انتهت اللجنة الوطنية الثلاثية لسد النهضة منذ أيام من توقيع العقد الاستشاري لسد النهضة من خلال مكتبين استشاريين فرنسيين، وذلك لتنفيذ دراسات سد النهضة التي تقيس تأثير سد النهضة الإثيوبي على دولتي المصب (مصر والسودان) من النواحي المائية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية، وهي الدراسات التي سوف تستغرق 11 شهرًا يليها خلاف مُتوقع حول نتائج الدراسات، مما يجعلها تستغرق عامًا ونصف - تكون إثيوبيا انتهت من مخططها لبناء سد النهضة والمتوقع في أغسطس 2017 . ووفقًا للدكتور نصر الدين علام وزير الموارد المائية والري الأسبق، فان الدراسات نتائجها غير مُلزمة لأي من الأطراف حسب ما جاء في إعلان المبادئ لمارس 2015، وستكون النتائج بالطبع محل خلاف في التفسير والتأويل لكونها دراسات استشارية وليست تحكيمية، كما حققت إثيوبيا بالفعل العديد من المكاسب السياسية من بناء السد سواءًا البدء في بناءه بدون إخطار مصر والسودان، وكذلك فرض سعته التخزينية على دولتي المصب، بالرغم من أن سعته زائدة جدًا مقارنة بتصرفات النيل الأزرق مما أدى إلى خفض كفاءته في توليد الكهرباء إلى 27% فقط بدلًا من 60% متوسط كفاءة السدود المماثلة، إضافة إلى رفض أي طلب لوقف بناء السد حتى الانتهاء من دراساته، وكذلك رفض أي مطالبة من مصر بإجراء أي دراسة لسلامة السد الإنشائية، مما عزَّز من قوتها الإقليمية والدولية. ونجحت أثيوبيا في فرض المكاتب الاستشارية التي تريدها للقيام بدراسة تداعيات السد على دولتي المصب، بالرغم من المباحثات والمعارضة المصرية التي استمرت أكثر من 18 شهرًا تحت وزير الرى السابق، حتى انتهت إثيوبيا من بناء أكثر من 50% من السد قبل بدء الدراسات، وهذا يخالف كل القوانين والأعراف الدولية. وأضاف "علام" "كما هو معروف للمتخصصين في إدارة الموارد المائية، فإنه عند مناقشة إنشاء سد على نهر دولي مشترك - فإنّ دول النهر تناقش في الأساس سلامته الإنشائية، وسعته التخزينية، وإذا وافقت الدول على السد ومواصفاته، يتم بعد ذلك التفاوض حول سنوات التخزين وسياسات التشغيل، ولكن إثيوبيا استبعدت سلامة السد وسعته التخزينية من المباحثات مع مصر، وتساءل هل يعقل أن تتفاوض الدول الثلاثة 3 سنوات كاملة للاتفاق على التعاقد مع استشاري؟ إلا أننا نتوقع أن تنتهي الدراسات في 11 شهرًا فقط، وهذا يذكرني بخريطة الطريق التي كان يرددها وزير الري المصري السابق، والتي نصت على الانتهاء من دراسات السد في أول مارس 2015. وتابع وزير الري السابق أن الانتهاء من الدراسات بالرغم من صعوبتها هو الجزء الأسهل، أمّا الصعب فهو الوصول إلى اتفاق بين الدول الثلاثة حول سنوات التخزين وسياسات التشغيل، وذلك لعدم وجود مرجعية للاتفاق، حيث أن المرجعية الدولية هي عدم إحداث ضرر ملموس (significant harm)، وكان يجب الاتفاق حول قيمة ومعنى الضرر الملموس في إعلان المبادئ ولكن لم يتم ذلك. أما الاتفاق حول معنى الضرر الملموس يحتاج إلى تفاوض سياسي وليس فنى، كمثال عددي: هل نقص إيراد المياه لمصر10% ضرر بسيط أم ملموس؟ - قد تراه مصر مصيبة كبرى، بينما تراه إثيوبيا أقل حق لها في مياه النيل الأزرق. - ليس ليس لدينا ترف مائي وأوضح "علام" أن مصر لا تتمتع بأي ترف مائي يسمح لها بنقص مؤثر في حصتها المائية، وكل ما يقال عن الترشيد والتحلية والمعالجة هي إجراءات ضرورية لحل الأزمات الحالية، ولا تستطيع مصر استيعاب نقص مؤثر في الحصة المائية، كما أن اتفاقيات السدود السابقة على الأنهار الدولية معظمها يتحدث عن سنوات تخزين من 10إلى 20 عامًا لتقليل الضرر نسبيًا، بينما إثيوبيا تعتقد 5 سنوات قد تكون فترة طويلة تقلل من العائد الاقتصادي للسد ومن جدواه الاقتصادية، وبالتالي كل هذه العوامل قد تعوق الوصول إلى توافق بين مصر وإثيوبيا حول نتائج الدراسات، أمّا موقف حكومة السودان فهو واضح ولا يحتاج إلى بيان. وأخيرًا فإن إثيوبيا لم تحترم الاتفاقيات السابقة وأهمها 1902 والتي وقَّعها إمبراطور إثيوبيا مينليك الثاني، وأقرها البرلمان الإثيوبي، والتي تنص على عدم بناء سدود على النيل الأزرق وعلى السوباط بدون موافقة دولة المصب مصر. 5 سنوات من المفاوضات.. إثيوبيا تكسب دائمًا أما الدكتور عباس شراقي رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية جامعة القاهرة، فيؤكد أن مفاوضات سد النهضة تعرضت لمنعطفات كثيرة خلال السنوات الخمس الأخيرة. فكانت البداية في 29 إبريل 2011 بزيارة وفد الدبلوماسية الشعبية المصرية لإثيوبيا لإعادة بناء العلاقات المصرية الإثيوبية بعد ثورة يناير 2011، أعقبها زيارة الدكتور عصام شرف رئيس وزراء مصر الأسبق لإثيوبيا في مايو 2011، ومقابلة رئيس الوزراء الإثيوبي السابق "زيناوى" له بالترحاب، والذي ذكر أن إثيوبيا لا تريد الإضرار بمصر، مقترحًا تشكيل لجنة دولية تقوم على مراجعة دراسات سد النهضة وتعديل مواصفات السد طبقًا لرأي اللجنة إذا لزم الأمر. وتم في العام الأول: تشكيل لجنة الخبراء الدولية (من مايو 2011 الى مايو 2012). وفى العام الثاني، تم عمل اللجنة لمراجعة الدراسات الإثيوبية وتحديد أثر السد على كل من مصر والسودان، من مايو 2012 إلى مايو 2013، أما العام الثالث فتم التفاوض حول كيفية تنفيذ توصيات اللجنة الدولية، من يونيو 2013 حتى يناير 2014، وإعلان فشل المفاوضات وتوقفها حتى يونيو 2014 حينما تقابل الرئيس السيسي مع رئيس الوزراء الإثيوبي على هامش قمة الاتحاد الإفريقى في ملابو (غينيا الاستوائية)، حيث اتفقا على إعادة التفاوض - وفي العام الرابع تم اختيار أحد المكاتب الاستشارية الدولية لتنفيذ جزء من توصيات اللجنة الدولية بعمل دراسات إضافية لا تشمل هندسة السد وأمانه، بل تشمل دراسات هيدرولوجية، ودراسات بيئية - اقتصادية اجتماعية، لأكثر من عام بدءًا من أغسطس 2014 حتى ديسمبر 2015. وفي العام الخامس تم التعاقد مع المكتبين الاستشاريين (أقل قليلًا من عام من ديسمبر 2015 إلى سبتمبر 2016) لتنفيذ دراسات سد النهضة دون هندسة السد وأمانه، وذلك لإصرار إثيوبيا على أن تقوم به منفردة على اعتبار أنه يمس سيادتها. أما العام السادس فتم عمل الدراستين لمدة 11 شهرًا (سبتمبر 2016 إلى أغسطس 2017). ومن المتوقع في السنة السابعة أن يتم الانتهاء من بناء سد النهضة طبقًا للجدول الزمني الإثيوبي (أغسطس 2017). وأضاف "شراقي" أننا لاحظنا أن المفاوضات بدأت بطلبات قوية ثم أخذت تقل تدريجيًا، حيث بدأت برغبة مصر في إثناء إثيوبيا عن بناء السد، فلما تعذَّر ذلك - طلبنا بتخفيض السعة التخزينية، وحينما تعذر أيضًا طالبنا بتشكيل لجنة دولية لتقييم السد نظرًا لمواصفاته المبالغ فيها، وخرج التقرير يدين إثيوبيا، وأيضا عملنا على مناشدة لجنة دولية أخرى لتنفيذ توصيات اللجنة الأولى على أمل تخفيض السعة، فإذا بإثيوبيا ترفض أن تكون اللجنة دولية بل وطنية فقط، وترفض أيضًا دراسة التصميم والأمان، وتحولت المفاوضات إلى اجتماعات منذ أغسطس 2014 للقيام بجزء من الدراسات التي قد تفيد في الملء الأول وطريقة تشغيل السد، والآن سيتم التوقيع مع الشركتين الاستشاريتين في الخرطوم وسط احتفال يُوصف بأنه خطأ كبير. ويخطئ من يظن أن بهذا التوقيع قد انتهت مشكلة سد النهضة، ولكنها خطوة خلصت نوايا إثيوبيا إلى تقليل من تأثير سد النهضة على مصر بشرط: - البدء في تنفيذ آلية تشغيل سد النهضة من خلال اتفاقية تنفيذية لفريق فني مشترك طبقًا لاتفاق المبادئ التي تم توقيعها بالعاصمة السودانية الخرطوم في مارس 2015 - على أن يستعين بنتائج الدراسات التي تتم مستقبلاً، مع التأكيد على الاتفاقيات السابقة بين مصر وإثيوبيا أو تحديثها، بحيث تضع آلية للتعامل المائي بيننا في المشروعات المائية المستقبلية حتى لا نُكرر سيناريو سد النهضة مع أي سد إثيوبي جديد - إذ أن إثيوبيا لا تعترف أصلًا بحصة مصر المائية التي تقدر ب55.5 مليار متر مكعب، كما أنها لا تعترف بالاتفاقيات التاريخية المُوقعة معها بحجة أنها كانت في وقت الاحتلال.