محافظ أسيوط يوجه بمتابعة أعمال صرف وتوزيع الأسمدة الزراعية على أرض الواقع    الري: 85% نسبة تنفيذ المسار الناقل لمياه الصرف الزراعي لمحطة الدلتا الجديدة    الزراعة تصدر 429 ترخيص تشغيل لأنشطة الإنتاج الحيواني والداجني خلال النصف الأول من نوفمبر    الأمم المتحدة: الذخائر غير المنفجرة تشكل تهديدا خطيرا لسكان غزة    مصدر سوري ينفي وقوع انفجار المزة بسبب خلل أثناء تدريب عسكري    روسيا: استسلام جماعى لمقاتلين فى القوات الأوكرانية فى مقاطعة خاركوف    مكالمة الوداع.. أسامة نبيه يروي تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة محمد صبري    بسبب تأشيرة.. استبعاد علي معلول من قائمة تونس لمواجهة البرازيل    اليوم.. الأهلي يبدأ استعداده لمواجهة شبيبة القبائل    القبض على المتهم بسرقة أبواب المقابر بمركز بلبيس في الشرقية    وصول طفل دمنهور إلى محكمة إيتاي البارود لحضور جلسة الاستئناف    اليوم..بدء نظر جلسة الاستئناف الخاصة بسائق التريلا المتسبب في حادث فتيات قرية السنابسة    مهرجان القاهرة السينمائي يعرض 32 فيلما اليوم    عمرو أديب: المتحف المصري الكبير ليس مكانا للرقص وجري العيال.. لو خلصت زيارتك امشي    أسيوط: الأتوبيس المتنقل لمكتبة مصر العامة ينشر المعرفة في القرى والمراكز    وزير الصحة يطلق الاستراتيجية الوطنية للصحة الرقمية 2025–2029 خلال فعاليات مؤتمر PHDC'25    لو مريض سكر.. كيف تنظم مواعيد دواءك ووجباتك؟    في ذكرى وفاته| محمود عبدالعزيز.. ملك الجواسيس    إلغاء رسوم الخدمات الإدارية لطلاب المعاهد الفنية المتوسطة (مستند)    أمريكي يعتدي على شباب مسلمين أثناء الصلاة في ولاية تكساس.. فيديو    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    أيمن عاشور: التحضير للمؤتمر الدولى للتعليم العالى فى القاهرة يناير المقبل    اللجنة المصرية بغزة: استجابة فورية لدعم مخيمات النزوح مع دخول الشتاء    مدفعية الاحتلال تقصف شرق مدينة غزة ومسيرة تطلق نيرانها شمال القطاع    إصابه 4 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ملاكي بطريق سفاجا-الغردقة    الطقس اليوم.. أمطار واضطراب بالملاحة على عدة مناطق    ترامب يلغي الرسوم الجمركية على اللحم البقري والقهوة والفواكه الاستوائية    تراجع فى بعض الأصناف....تعرف على اسعار الخضروات اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى اسواق المنيا    وزارة التخطيط تقدّم الدعم الفني واللوچستي لإتمام انتخابات نادي هليوبوليس الرياضي    الصحة العالمية: «الأرض في العناية المركزة».. وخبير يحذر من التزامن مع اجتماعات كوب 30    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    النادي المصري ينعى مشجعه معتز مشكاك    حارس لايبزيج: محمد صلاح أبرز لاعبي ليفربول في تاريخه الحديث.. والجماهير تعشقه لهذا السبب    جامعة القناة تقدم ندوة حول التوازن النفسي ومهارات التكيف مع المتغيرات بمدرسة الزهور الثانوية    آخر يوم.. فرص عمل جديدة في الأردن برواتب تصل إلى 33 ألف جنيه    الصين تحذّر رعاياها من السفر إلى اليابان وسط توتر بشأن تايوان    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية لقرية أم خنان بالحوامدية    مصطفى كامل يكشف تطورات الحالة الصحية للفنان أحمد سعد    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    مواعيد مباريات اليوم السبت 15 نوفمبر 2025 والقنوات الناقلة    ضوابط تلقي التبرعات في الدعاية الانتخاببة وفقا لقانون مباشرة الحقوق السياسية    انتخابات النواب، تفاصيل مؤتمر جماهيري لدعم القائمة الوطنية بقطاع شرق الدلتا    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    محاكمة خادمة بتهمة سرقة مخدومتها بالنزهة.. اليوم    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 15 نوفمبر 2025    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    حكم شراء سيارة بالتقسيط.. الإفتاء تُجيب    الاتجار في أدوية التأمين الصحي «جريمة»    نقيب المهن الموسيقية يطمئن جمهور أحمد سعد بعد تعرضه لحادث    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    أوروبا حاجة تكسف، المنتخبات المتأهلة لنهائيات كأس العالم 2026    مقتل 7 أشخاص وإصابة 27 إثر انفجار مركز شرطة جامو وكشمير    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    مناوشات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    باحث في شؤون الأسرة يكشف مخاطر الصداقات غير المنضبطة بين الولد والبنت    عمرو عرفة يحتفل بزفاف ابنته بحضور ليلى علوي ومحمد ورامي إمام وحفيد الزعيم    بيان من مستشفى الحسينية المركزي بالشرقية للرد على مزاعم حالات الوفيات الجماعية    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بيت النار».. الحنين إلى الماضى
نشر في التحرير يوم 21 - 10 - 2013

محمود الوردانى يستعرض مراحل من حياة بطله من خلال المهن الصغيرة التى مارسها
الحنين إلى الماضى، والى مرحلة الطفولة وبداية الشباب، والشجن الذى يغلف المشاعر بعد سن الستين أبرز ملامح رواية محمود الوردانى «بيت النار» الصادرة عن «ميريت». يستعرض المؤلف مراحل من حياة بطله، ويوجّه العدسة المكبّرة إلى المهن الصغيرة التى مارسها، خلال تلك السنوات المبكّرة من حياته، ثم كذلك مشاعره الغضّة تجاه بعض الفتيات، بالإضافة إلى بعض التفاصيل المهمة عن جغرافية الأحياء التى سكنها فى القاهرة، وصولا إلى مرحلة العمل السياسى فى السبعينيات، والملابسات التى أدّت إلى اختيار زوجته الأولى. فى البداية نحن فى صيف 1962، ومصطفى -طفل فى العاشرة- يحكى لنا ذكرياته. كان والده قد توفى منذ سنوات قليلة، تاركا أرملة وطفلين. وكانت والدته «قمر» تتنقل به وبأخته «منى»، بين الحجرات التى تؤجّر فى منطقة شبرا، بحثا عن أرخصها، فى انتظار الحصول على معاش من الشركة التى كان الوالد يعمل بها، وفى انتظار الحصول على جنيهات قليلة من الضمان الاجتماعى. كانت الأم ترفض قبول المساعدات من الجد أو من العم اللذين كانا يعرضانها على الأسرة الصغيرة بين وقت وآخر. وهكذا وجد مصطفى نفسه مضطرا إلى مساعدة والدته، رغم صغر سنه، ورغم أنه تلميذ ناجح فى الصف الخامس الابتدائى.
أول عمل لمصطفى هو مساعدة «عم كامل» فى نقل ألواح الثلج، من الثلاجة الموجودة فى الشارع، إلى المستهلكين فى الشقق السكنية الواقعة فى طوابق مختلفة بعدد من عمارات الحىّ، وكذلك إلى بعض مقاهى الحىّ. كانت الثلاجات المنتشرة فى ذلك الوقت تسمّى «السربنتينة»، وهى مشتقة من كلمة ثعبان «سربنت» فى اللغات الأجنبية، وهو اسم المواسير التى تتلوى كالثعابين، وتوضع فوقها ألواح الثلج، التى تُبَرِّد الماء عند مروره داخل المواسير. عندما يحاول الطفل مصطفى مقاومة حرّ الشوارع، بامتصاص قطع من الثلج المجروش فى فمه، يصاب بحمّى يرقد بسببها فى الفراش.
فى العام التالى 1963، عمل مصطفى فى مطبعة تقع فى أرض شريف، بالقرب من شارعين مهمّين هما محمد على وعبد العزيز، وبالقرب من ميدان العتبة، وهو ما سمح للطفل باكتشاف الكثير من ملامح قاهرة وسط البلد التى لم يكن يعرفها. بالإضافة إلى أنه كان منتبها إلى المراحل المختلفة لعمليات الطباعة الدائرة فى المطبعة، بالأسلوب اليدوى القديم، من صفّ الحروف، إلى طبع أفرخ الورق، وتقطيعها، ثم لصقها بالغراء، ثم إضافة الأغلفة، لإنتاج الشكل النهائى للكتاب. إلا أن عمل الطفل كان منحصرا فى تنظيف المكان، وشراء الطعام للأسطوات، وجلب الأوراق من ورش التقطيع.
وحدث ذات مرة، فى أثناء ذهاب مصطفى وأحد زملاء العمل الأطفال، بالترام من شبرا إلى العتبة، وكانا معتادين على الركوب دون قطع تذاكر، رغم أن ثمنها كان فقط نصف قرش، أن قبض عليهما البوليس. نُقِل مصطفى فى سيارة شرطة ليست بها إلا نوافذ ضيقة مرتفعة، تعرّض داخلها إلى تحرش جنسى، إلى قسم شرطة الأزبكية، حيث وُضِع لصغر سنه فى حجز الحريم، وتكفلت سيدة شابة جميلة اسمها «نوال» بحمايته من الاعتداء عليه، ثم قدّمت له الماء والطعام. تمكنت فى ما بعد أمهات الأطفال التلاميذ من تسلمهم دون خسائر جسيمة.
فى شهور إجازة صيف عام 1964، ينتقل مصطفى إلى العمل فى محل «عم عريان»، المكوجى فى بولاق أبو العلا، فيساعد صبى المحل فى نقل الملابس من وإلى شقق العمارات الخمس الواقعة على كورنيش الزمالك، بين قصر «لطف الله» الذى تحول لاحقا إلى فندق «الماريوت»، وبين نادى الجزيرة. يصاب الطفل بنوع من الانبهار، عندما يقارن بين ثراء مداخل وأبواب هذه العمارات، وبين فقر الحجرات التى يسكن فيها مع والدته وأخته، فى شقق تشاركهم أسر أخرى فى حمّاماتها، ويتركونها دائما غارقة فى بللها، ناهيك بالضوضاء التى تصدر غالبا من أزواج مخمورين، يضربون زوجاتهم.
انتقل مصطفى بعد ذلك إلى مساعدة «المعلم عريان»، فى عمليات كىّ الملابس المختلفة، ليتعلم الأصول الفنىّة لكىّ البنطلونات والقمصان والبلوزات والفساتين. يثق المعلم أن الصبى يمكنه أن يصبح أسطى كوّاء محترف ذات يوم، إلا أن وفاة الأسطى عريان المفاجئة، تجهض أحلام الفتى فى تعلّم أسرار الصنعة. تزخر كذلك تلك الفصول بعدد من الشخصيات النسائية التى تتقرّب من الفتى، مثل الخرساء «فاطمة»، و«نجوى» التى كانت سيقانها الجميلة تجذب انتباه الفتى.
فى صيف 1966 التحق مصطفى بالعمل فى محل عصير بميدان «لاظ أوغلى»، كان صاحبه صديقا لأحد جيرانهم فى شبرا، ونتيجة لثقة قمر فى صاحب ذلك المحل، شاركته فيه برأس مال قدره 180 جنيها، هى كل ما تمكنت من الحصول عليه كمكافأة نهاية خدمة لزوجها. بعد ذلك تحسّنت أحوالهم عندما كانت تحصل من المحل على عائد شهرى قدره عشرة جنيهات، بالإضافة إلى جنيهين هما مرتب مصطفى الأسبوعى. كان عمله كاشيرا، أى أنه كان يقبض ثمن المشروبات من الزبائن، ويسلمهم مقابل الثمن ماركات بألوان مختلفة حسب نوع المشروب، كالعصائر المختلفة مثل القصب والجوافة والمانجو، أو كالمشروبات الغازية.
إلا أن هذا الرخاء الاقتصادى لم يدم طويلا، فبين يوم وليلة تم القبض على صاحب المحل وإيداعه السجن، وإغلاق محل العصائر بالشمع الأحمر، ولم تبىّن الرواية ما التهمة التى سُجن بسببها صاحب المحل. إلا أن الأسرة الصغيرة وجدت نفسها مضطرة إلى مغادرة حى شبرا، والانتقال للإقامة فى أحد أحياء الجيزة الشعبية وهو حى العمرانية، الذى لم يكن فى ذلك الوقت إلا بعض المساكن المتناثرة، فى أرض تغلب عليها خضرة الحقول، وبالطبع كانت مشكلة السكن الجديد أنه بلا كهرباء أو مياه نقية أو صرف صحّى. اضطرت قمر إلى البحث عن عمل، حتى وجدت وظيفة مربية فى حضانة أطفال. أما مصطفى فإنه لم يتمكن من الانتقال إلى إحدى المدارس الثانوية فى الجيزة، فظل فى مدرسة روض الفرج الثانوية، وذلك لأنه كان يدرس اللغة الألمانية كلغة ثانية، ولم تكن هذه اللغة قد انتشرت فى المدارس.
خلال السنوات الثلاث الأولى من دراسته فى كلية التجارة، عمل مصطفى فى مجلة «صوت العروبة»، التى كان يصدرها رجل يعمل أساسا فى تجارة الأخشاب، ويملك مخزنا للخشب وورشة نجارة فى منطقة «بين السورين»، بالإضافة إلى كونه مسؤولا حزبيا فى الاتحاد الاشتراكى، وكان المصدر الرئيسى للتمويل اللازم للمجلة يأتى عن طريق الحصول على أكبر قدر ممكن من الإعلانات المدفوعة، من أصحاب الأعمال المختلفة، بحجة أن المجلة تعبّر عن أصوات العمّال وعن آراء الطبقة العاملة.
فكان مصطفى يذهب مع مندوب جمع الإعلانات، إلى الورش والمصانع فى جميع أنحاء القاهرة، ويقومان بإجراء حوارات مع أصحاب الورش والمصانع، عن رأيهم فى مشكلات العمل المختلفة، المتعلقة بالنقابات والضرائب، ثم يسجّلان ما يقوله الشخص كتابة، حتى يشعر صاحب الورشة أو المصنع، بأهميته وبأهميتهما، فيتحمّس لوضع إعلان فى مجلتهما، إما عن إنتاج ورشته أو تهنئة لرئيس الجمهورية أو للسيد المحافظ، بمناسبة أحد أعياد الثورة أو الأعياد القومية المختلفة. وبالتالى فإن المناديب كانوا يذهبون مثلا فى عيد النصر (23 ديسمبر) إلى بورسعيد، وفى عيد العمال إلى المنطقة الصناعية فى حلوان أو شبرا الخيمة، أو إلى مصانع النسيج فى المحلة الكبرى، وهكذا. كان للمندوب نسبة فى قيمة المبلغ الذى ينجح فى تحويله نقدا إلى خزينة المجلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.