على مدى عام تقريبا من مواجهة الرئيس السابق محمد مرسى وطغيان جماعته وعشيرته، الإخوان المسلمون، كان المتحدثون باسم الجماعة لا يَدّعون مناسبة إلا ويطالبون فيها جبهة الإنقاذ الوطنى ب«رفع الغطاء السياسى» عن مجموعات بسيطة، صغيرة العدد، تضم كل منها ما لا يتجاوز عشرات الأفراد، وتقوم بأعمال شغب فى مواجهات مع الشرطة سواء فى محيط ميدان التحرير أو أمام قصر الاتحادية. وكان الإخوان يصدِّعون رؤوسنا بالحديث عن «البلاك بلوك» والتى بالغوا فى التهويل من حجمها وخطرها، وكأنها تنظيم الجماعة الإسلامية فى حقبة التسعينيات من القرن الماضى والتى تخصصت فى قتل المسؤولين الحكوميين والشرطة والسائحين الأجانب ومهاجمة محلات المسيحيين والمفكرين والكتاب، بينما كان أغلب من شاهدته منهم فى مناسبة أو اثنتين فقط فى تظاهرات بميدان التحرير شباب صغير السن جدا، أحيانا 14 و15، ولا يمسكون فى يدهم سوى حجارة وعصيان ويقومون بحركات أعرفها منذ الطفولة فى حصص التدريب على الكاراتيه.. وفى كل حوار كنت أشارك فيه معهم كمتحدث سابق باسم جبهة الإنقاذ، كان الإخوان يتهمون معارضيهم بتهديد السياحة بعد الاعتداء مرتين أو ثلاثة بإلقاء الحجارة على فندقين متواجهين بالقرب من مسجد عمر مكرم، وتعطيل مصالح المواطنين عبر إغلاق مجمع التحرير، ويرفضون تماما تصديقى أن أيا من الأحزاب الكبيرة فى الجبهة، كالوفد والدستور والمصرى الاجتماعى والتيار الشعبى والتحالف الاشتراكى والمصريين الأحرار؛ من الصعب جدا أن يكون لأى منهم علاقة بتلك المجموعات الصغيرة التى تتورط فى أعمال العنف أو تقوم بإلقاء قنابل المولوتوف، لأننا نرفض بشكل قاطع هذه الأساليب وندينها. كما كان الإخوان يرفضون أيضا الاعتراف أنه فى أعقاب ثورة 25 يناير، خرجت مجموعات شبايبة عديدة كانت تصمم على العمل بمفردها وبعيدا عن أى أحزاب. ولكن مع تراكم غضب الشعب المصرى، والاقتراب من موعد 30 يونيو الذى يتجاهلون أنه كان يوميا سلميا تماما عبر فيه ملايين المصريين عن موقفهم بتحضر ومن دون أى خسائر فى الأرواح إلا من قتلوهم هم أمام مكتب الإرشاد فى المقطم، انقلبت اللهجة إلى التهديد والوعيد، والقول إنه إذا كانت جبهة الانقاذ تعتقد أن المظاهرات والاحتجاجات ستؤدى للإطاحة بالرئيس السابق مرسى، فإنه حال حدوث ذلك، فإن الإخوان وأنصارهم سيقومون بأضعاف تلك المظاهرات والاحتجاجات، ولن يبقى لمصر رئيس فى الحكم بعد ذلك.. ويعلم الإخوان جيدا أنه لو كانت مظاهراتهم واحتجاجاتهم قد بقيت فى إطار السلمية، لما كان أحد قد استطاع الاعتراض عليهم. أما أن يقوموا بمحاولة تدمير البلد بأكمله، والانتقام من عامة الشعب المصرى لأنهم يشعرون أنهم يتعرضون لظلم سياسى، فهذا شىء آخر تماما، ويؤدى فقط إلى زيادة عزلتهم ونفوذ كل من يدّعونه -الطريق الأمنى واستخدام القوة المفرطة وإقصاءهم تماما- وهى الوسائل الوحيدة الممكنة للتعامل معهم.. هنا، سيصرخ قادة الإخوان قائلين إنهم لا علاقة لهم بأحداث القتل والتدمير، بداية بالحرب الدائرة فى سيناء ومحاولة اغتيال وزير الداخلية والهجمات شبه اليومية على أكمنة رجال الشرطة والسيارات المفخخة التى ضربت مبانى للشرطة والمخابرات والاعتداء على الكنائس كما حدث مؤخرا فى الوراق ومحاولة قتل كاتب المقال، أو ما شهدناه قبل يومين من اعتداء مشين على المقر الإدارى لجامعة الأزهر ومحاولة حرق المبنى وحصار رئيس الجامعة. وسيسارع الإخوان فى استعراض بيانات الإدانة المائعة التى لا معنى لها فى إدانة هذه الأحداث.. ولكن ما يثبته الواقع هو أن قيادات الإخوان قلوبها تسعد مع كل هجمة من هذه الهجمات، وتلهث ألسنتهم بالتهليل والتكبير، وذلك لأن كل تفجير أو حادثة قتل أو اعتداء يدعم زعمهم أنه من دون الإخوان وحكم الرئيس السابق مرسى، فلن يسود مصر سوى الفوضى والخراب، وأن السلطة الجديدة فى مصر غير قادرة على السيطرة على الموقف. وهنا تصبح بيانات إدانة الإخوان لا تستحق ثمن الورق الذى كتبت عليه، وهى موجهة فقط للاستهلاك الخارجى، وذلك لأن الشعب المصرى ومصالحه قد سقطا تماما من حساباتهم. ورغم طنطنة الإخوان وهجومهم الظاهرى على الولاياتالمتحدة وإدارة أوباما والاتحاد الأوروبى، فإن استراتيجتهم وآلتهم الإعلامية الضخمة التى يتم الإنفاق عليها بسخاء تقومان على استمالة هذه الحكومات الغربية من أجل الضغط على السلطات الحالية لتغيير سياستها، وربما إعادة مرسى للحكم إن أمكنها. فالإخوان، أكثر من أى طرف آخر، يتعاملون مع الشعب المصرى على أنه يمكن اقتياده كالقطيع. وبالتالى، فإن الخطوة التالية، فى حالة نجاح حملة الإرهاب الإخوانية الحالية سيكون طلب وضع مصر تحت الحماية الدولية لضمان بقاء الإخوان فى الحكم فى ضوء رفض غالبية الشعب المصرى الواضح لهم.. ما أطالب به الإخوان فى ضوء العمليات الإرهابية التى نشهدها يوميا، وفى أعقاب حادثة محاولة الاعتداء على مقر جامعة الأزهر، والسعى المتواصل لوقف العملية التعليمية برمتها رغم أن حاجتنا شديدة للعلم، وتعطيل المواصلات العامة والطرق وتدمير الاقتصاد، ليس فقط أن يرفعوا الغطاء السياسى عن هذه الجرائم، ولكن أن يتوقفوا تماما عن تنظيم مظاهراتهم واحتجاجاتهم اليومية ولو لعدة أيام فقط، وذلك لكى ينكشف أمام الجميع المسؤولون الحقيقيون عن الإرهاب. والأهم، لكى نتمكن نحن كمصريين، قبل أى شىء، فى التفكير والاتفاق على كيفية الخروج من دائرة الفوضى المتواصلة منذ ثلاث سنوات ووقف نزيف دماء المصريين. هذا ما سيفيد كل المصريين، بما فى ذلك الإخوان. أما أن يكون أملهم وخططهم مبنية على الخارج فقط، فذلك لن يترتب عليه سوى ترسيخ عداء المصريين لهم كجماعة سياسية رغم تاريخهم الطويل، وسيادة الأصوات الداعية إلى التعامل معهم بالأساليب الأمنية فقط.