تصل بنا أحيانا إلى حد الإرهاق والتوهان النفسى والعقلى. وقد كان استفتاء مارس أول المواقف التى ظهرت لنا فيها بعض المصطلحات التى باتت شعارات للبعض مثل «الشعب يريد تطبيق شرع الله» ولم نتمكن إلى يومنا هذا من فهم المقصود منها، ولا من معرفة الشكل والمضمون لتطبيقها فى عقول من يرددونها بمنتهى الحماس. أعتقد أنه- بشكل فطرى شديد البراءة- لا يمكن لأحد لديه أى قدر من الإيمان بالله سيرفض تطبيق تعليمات دينه.. وقد كانت صدمتنا الأولى ذلك اليوم الذى نزلت فيه قوى الإسلام السياسى إلى الميدان ورفعوا الرايات السوداء والخضراء ولم يرفعوا راية بلدنا مصر. وكانت لافتاتهم كلها تنادى بأنهم يريدون تطبيق الشريعة، وقد سألت الكثيرين، عن هؤلاء الذين يصيحون فى وجوهنا ليل نهار: ماذا يقصدون بتلك الشعارات؟ لكن للأسف لم أجد كلاما محددا ولا رؤية واضحة، بل على العكس رأينا جميعا- فى ما بعد- نظام الإسلام السياسى عندما وصل للحكم يسعى للقرض الربوى، ويمنح تصاريح الكباريهات، ويسمح باستيراد الخمور، ويكذب ويضلل، ويَعِد ويخلف، ويدعو للعنف، ويكفّر ويحرض على الاستقطاب، ويأخذنا إلى حيث لا نريد، إلى مشروعه هو الوهمى وليس إلى مشروع الثورة الوطنى القائم على العيش والحرية والكرامة الإنسانية. ما حدث أن الكثير من شبابنا، ممن هم فى مقتبل العمر والذين بدأت عقولهم وأذهانهم فى التفتح والبحث عن الحقيقة، كانوا يراقبون الموقف والأداء عن كثب، وللأسف لم يجدوا إلا التناقض فى كل شىء، وقدم لهم النظام المتأسلم مثالا سيئا أربكهم وشتت أفكارهم، لم يجدوا إلا شعارات وفقط.. لم يجدوا إلا مواقف مخزية ممن يدّعون الإيمان.. لم يجدوا إلا الكذب والخداع والتضليل ممن يفترض بهم أن يكونوا قدوة حسنة.. لم يجدوا إلا الشدة والعنف والحث على التمسك بالمظهر دون الجوهر.. وجدوا النظرة الدونية للمرأة.. وجدوا القهر، والكيل بمكيالين، وجدوا الشيوخ على قنواتهم الفضائية التى تسب وتلعن وتبيح الكذب تحت مسمى التقية تارة والتعريض تارة أخرى.. وجدوا من يتكلم عن أن الغزوات هى الحل من أجل الحصول على الغنائم والسبايا.. وجدوا كل ما يسىء لأى دين فى الدنيا.. والنتيجة ظهور أكثر من مليونى شاب ملحد على مواقع التواصل الاجتماعى. ومن يتابع هؤلاء الشباب يجد أنهم يسألون أسئلة مشروعة.. ولكن هيهات، فهم لا يجدون من يجيبهم أو يصحح مفاهيمهم التى ارتبكت وأصابها الشطط لما يرونه من تناقض وخلط فى كل شىء.. وقد دق ناقوس الخطر الداعية معز مسعود منذ عام ونبه لخطورة الموقف وبداياته، وهو الآن الوحيد الذى يتفاعل معهم على مواقع التواصل الاجتماعى ويحاورهم ويتحمل مسؤولية لا يجب أن يتحملها وحده. والسؤال هنا: هؤلاء الشباب ذنبهم فى رقبة مَن؟ عندما أعود بالذاكرة إلى الوراء أجد أننا تربينا على الإسلام الدين السمح الوسطى العظيم.. لقد تعلمنا، لعبنا، استمتعنا بطفولتنا وشبابنا وتخرجنا وعملنا، كلٌّ فى مجاله وفى كل هذا كان ديننا فى قلوبنا، نصلى، نصوم وندعو الله ونشكره ونلجأ إليه فى كل حين، فى السراء والضراء، ونقتدى برسولنا الكريم فى معاملاتنا، نلجأ إلى الأزهر الشريف ليفتينا فى مشكلاتنا.. لقد كنا سعداء بأننا نعمل لديننا ودنيانا. كلمة أخيرة لهؤلاء المتأسلمين الذين سيتحملون ذنب هؤلاء الشباب وحدهم أمام الله.. ارحموا أبناءنا.. ارحموا شبابنا.. اتركونا واتركوا أولادنا.. اتركونا نعيش لدنيانا كأننا نعيش أبدًا، ونعمل لآخرتنا كأننا نموت غدًا. وأذكِّركم بأن الكلمة الطيبة صدقة، وأذكِّركم بحديث رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».