أثارت جريمة كنيسة الوراق الإرهابية ذاكرة الكثيرين عن الوعود سريعة الانطلاق على ألسنة بعض المسؤولين التى يتعهد أصحابُها بما لا يتحقق! والبادى المُرَجَّح أنهم يعلمون استحالة تحقيقها! فبرجاء أن تتوقف البيانات الفورية التى تعلنها وزارة الداخلية عقب كل جريمة إرهاب بأن أجهزة الأمن وضعت يدها على خيوط مهمة سوف تؤدى إلى إلقاء القبض على المجرمين بعد أيام قليلة! وأحيانا يُقال بعد ساعات قليلة! وفى الأغلب الأعم، يمرّ الوقت دون أن يتحقق الوعد! لتحصل جريمة أخرى أكثر بشاعة فيصدر بعدها بيان مشابه! وكأنها معلبات محفوظة فى الأدراج يسحبها أحدهم بشكل آلى ليمررها كسوابقها! المشكلة أن بعض المسؤولين يتوهم أن تأكيده أن كل شيئ تحت السيطرة عامل مطمئن للناس، حتى لو لم يكن الأمر كذلك! وهذا افتراض ساذج يضرب عرض الحائط بالقواعد الأساسية للتعامل الإعلامى مع الجماهير فى العصر الحديث، الذى تراكمت فيه الدراسات العلمية التفصيلية عن طبيعة العقل الجمعى وعن الآثار السلبية الهائلة من جرّاء التعامل مع الناس كقطيع من السذج بوهم أنهم يقتنعون بسهولة وببساطة بما يُقال لهم، كما باتت تتوافر فى زماننا وسائل إعلام أخرى هائلة، وبعضها يأخذ موقفا عدائيا، كما أنها تخرج عن مجال وقدرة الدولة على السيطرة عليها، وهى تشكل عنصرا هاما فى إعلام الجماهير إما بالحقيقة عندما تكون جارحة وصادمة وإما بأكاذيب ليس هنالك إمكانية للتصدى لها إلا بإعلان الحقيقة المصحوبة بتفسير الأمور، وعلى أن يجرى ذلك بالسرعة التى تتوافق مع إيقاع العصر حيث كل شيئ يجرى بسرعة فائقة. كما أن إعلام الجماهير بالحقيقة ينبغى أن يتضمن ما حدث وأسبابه ومعناه وأطرافه وشركاءهم وأهدافهم وما سوف يترتب على فعلتهم حتى مما لم يخططوا له، بل ويُستحْسَن أن تُذكَر أيضا الثغرات التى من خلالها تمكن الإرهابيون من اقتراف جريمتهم، حتى لو كان الخطأ عن تقاعس أو إهمال أو قلة تدريب ودراية، وعن كيفية التعامل مع الخطأ والمخطئ، بعلاج النقص وبمحاسبة المسؤول عن الجريمة. ولا يمكن تبرير أن عوامل الأمن تستدعى دائما حبس التفاصيل ومنع النشر ومساءلة من ينقل أخبارا عما يجرى! فهذا لم يعد معمولا به فى عالمنا وفى زماننا إلا فى أضيق الحدود التى ينبغى أن تكون مفهومة ومُقَدَّرة للرأى العام. مثلا، لماذا لا تجيب أجهزة الأمن على الأسئلة الملحة التى تدور فى أذهان الجماهير عن المقارنة بين حالنا وبين النجاح السريع لأجهزة الأمن فى الغرب فى تقديم المتهمين فى مثل هذه الجرائم للعدالة؟ وتكون فرصة لشرح فارق الإمكانيات ولعرض ما توفره دولهم لأمنهم من أجهزة وتقنيات حديثة، ليس فقط ما هو شائع عن الكاميرات الموجودة فى الشوارع وفى المنشآت الرسمية وداخل المحلات التجارية، ويُقال إن مثل هذه الإنجازات فى مصر يتكلف كذا ويأخذ وقتا مداه كذا حتى يدخل فى الخدمة، وإنه على الشعب أن يتحمل تكاليف مثل هذه التجهيزات مقابل أن يتحقق له الأمن المأمول..إلخ وبرغم ما يترتب على هذه المصارحة من إيذاء لمشاعر الناس وما قد يثير لديهم القلق، إلا أنه أخفّ وطأة من الآثار التى تتركها الوعود الخيالية عن سرعة حسم المشكلة من جذرها ومن خطأ فرض السرية على نشر أخبار الحدث وتوابعه، كما أنه يخلق عنصر ثقة بين الناس والدولة، وربما يحثهم على الإيجابية ما دام أن الأجهزة الرسمية تعلن لهم التفاصيل الحقيقية! أما ما هو أكثر غموضا، فيتعلق بمن وقعوا بالفعل فى قبضة أجهزة الأمن، سواء القوات المسلحة أو الداخلية، بدءا بالمتهم الذى اعترف بجريمة إلقاء الأطفال من فوق خزان للمياه أعلى سطوح إحدى البنايات، فوقعوا جثثا هامدة، إلى زعيم جريمة قتل المجندين العشرين بالعريش، مرورا بعدد كبير مِمَن أعلنت أجهزة الأمن عن إلقاء القبض عليهم وإبقائهم تحت السيطرة! قيل إن هذين المتهمين الإثنين بالذات اعترفا تفصيليا بجرمتيهما، ونُشرَت لهما بعض الصور مع بعض الاعترافات، ثم دخلت الموضوعات طى الكتمان، ولم يَعد الرأى العام يتلقى تفاصيل تلبى حق الجماهير فى معرفة أخصّ خصوصيات الظرف التاريخى الذى يعيشونه، والذى شاركوا فى صنعه بالمساهمة فى الثورة، وبدفع ضريبة غالية من الشهداء والمصابين، كما أكدوا جديتهم بالخروج لتصويب مسار الثورة عندما سطت عليها جماعة الإخوان وانحرفت بها عن الهدف، كما أنهم خرجوا مجددا لتفويض القوات المسلحة والشرطة بإعمال القانون ضد منتهكيه، بل وكانت مشاركتهم الأكثر جدية فى الالتزام بفرض حالة الطوارئ وحظر التجوال لنحو 10 أسابيع منذ فضَ الاعتصامات غير الشرعية فى منتصف أغسطس وحتى الآن! حق الشعب فى معرفة أخبار بلاده حق أصيل لا يقبل المساومة!!