الخطوة تعكس اتجاها تقاربيا جديدا بين دول الخليج العربية وإيران فى ظل ما يشهده الشرق الأوسط من إعادة رسم لخارطة التحالفات الإقليمية شهد مطلع الشهر الجارى حدثا إقليميا له عديد من الدلالات، فقد قام أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح بزيارة استغرقت يومين إلى العاصمة الإيرانيةطهران برفقة وفد يضم وزراء الخارجية والنفط والمالية والتجارة والصناعة، استجابةً لدعوة من الرئيس الإيرانى حسن روحانى. وترتبط أهمية هذه الزيارة بعدد من العوامل والمتغيرات لعل أولها حقيقةً أنها الأولى من نوعها لأمير كويتى منذ الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979. تأتى هذه الزيارة التى تؤشر لاتجاه تقاربى جديد بين دول الخليج العربية وإيران فى ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من إعادة رسم لخارطة التحالفات الإقليمية فى الفترة الأخيرة، والتى تبلورت مع التغيرات التى شهدها الملف الإيرانى، خصوصا مع توقيع الإدارة الأمريكية اتفاقا نوويا مؤقتا مع الحكومة الإيرانية حول برنامجها النووى، الأمر الذى اعتبره كثيرون يدلل على رغبة واشنطن فى إعادة رسم شبكة علاقاتها فى المنطقة خصوصا فى ظل التغاضى الأمريكى عن استمرار التدخل الإيرانى فى اليمن والعراق وسوريا، الأمر الذى يدفع الدول الخليجية إلى مراجعة حساباتها فى ما يخص العلاقات مع إيران. وهو ما يتأكد فى ظل التوقعات التى استبقت الزيارة والتى أشارت إلى استعداد الكويت للوساطة بين إيران والسعودية. فضلا عن تصريح وزير الخارجية العراقى هوشيار زيبارى حول أهمية هذه الزيارة وأن دول المنطقة تعلّق عليها" آمالا كبيرة". فى هذا السياق، يمكن القول إن الكويت تقوم بدور الوكيل الإقليمى عن دول الخليج العربية فى تنفيذ التوجه الجديد نحو طهران، خصوصا أن هذه الزيارة تأتى بعد الخطوة التى تقدمت بها الرياض بدعوة إيران للحوار والتفاوض لتقريب وجهات النظر، بل وتوجيه الدعوة إلى وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد نظيف بأنه لن يلبّى الدعوة لزيارة السعودية. وتحل الكويت بذلك محل سلطنة عمان -التى يبدو أنها لا تحقق نجاحا ملحوظا فى هذا الصدد. ويمكن تفسير قيام الكويت بذلك الدور فى ظل عدد من العوامل منها مصلحة الكويت فى نزع فتيل التوتر الخليجى- الإيرانى الذى ينعكس عليها لا سيما أن الشيعة فيها يزيدون على 30% من مجموع الكويتيين "الأصليين" وباتوا يشكلون كتلة سياسية ومذهبية لها ثقلها فى مؤسسات الدولة السياسية، وقطاعها الاقتصادى وخريطتها الإعلامية. كما أن الكويت لا تتبنى موقفا متصلبا من البرنامج النووى الإيرانى وإنما تفضل دائما السعى لإيجاد أرضية مشتركة للتفاهم مع طهران، إلى جانب خبرة أمير الكويت الدبلوماسية التى يمتلكها كوزير خارجية سابق لما يقرب من 50 عاما. لم يترك أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مجالا لتأويل التوجه التصالحى لبلاده تجاه إيران، بل حرص على أن يعكس ذلك بشكل واضح من خلال تصريحاته خلال الزيارة التى كان من أبرزها تأكيد أن "مرشد الثورة الإيرانية على خامنئى ليس مرشدا لإيران فحسب وإنما مرشد لكل المنطقة"، فضلا عن تأكيد أن بلاده ستفتح صفحة جديدة مع إيران. بيد أن البعد الاقتصادى ظهر جليا خلال الزيارة، ومن ثم شهدت زيارة أمير الكويتلطهران توقيع 6 اتفاقات للتعاون بين الجانبين فى العديد من المجالات منها النقل الجوى والجمارك والرياضة والسياحة والبيئة والأمن. ويرى البعض أن العامل الأكثر تأثيرا فى هذا السياق هو حاجة الكويت إلى الغاز الإيرانى، إذ تحتاج الكويت إلى الغاز الطبيعى بشدة لتشغيل محطات الكهرباء التى يتزايد عليها الضغط بقوة خلال فصل الصيف شديد الحرارة والذى يتزايد فيه استخدام أجهزة التكييف، وقد شهد الشهران الماضيان توقيع الكويت 3 اتفاقيات تضمن لها استيراد نحو 2.5 مليون طن من الغاز الطبيعى المسال سنويا من شركات "شل" و"قطر غاز" و"بى.بي"، ومن ثم يمكن القول إن التباحث بشأن التعاون فى مجالى النفط والغاز، كان من أهم ما سعت إليه الدبلوماسية الكويتية. هناك من المؤشرات ما يدفع إلى الاعتقاد بأن طهران ترحب بالتقارب مع دول الخليج، وإن ترددت فى إبداء الترحيب المبالغ به إزاء هذا التوجه، فعلى الرغم من المؤشرات غير الإيجابية مثل استقبال وزير الخارجية الإيرانى لأمير الكويت فى المطار بدلا عن الرئيس روحانى وعن عدم نقل التليفزيون الرسمى الإيرانى والتليفزيونات الخاصة مراسيم الزيارة وتوقيع الاتفاقيات، وكذلك تصريح وزير الخارجية الإيرانية مع بداية الزيارة بعدم قدرته على زيارة السعودية لارتباطه بالمباحثات النووية مع الدول الكبرى التى ستقام فى الوقت نفسه... فإن هناك مؤشرات أخرى قد تدفع لتبنى رؤية مغايرة، فقد أكد سفير إيرانبالكويت عزمَ وزير الخارجية محمد نظيف على زيارة السعودية والسماع منهم مباشرة بدلا من السماع من الوسطاء، وأن يد إيران ممدودة للجميع. فضلا عما شهدته الأيام السابقة من إعلان السيد هاشمى رفسنجانى الرئيس الإيرانى الأسبق ورئيس هيئة تشخيص النظام فى إيران، والمعروف بعلاقاته الوثيقة مع العاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز، عن إصدار وثيقة اعتبرها خارطة طريق لحل الخلافات الإيرانية الخليجية، اقترح فيها بدء المفاوضات حول القضايا الأسهل مثل البحرين ولبنان واليمن ثم الانتقال بعد ذلك إلى القضايا الأصعب مثل العراق وسوريا.